وتعزز حقوق الإنسان داخليا وعالميا, لتقديم صورة مشرفة لمصر جديدة تنبري للدفاع عن حقوق الشعوب في جميع المناحي. أمال كبيرة تبقي معلقة علي أداء مجلس الشعب الجديد, لكونه أول ثمار التسونامي السياسي الذي اجتاح مصر, ومازال, العام المنصرم, وهو أول مجلس تشريعي يمكن الاطمئنان الي أنه كان نتيجة انتخابات نزيهة لا يمكن مقارنتها بسابقاتها. فما هي تلك الآمال وترتيبها في الذهنية الجماعية للشعب المصري؟ أولا: حصل التيار الديني بفصائله علي ما يربو علي70% من مجموع المقاعد, واستأثر الاخوان المسلمون بما يناهز46 في المائة من اجمالي قوة المجلس. المأمول أن يدرك هذا التيار أن أغلبيته هي مسئولية وعبء وليست مدعاة للانتشاء بسكرة السلطة. وهو ما لم يتحقق اذا ما انتهج الإخوان وحدهم أو بالتحالف مع حزب النور أو الوسط مبدأ الاستئثار أو التعالي أو فرض الأمر الواقع بسطوة الأغلبية.. المطلوب والمرجو ألا نعيد استنساخ ممارسات الحزب الوطني حتي لا نعيد تأزيم الموقف السياسي الداخلي مرة أخري.. وليدرك الاخوان أن حجم المشاكل التي تواجهها مصر أكبر من أن يتحملها فصيل سياسي بمفرده, وأن الحكمة تقتضي أن يتقاسم الجميع العبء والمسئولية حتي يمكن تقسيم النتائج أيضا بحلوها ومرها. ثانيا: إعادة النظر في المنظومة التشريعية لمصر برمتها. فلدينا غابة من القوانين المتراكمة وبعضها يتناقض مع ثوابت دستورية أو حقوق دولية متعارف عليها. المطلوب اذن هو المراجعة والتنقيح وإزالة المثالب والعثرات.. لجعل البيئة المصرية أكثر وضوحا وشفافية ورسوخا فيما يتعلق بضمان الحريات بمختلف أنواعها وجذبا للاستثمارات, وتحقيقا لأمن المواطن بمفهومه الشامل بما يحميه من عسف أو جور سلطة أو حتي من قبل أي فرد أخر. المطلوب هو تغليظ العقوبات التي تنال من الكرامة الانسانية بأي شكل من الاشكال وترسي معالم دولة المساواة والعدالة. ثالثا: إقرار مبدأ الفصل بين السلطات, فلا يحق لمجلس الشعب التشريعي والرقابي أن يتدخل بأي صورةكانت في أعمال السلطة القضائية مستغلا وجود حالة من المزاج الشعبي المؤيد لذلك. الأهم أن يقدم المجلس بنفسه المثل الأول في الالتزام بمعايير دولة القانون وأهمها مبدأ الفصل بين السلطات وعدم جور أو أن تتغول أحداهما علي الأخري. رابعا: علي التيار الديني بالبرلمان أن يعظم من شأن مفهوم الدولة في جميع أفكاره. فلا يكون الولاء للجماعة وأهدافها هو الاولوية.. وأعني بهذا أن الولاء للدولة يقتضي أن يكون المفهوم شاملا لاستيعاب جميع التيارات والأفكار والأديان والجماعات.. الخ.. وإدراك أن الفوز الذي تحقق هذه المرة لن يدوم, فلا يوجد حزب سياسي واحد بمقدوره الاحتفاظ بأغلبيته الي الأبد, ومن ثم, فأن ما يقدمونه ويرسونه للأقلية من حقوق وقواعد مؤسسية يعني أنهم, سيتمتعون بها في وقت لاحق. خامسا: اتساقا مع ما تقدم, فان علي البرلمان ان يراعي في اختيار الجمعية التأسيسية للدستور تحقيق جميع متطلبات جميع شرائح المجتمع, وليس التيار الاسلامي وحده. فالدستور هو عقد توافقي لجميع المصريين تضعه النخبة ويقره الشعب.., ولابد أن يعي التيار الاسلامي أن تمسكه بالمادة الثانية وتفعيلها لابد أن يتسق مع توافق الرؤي الشعبية, فنحن لسنا بصدد تفسير نص ديني في مجمع فقهي, بل وضع صياغة سياسية في محفل برلماني, وهناك فارق كبير بين هذا المحفل أو ذاك... سادسا: أمام البرلمان مهمة شديدة الوطأة وهي الهدم والبناء في أن واحد. أي أن الضرورة تستوجب اختيار أجزاء البيت التي يجب هدمها وتحديدها بدقة متناهية ثم تحديد أجزاء أخري يمكن ترميمها, ثم رسم الكروكيات لكيفية البناء والاستبدال في أن واحد.. المهم ألا يقوم المجلس بارتكاب خطأ واحد خلال تلك العملية الدقيقة, فان ينجو ألف مخطيء خير من يظلم بريء واحد مثلما تقر الثقافة الإسلامية.. ما أعنيه بوضوح أن تطهير المؤسسات استجابة لضغوط الرأي العام ينبغي أن يتم وفقا للقانون وحده, والقانون لا يعاقب الا علي أساس ارتكاب جرائم وليس علي النوايا أو الأطماع الشخصية.. سابعا: المأمول أن يقوم البرلمان الجديد وأعضاؤه بتفعيل دور المجلس الأصيل في الرقابة علي جميع مؤسسات الدولة والمساءلة الجادة لجميع وزراء الحكومة. يتبقي أن ذلك يجب أن يتم بمراعاة أن التركة الموروثة خربة, فأمامنا سنوات قبل أن نتعافي منها, فليس من المنتظر أو المتوقع أن تقوم أي حكومة بمعالجة اختلال عقود خلت أو فشل سياسات التنمية ما بين عشية وضحاها. ومن ثم, فان المساءلة ينبغي أن تكون متناسبه مع الوضع القائم, وإمكانات تحسينه, وليس لاعتبارات اكتساب الشعبية السطحية وإحراج متكرر لحكومة متعثرة في مشاكلها الغائرة ومقيدة بقلة مواردها. ثامنا: علي البرلمان الجديد أن يدعم وجود مصر الخارجي عبر التواصل مع شبكة البرلمانات العربية والإسلامية والدولية وإعادة تفعيل وجود مصر, بوجهها البرلماني, علي المستوي الخارجي بأسرع وقت ممكن, لنقل التجربة المصرية والترويج لها, والاقتداء بنماذج الاداء الأخري الناجحة وكذلك الترويج للقضايا الوطنية والعربية.. ولربما جاز كذلك دفع السياسة الخارجية المصرية الي أفاق جديدة تكون فيها مصر رائدة في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان عبر الانضمام الي المعاهدات الدولية التي تجرم انحرافات الانظمة الحاكمة وجرائمها.. وتعزز حقوق الإنسان داخليا وعالميا, لتقديم صورة مشرقة لمصر جديدة تنبري للدفاع عن حقوق الشعوب في جميع المناحي. تاسعا: البرلمان الجديد لابد أن يعمل أو يكون انعكاسا لنبض الشارع المصري ومعبرا عن رغباته. لا يعني هذا بالضرورة الاستجابة الفورية لكل مطلب تدفع به فئة من الجماهير, بل أن توزن الأمور بميزان دقيق ما بين المصلحة الوطنية العليا والمصلحة الجماهيرية الضيقة. سيعمل هذا وحده وبمرور الوقت علي طمأنة جموع المصريين أن البرلمان الجديد هو امتداد لهم, بأحلامهم وأفكارهم ومشاكلهم والقضايا.. وهذا وحده هو الكفيل بتأطير الانتقال السلس من حالة الشرعية الثورية الي حالة الشرعية الدستورية الهادئة, لكي تعود الامور الي استقرارها في عموم البلاد. باختصار.. الهدف يبنغي أن يكون الاستجابة إلي المزاج الشعبي بقدر المستطاع, بلا افراط به أو تفريط فيه, وكذلك بلا مزايدات شعبوية تستنزف الطاقة والجهد بلا طائل. أكاديمي مصري