الكثير من المهن الإبداعية تعاني من نقص الموارد و تحاول نقابتها الحصول علي موارد ثابتة لتمويل معاشات و علاج أعضائها. الغريب أن هناك مهنا نجحت في الحصول علي موارد ثابتة لتمويل أعضاء نقابتها في حين فشل الآخرون و المثال الحي والواضح في مصرنا العزيزة يتجسد في نقابات مثل نقابات المحامين و العاملين في مجال التعليم و حصولهم علي موارد من رسوم التقاضي و رسوم الالتحاق بالمدارس و الجامعات في حين يعاني الآخرون من شظف الحياة و قسوتها مثل الصحفيين و غيرهم. وقد يكون الخوض في هذا الموضوع يحتاج لفقهاء في التشريع و المالية بل و السياسة ليدلوا بدلوهم في الموضوع بشكل علمي وقانوني موثق, ويقدموا أكثر مما يقدمه مقال صحفي, وأعتقد أن هذا ما يتم الآن مع وجود مستشارين قانونيين في كل نقابة تدافع عن حقوق أعضائها, وكل ما نتمناه للسيد المستشار القانوني الجديد لنقابة الصحفيين أن يوفقه الله تعالي في إيجاد حل و مخرج قانوني لمشكلة إيرادات نقابة الصحفيين.... علي افتراض أن هذا هو من الأولويات الملحة و الشغل الشاغل لمجلس النقابة الموقر و مستشاره الجديد. القضية الأخري التي تعد من عقد الزمان و التي يتوارثها جيل من بعد جيل تخص المبدعين في مصر وبالأخص في مجال الفن و الدراما و السينما, و هي قضية حق الأداء العلني. فمن المعروف أن فقط رابطة المؤلفين و الملحنين هي التي تحمي حقوق أعضائها عبر توريد نسب من إيراد إذاعة أعمال أفرادها في الإذاعة أو عبر بيعها مسجلة علي الوسائط المختلفة, أما المبدعون الأخرون في المجالات الفنية المختلفة مثل كتاب السيناريو و المخرجين و مؤلفي موسيقي الأفلام فأن حقوقهم في العمل تنتهي مع تسلمهم أجورهم عن العمل بمجرد الانتهاء منه, ولمنع حدوث أي خلاف قضائي مستقبلا يواقع المبدعين علي عقود تنازل عن حقوقهم في الأداء العلني لأعمالهم قبل بدء العمل بها وبالتالي فأن أي نسب مستحقة لهم من إيرادات عرض الفيلم من بعد عرضه الأول في دور العرض( فيديو تليفزيون عروض خارجية) لا تورد إليهم. هذه القضية تغافلت عنها نقابة المهن السينمائية منذ عودتها في السبعينيات و لم يطرح أي نقيب من نقباء السينمائيين هذه القضية في برنامجه و لم يخوض أي معركة من أجلها مع اتحاد المنتجين أو غرفة صناعة السينما من أجل الحفاظ علي حقوق أعضائها من المبدعين لا فقد تحول معظم المبدعين في مصر إلي شحاتين و متسولين, و قد كان الكثير منهم نجوم الوسط السينمائي لسنوات عدة. في الغرب الأمر مختلف حيث أن المخرج و كاتب السيناريو و المؤلف الموسيقي يظل فيلمه يدر عليه دخلا سنوات وسنوات من بعد عرضه في دور العرض. فكل مرة يعرض فيها الفيلم في التليفزيون وكل مرة يباع فيها الفيلم مسجلا علي شريط أو أسطوانة يقبض منتج الفيلم مبلغا من المال, وهو بالتبعية مرغم علي إعطاء مبدعي الفيلم أو ورثته نسبة متفقا عليها مما يدره عليه عرض الفيلم من أموال. وتشهد ساحات المحاكم في فرنسا اليوم قضية مهمة تخص موضوع حق الأداء العلني للمبدعين.... يرفع المخرج الفرنسي الكبير إيف بواسيه قضية ضد المنتج الفرنسي الكبير' مارين كارميتز' علي فيلمين من أشهر أفلام السينما الفرنسية التجارية في السبعينيات:-(DupontLajoie1975) و(UnTaxi)1977, فقد قام المنتج كارميتز بشراء الفيلمين من الشركة صاحبة الحقوق في توزيع الفيلمين و التي بدورها اشترت الحقوق من الشركة المنتجة و لكنه لم يعط المخرج أيف بواسيه نسبته في توزيع الفيلمين منذ أن أصبح صاحب حقوق الفيلمين و التي تقدر بحوالي15% من إيرادات توزيع الفيلمين. وقد أدعي المنتج و الموزع كارميتز أن الحقوق الخاصة بالمخرج أيف بواسيه هي دين علي الشركة المنتجة و ليست عليه( الشركة المنتجة اختفت من الوجود), ولكن المحكمة حكمت للمخرج إيف بواسيه بحقوقه في نسبته المشروعة من توزيع الفيلمين و أعلنت أن حقوقه و حقوق المبدعين في الفيلم محفوظة داخل العمل الإبداعي- و هو الفيلم- أيا كان الموزع أو صاحب الحقوق. أن المبدع في الدول المتحضرة هو عقل الأمة وروحها و القانون يحميه من الاستغلال و العوز و الفقر طالما ما أبدعه مازال عليه طلب لكونه عملا جيدا مهما مرت السنوات, ولنا أن نعرف أن فيلما مثل المومياء يعد أكثر الأفلام إدرارا للربح في تاريخ السينما المصرية حيث أن عقد عرضه في التليفزيونات الأوربية يجدد كل فترة بالعملة الصعبة, في حين أن مخرجه شادي مات وهو يبحث عن من يمول له فيلمه الثاني, و الذي ماتت فكرته مع موت شادي.... يجب أن يدعم التشريع المبدعين, و أن يتفق السينمائون علي تكوين قوة ضغط للمطالبة بحقوقهم, لا أن تضيع حقوقهم ويتركوا المبدعين لقمة سائغة لمنتجي السينما من تجار الخيش و الجزارين و أخيرا الشركات النفطية.