كل دولة لها عملة تتعامل بها والعملة لها وجهان الوجه الأول الفن والثقافة والوجه الثاني السياسة والتي تتبعها في إدارة شئون البلاد. وسأعود إلي الوراء ومنذ قدماء المصريين وقبل ظهور الأديان كان المصريون يهتمون بصناعة التماثيل وبناء المقابر ويصنعون الفرعون ويعبدونه وتستمر الحياة بحكم الأسرة الأولي والثانية والثالثة ولا يوجد منهج أو دستور وكان الحكم هو حكم الفرد والأسرة. ولن أكتب كثيرا في هذا الموضوع لأن معلوماتي عن قدماء المصريين ضعيفة ولكن أكتب أوجه الشبه في بعض الأمور وأهمها عبادة الفرد وصناعة الفرعون ومنذ أن وعيت علي الدنيا وتعلمت قراءة الصحف والاستماع لنشرة الأخبار في الراديو وتنصيب الملك فاروق واطلاق الألقاب عليه( الملك الصالح والملك المؤمن وألقاب كثيرة) وتحتفل البلاد بعيد ميلاده وعيد جلوسه ونسمع الأغاني( ملك البلاد يا زين يا فاروق يا نور العين) ونسمع صوت الملك في الراديو في افتتاح مجلس النواب وهو يقول( نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان وصاحب بلاد النوبة وكردفان) وكان هذا هو خطاب العرش الذي تسير عليه الحكومة في تسيير الأمور كل عام. وكان الفن والثقافة مزدهرا وفي خدمة النظام وفي سنة1945 ذهب الملك وحضر افتتاح ملهي الأوبرج بالهرم والذي غني فيها محمد عبدالوهاب أغنية الفن( الفن مين يعرفه إلا الفاروق ورعاه) وكذلك ذهب إلي حفل النادي الأهلي واستمع إلي أم كلثوم( الليلة عيد) ومنحها الوسام وأصبحت أم كلثوم( صاحبة العصمة) ونقفز علي الأحداث ونصل إلي ثورة1952 ونعرف اسم اللواء محمد نجيب وتجاوب الشعب مع الانقلاب وكان شعار محمد نجيب( الاتحاد والنظام والعمل) وغنت ليلي مراد في أرض المعارض( مكان الأوبرا حاليا) وفي أول عيد للثورة من ألحان الأستاذ مدحت عاصم( بالاتحاد والنظام والعمل) وخرجت أغاني جميلة تؤيد الحركة والانقلاب( ع الدوار راديو بلدنا فيه أخبار وكذلك أغنية م خلاص اتعدلت والحالة اتبدلت) وحصل انقلاب آخر وتولي القيادة الزعيم جمال عبدالناصر واشتعلت الحركة الوطنية واشتعلت معها الحركة الفنية والحركة الثقافية وكانت سندا ودعما للثورة والنظام ونحن نعيش علي تراث هذه الفترة حتي الآن. ويموت جمال عبدالناصر ويتولي أنور السادات وينتصر في حرب أكتوبر ويوقع علي معاهدة السلام ويتم اغتياله في عيد النصر ويتولي الرئاسة النائب حسني مبارك بدون خلفية شعبية أو تاريخ سياسي ومع تلك الفترة الأولي من حكمه كانت بلا مشاكل( التوريث والفساد المالي وتزوير الانتخابات وجشع رجال الأعمال) وعندما أحس الناس أن هناك فسادا في الحكم فسدت أمور كثيرة وأولها وأهمها الثقافة وفن الموسيقي والغناء وظهرت الأغاني الهابطة والقبيحة والتي تجاري نظام العصر ونخرج من هذا الحوار لنقول أن كل الثورات يساندها المثقفون والفنانون بداية من ثورة1919( سعد زغلول) وخرج من عباءتها فنان الشعب سيد درويش وفي ثورتنا الأخيرة(25 يناير2011) والتي قامت من أجل تغيير النظام والإطاحة بالفاسدين خرجت جماعات سلفية اساءت للإسلام والثورة لأن الإسلام دين السماحة وجه تشريعات تصلح لكل الناس والعصور أما هؤلاء المتشددون وثقافتهم المحدودة فلا تصلح لوجودهم بيننا ويجب استئصالهم حتي لا يفسدوا الثورة المدنية والتي تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية ولا يملك أحد أن ينكر قيمة الفن ودوره كسلاح وطني في إعلاء وجدان الشعب. ومن الأقوال المأثورة( أعطني زمام الموسيقي وأنا أعطيك شعبا سليما حكيما) والقول الآخر( الفن مرآة المجتمع) وأنا أقول: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء وخير الناس من ينفع الناس. والله ولي التوفيق