يستقبل المصريون بعد يومين من الآن المرحلة الثالثة من انتخابات مجلس الشعب الأول بعد ثورة يناير. وكما هو معلوم فقد حصل التيار الإسلامي ممثلا في جناحيه الأساسيين حزب الحرية والعدالة الذي يمثل الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي علي غالبية المقاعد. سواء تلك المخصصة للقائمة أو المقاعد الفردية. وهو الفوز الذي أحدث الكثير من الصدمة واللغط حول مغزاه, ومستقبل العملية السياسية في مصر في ظل ذلك الوضع. وعبرت قطاعات واسعة من النخبة والقوي السياسية المصرية عن تخوفها وربما انزعاجها من هذا الفوز, كما تساءل كثيرون عن فشل الشباب في الحصول علي نسبة يعتد بها من مقاعد المجلس تتناسب ودورهم المحوري في تفجير ثورة يناير. ومن جانبهم سعي الإسلاميون لمحاولة إرسال رسالة تطمين للشعب والنخبة السياسية. وحافظ الإخوان المسلمون إلي حد بعيد علي مساحة من الحوار والتواصل مع بقية القوي السياسية والتزم أقطاب الجماعة والحزب إلي حد بعيد بعدم إطلاق التصريحات التي من شأنها أن تثير مخاوف البعض, بينما تورط الكثير من أقطاب حزب النور في تصريحات وإصدار فتاوي عرضتهم للانتقاد من جانب فئات عديدة ووضعتهم في مواجهة تلك الفئات خاصة العاملين في قطاع السياحة, بعد التصريحات غير المسئولة التي أطلقها هؤلاء بشأن موقفهم من السياحة, التي باتت مهددة بالفعل في حال سعي السلفيين إلي تطبيق وجهة نظرهم تلك عبر إصدار بعض القوانين التي تحد من حرية السياح. أما فيما يتعلق بالمرحلة الثالثة من الانتخابات, فإن استطلاع الرأي العام الذي أجراه مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام منذ أيام يشير بوضوح إلي ان النتائج في تلك المرحلة لن تختلف عن المرحلتين السابقتين. إذ إنه طبقا لنتائج استطلاع المواطنين في محافظات المرحلة الثالثة, يتضح أن الإخوان المسلمين سيحصلون علي حوالي52% فيما سيحصل حزب النور علي حوالي19%, أي أن الحزبين سيحصلان معا علي حوالي70% وهي نسبة تزيد قليلا عما حصل عليه الحزبان بالفعل في المرحلة الثانية, إذ بلغت نسبتهما معا في المرحلة الثانية حوالي65%. ومن ثم يصبح من المنطقي توقع ألا تقل نسبة الحزبين معا في مجلس الشعب عن65%, وهي نسبة تعتبر كبيرة للغاية وستمكن الحزبين في حال دخولهما في ائتلاف معا أن يغيرا وجه الحياة السياسية بشكل ملحوظ وهو أمر قد ينعكس لاحقا في عدم استقرار سياسي ناشئ عن تضرر بعض الفئات من القرارات أو القوانين التي سيقرها المجلس. ومع ذلك يظل هناك احتمالاقوي لعدم حدوث مثل ذلك التحالف, وأن يسعي حزب الحرية والعدالة إلي التحالف مع حزب آخر ليقدم نفسه باعتباره يسعي إلي التوافق والتصالح مع المجتمع, وهنا قد يكون من الأفضل للحرية والعدالة أن يسعي للتحالف مع حزب الوفد الذي يمثل الحزب الثالث في الخريطة حاليا. وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلل من المخاوف الناشئة عن صعود الإسلاميين, كما أن ذلك التحالف سيخدم حزب الحرية والعدالة كثيرا لبلورة سياسة تتعامل مع الأطراف الأخري ليس فقط في الداخل بل في الخارج أيضا, إذ أن الخارج سيظل عاملا مهما في تشكيل التحالفات المقبلة في مجلس الشعب وفي الساحة السياسية بصفة عامة. وأخيرا, يبقي من المهم أن تتخلص النخبة والقوي السياسية من نبرة التشكيك في الإسلاميين والتخوف منهم, فنتيجة الانتخابات بأغلبية واضحة في صالح الإسلاميين ومن ثم فليس من الحكمة في شيء الظهور بمظهر المعترض علي تلك النتيجة, فذلك ليس من قواعد الديمقراطية, كما أنه سيضع تلك القوي في مواجهة الشعب واختياراته, وهو الأمر الذي لن يكون في صالح تلك القوي مستقبلا. كما أن علي الإسلاميين أن يتبنوا خطابا سياسيا وإعلاميا موحدا يستهدف التعامل مع المخاوف الحقيقية للقوي السياسية وقطاعات أخري من المجتمع, وعدم الاعتماد كلية علي أن وصولهم للمجلس جاء برأي الشعب, وأن ذلك يسوغ لهم فعل ما يريدون.