مع اليوم الأخير من هذا العام ينتهي فصل من المقاومة والمعاناة والتضحيات في عمر العراق وشعبه الكبير ويبدأ فاصل آخر ملئ بالتحديات الجسام من اجل استكمال بناء وطن قادر علي العطاء لنفسه وللانسانية من حوله هذا الانسحاب الامريكي الذي سيغير بدوره كثيرا من المعادلات العراقية والاقليمية وسيثير في الآن نفسه كما هائلا من التساؤلات والإشكاليات تتعلق بالمستقبل من جميع جوانبه سواء بالنسبة للعراق والعراقيين أو الولاياتالمتحدة ودورها في الشرق الاوسط ككل. ينسحب الامريكيون تأكيدا لوعد الرئيس اوباما في حملته الانتخابية طوال2008 بأن ينهي احتلال بلاده للعراق في غضون عامين علي الاكثر ان تولي السلطة وذلك علي امل ان تتركز استراتيجيته فيما بقي له من مدة بالبيت الأبيض علي اصلاح علاقات الولاياتالمتحدة بالعالمين الاسلامي والعربي وتأكيد انها ليست بلدا استعماريا وانما بلد يساعد الآخرين من اجل نيل حريتهم ولوهلة يمكن القول ان وعد اوباما قد تحقق فعلا في شقيه المادي والعسكري اما من ناحية تصحيح الصورة الامريكية لدي العالمين العربي والاسلامي فالمؤكد انها تتطلب جهودا اخري جبارة خاصة ان اخطاء السياسة الامريكية وخطاياها تتعدي كثيرا الحالة العراقية فما زال هناك وجود عسكري امريكي في افغانستان يصاحبه تدهور في العلاقات مع باكستان هما بلدان مسلمان كبيران وهناك تقاعس وتردد في معالجة ملف الصراع العربي الاسرائيلي يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني ناهيك عن الشكوك الكثيرة التي تحيط بالسياسة الامريكية تجاه ايران وبرنامجها النووي وجميعها ملفات شائكة تحتاج معالجة اي منها شجاعة فائقة وقرارات استثنائية من الصعب ان تتوافر لدي الرئيس اوباما المحكوم بدوره بحقائق الوضع الامريكي وانحياز الكثير من مؤسساته الرسمية وغير الرسمية ضد العرب والمسلمين بشكل عام. الامر إذا ليس قرارا سياسيا أو امنيا شجاعا بل ثقافة امريكية عامة وتوجهات غالبة وتوازن مؤسسي بشكل يختلف عما هو سائد الان ويعتقد انه سيظل هكذا لفترة طويلة من الزمن غير ان الانسحاب العسري الامريكي نفسه لايخلو من فوائد كثيرة اذ سيحرر الادارة الامريكية من عبء استراتيجي ومالي كبيرين وبدلا من ان يكون هناك170 الف جندي ستوجد فقط سفارة امريكية في بغداد هي الأكبر في العالم وقوامها16 الف شخص من بينهم157 جنديا و763 مقاولا في الانشاءات العسكرية والمدنية ولكنهم خاضعون للسفارة الامريكية ولايتمتع اي منهم بحصانة قانونية وفقا لما نصت عليه اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين لقد تكبدت الميزانية الامريكية في العقد الماضي اعباء مالية ضخمة بسبب احتلال العراق وهو ما ادي الي ارتفاع المديونية الامريكية الي ارقام فلكية ووقا لتقديرات رسمية فإن تكلفة هذه الحرب تجاوزت800 مليار دولار فضلا علي تراجع الروح المعنوية للجنود الامريكيين بوجه عام نظرا لأن نهاية الحرب بالشكل الذي انتهت اليه تمثل هزيمة عسكرية سوف تحتاج بدورها الي معالجات سيكولوجية واستراتيجية ذات طابع خاص وموارد كبيرة اضافية ولعل ذلك يفسر الوصف الذي قالت به هيلاري كلينتون للانسحاب من العراق باعتباره نقطة محورية في السياسة الامريكية في الداخل والخارج معا سيزيد تعمقها مع نهاية2014 حين يتم استكمال الانسحاب الامريكي من افغانستان وبعدها سيكون علي الولاياتالمتحدة حسب كلينون الانخراط بشكل مغاير في الشأن الآسيوي والقيام بعملية استثمار دبلوماسي وسياسي واقتصادي واستراتيجي بشكل جيد تماما لا مكان فيه لاحتلال عسكري. العراق بدوره سيكون جزءا من هذا الانخراط الامريكي الجديد وهو ما وضعت اسسه اتفاقية الاطار الاستراتيجي بين البلدين التي تلزم الطرفين بالتعاون في مجالات عديدة بين بلدين مستقلين وليس علاقة احتلال وهيمنة كما كان لاوضع في السنوات التسع الماضية وهنا بيت القصيد بالنسبة للعراق بمعني كيف سيتصرف العراق كبلد مستقل منوط به الدفاع عن نفسه وعن موارده وحماية شعبه في بيئة اقليمية متخمة بالتحديات الجسام وتسودها توجهات اللايقين بشأن الحاضر والمستقبل علي السواء. واللافت للنظر ان تصريحات المسئولين العراقيين في حكومة نوري المالكي اعطت للانسحاب الامريكي ابعاده الايجابية إلا انها لم تتجاهل تبعات ما بعد الانسحاب فعلي سبيل المثال وفي الواقع الامني تحديدا حيث كان160 الف جندي امريكي مسلحين بأفضل التقنيات واكثر الاسلحة تطورا ومعهم عدة الاف من المتعاقدين الامنيين والحاصلين علي حصانة قانونية يقومون بالسيطرة علي الوضع الامني العراقي وحمايته من اطماع خارجية متربصة فإن وجود ما يقرب من900 الف جندي عراقي اقل تسليحا وتدريبا وموزعين بين الشرطة والقوات المسلحة يعدون غير كافين بمفردهم وبدون تعاون امريكي في تحقيق مستوي امني افضل وتبدو الصورة مؤلمة بالنسبة لحماية الاجواء العراقية حيث لايتوافر للعراق الان قوات جوية ولا قوات دفاع جوي ولا انظمة رادار متطورة وحتي ما تركه الامريكيون ي هذا السياق لكي ستفيد منه العراقيون ليس بكاف ويحتاج زمنا يقدر بأكثر من عام لتديب كوادر عراقية عليه واذا كانت اتفاقية الشراكة قد عالجت هذا الامر الخطير فهذا معناه ان الولاياتالمتحدة تظل مطالبة بالتعاون النزيه مع العراق لحماية اجوائه واراضيه ولكن هل يعني ذلك ان العراق سيظل مرتبطا بالاستراتيجية الامريكية بحلوها ومرها؟ الإجابة المؤكدة هنا لا تأخذخطا واحدا فليس فيها نعم تامة وليس فيها لا كاملة ولك الامر بين هذا وذاك فمن الواضح ان العراق سيسعي الي الحفاظ علي نوع من التوازن الدقيق في علاقاته مع ايران ومع الولاياتالمتحدة في آن واحد صحيح انها مهمة مليئة با لمد والجذر ولكن لابديل لها فهي قدر محتومبحكم الحاجات الدفاعية التي صارت وثيقة الصلة بالتعاون مع الولاياتالمتحدة الذي لا مهرب منه في هذه اللحظات من جانب وبحكم اتساع النفوذ الإيراني علي الأرض العراقية من جانب آخر.