يبدو أن البطالة باتت هي المشكلة الكبري التي أنتجت صورا عديدة من الفقر والأمية والمرض وشتي الأزمات المتلاحقة التي ضربت ولم تزل الاقتصاد المصري وأمن البلد. وتهدد بانهيار مجتمع بأكمله غابت عنه ثقافة إدارة الأزمات والكوارث.وعلي الرغم من ثمرات الثورة المجيدة وما أسفرت عنه من تغييرات فقد ظهرت توابع أخري وصور متعددة للعديد من المشكلات وعلي رأسها البطالة, حيث توقفت بعض المصانع عن العمل عقب انطلاق الثورة كما أن توافد العامل المصري والعربي من ليبيا وتونس واليمن وسوريا الي مصر أثناء الربيع العربي وحتي الآن زاد من حدة الأزمة, وأخيرا ظهرت مشكلة أكبر حيث بدأ العاطلون يهددون بالانتحار الجماعي في قلب ميدان التحرير. وأصبحت الحلول أمام تفاقم تلك المتغيرات تكاد تكون مستحيلة أمام الإدارة والإرادة السياسية الحالية, فهل من سبيل لعبور هذا النفق الصعب ؟! وهل هناك بادرة أمل لاستثمار تلك الطاقات المهدرة ؟ وكيف ؟ في البداية يؤكد الدكتور محمود بسطامي خبير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن وضع الدولة غاية في الصعوبة فنحن نعيش في دولة يغيب عنها شكل الدولة التقليدي الذي يمكن أن يدير شعبا في ظل منظومة أمنية قوية لذلك فإن الظرف نفسه صعب التعامل معه ونحن في حالة السيولة الغريبة التي نراها كل يوم بالاضافة الي عدم وضوح الرؤي في شتي المناحي وظهور بعض المتغيرات التي باتت تهدد مفهوم الثورة بجماله وجلاله وأصبحت لغة القلق والاستعجال هي السائدة, كذلك غياب عناصر الحسم والوضوح والحزم جعل المطالب الفئوية في زيادة مستمرة, والطرق التي تعاملت بها الحكومة مع تلك الفئات أثبتت فشلها لأنها كانت تتبع سياسة( المسكنات السريعة) وتلك السياسة غير العادلة دفعت تلك الفئات التي لم تكن لديها نية في التظاهر إلي الخروج في اعتصامات واضطرابات حتي تحس بها الحكومة. ويري بسطامي أن أداء الحكومة السلبي والخاطئ هو ما أدي لما نحن فيه الآن من أزمات وكوارث وعلي رأسها غياب العدالة الاجتماعية وغياب الرؤية الاصلاحية الشاملة لأننا بالأساس لا نعرف التخطيط. ويضيف أن الفاسد قبل الثورة كان يعني( من له نصيب في التورتة) أما بعد الثورة فتجسد الفساد في صاحب الصوت المرتفع وصاحب القدرة علي ارهاب الدولة. ويتساءل أين الرؤية ؟ ولماذا هناك ضبابية في التعامل مع الأمور ؟ ولماذا اختفي الأمن ؟ كلها أسئلة تدور في الشارع المصري وليس لها أية إجابات فضلا عن أن الجميع الآن يشككون في بعضهم البعض ويلقون بالتهم ضد بعضهم البعض حول الوطنية والاخلاص للثورة. ويري أن جزءا بسيطا من تلك الظروف كاف لأن يسبب بطالة من لا شئ ولكي نبدأ الحل بشكل صحيح ومدروس علينا بالتخطيط أولا وعلي مؤسسات الدولة المعنية أن تقدم تصورات شاملة لشكل الحياة في مصر المستقبل كل في مجالها ومكانها ولابد أيضا من اعادة صياغة الأداء الحكومي لأنه هش وضعيف ومهزوز ومرتعش وبه كل الصفات. ويشير إلي أن توقف بعض المصانع عن العمل عقب الثورة هو امر طبيعي في بلد يتذبذب فيه الأمن فمعظم هؤلاء العمال يخافون علي انفسهم وعلي الامانة التي يحملونها ويخافون من رؤسائهم لذا يجب فتح حوار بين الرؤساء والمرءوسين داخل تلك الأماكن. وعلي قيادات الحكومة والمجلس العسكري تشكيل فريق عمل للتجول في ميدان التحرير واقناع الشباب العاطل بالعدول عن موقفه والتحاور معه والتعرف علي مشكلاته وظروفه وتهيئة مناخ مناسب معهم للخروج من الأزمة وجعلهم شركاء في وضع الحلول ومحاولة الاستفادة منهم كطاقة كبري معطلة داخل المجتمع يجب استثمارها من خلال خطة شاملة. تلك الخطة أيضا لابد أن تشمل المصريين والعرب الذين جاءوا في الفترة الأخيرة نتيجة الثورات التي تأججت في بلادهم وعلي رأسها ليبيا التي كان بها عشرات الآلاف من المصريين يعملون ويعيشون فيجب استثمار تلك العلاقة بين البلدين والاستفادة منهم سواء في اعمار مصر أو اعمار ليبيا التي ستسهم في حل جزء كبير من البطالة, كما يري ضرورة الاتجاه للمشروعات القومية الصناعية منها والتنموية مثل مشروع الدكتور فاروق الباز ومشروع الدكتور احمد زويل, وتنفيذ الخطة القومية لتطوير وتنمية سيناء وتلك المشروعات سوف تستوعب بالطبع الآلاف فنستفيد منهم وفي نفس الوقت يخرجون من نفق البطالة المظلم. يري الدكتور محمود عمارة خبير الاقتصاد السياسي أن مصر لن تنهض أبدا إلا إذا نجح كل فرد فيها في تسويق نفسه بشكل صحيح فالادارة الحالية داخل الحكومة لم ولن توفر لأي شاب فرصة عمل والتعليم هنا ليس له علاقة بسوق العمل ويجب التعامل مع هذا الوضع كأمر واقع لذا فعلي جميع الشباب داخل وخارج نطاق الجامعة أن يتعلموا أكثر من حرفة وأن يتفانوا ويجتهدوا في اتقانها من خلال القراءة والخبرة واكتساب المعرفة. مؤكدا أن الحرية الحقيقية للانسان تكمن في تعلمه أكثر من حرفة بشكل عملي ليكون حر نفسه وقادرا علي تسويق ذاته وقدراته وبالتالي طموحاته وأن المستقبل القادم ومشروع النهضة الاقتصادية لمصر يبدأ من الاعتماد علي المشروعات والأعمال الصغيرة والمتوسطة وتلك المشروعات تعتمد علي الحرفية والمعرفة العقلية واليدوية. ويضيف عمارة أن المجتمع الأوروبي معظمه رجال أعمال صغار لأنهم يعتمدون علي هذا المبدأ بينما تجد رجال الأعمال في مصر قلة قليلة وطبعا تجدهم أصحاب مليارات, وينصح الشباب بالتوجه سريعا لأماكن تدريب عملية وتعلم حرفة قوية أو مجموعة حرف ومن ثم يبدأ الاستثمار فيها لأنه سيكون قادرا علي تسويق نفسه وتحقيق حلمه. ويطالبهم بعدم الجلوس علي قهوة المحبطين والتوجه لقهاوي المتفائلين, ويقصد بذلك أن ننظر للأمام ولا نتحدث عن الماضي أبدا طالما نتحدث عن مستقبل جيل ودولة, وأن التعامل مع الواقع أمر صعب لكن الواقعية في حد ذاتها تجعلنا نضع أيدينا علي المشكلة والحل في آن واحد ولايجوز لنا أن نحلم فقط ونحن في أماكننا دون أن نوجه أنفسنا وشبابنا بشكل عمل وتطبيقي لما يجب أن يفعلوه حتي ينافسوا دول العالم, مؤكدا أن مصر بها ثروات طبيعية كافية لعمل عشر دول مثل ماليزيا فضلا عن الثروة البشرية المعطلة بها. وبشيء من الفخر يقول عمارة إنه تخرج في كلية الحقوق ثم حصل علي الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد السياسي ثم عمل في النهاية بمجال الزراعة, والافرع الثلاثة بعيدة كل البعد عن بعضها البعض هذا لأنه تعلم16 حرفة في أكثر من مجال واجتهد في مجموعة منها حتي وجد نفسه طموحا في ثلاث منها وبالفعل نجح في زيارة تلك المشروعات خارج وداخل مصر, ويري أن مصر تفتقد الي الجانب العملي والتطبيقي في سياساتها بشكل عام وتركز فقط علي النظريات وعلمت ولم تزل الشباب داخل الجامعات بهذا الأسلوب العقيم ولم تفكر يوما في تسويق تلك الطاقات أو تدريبها حتي تحقق المواصفات القياسية للانسان الطبيعي السوي. ويضيف أن هناك مشروعا تم طرحه بالفعل علي الحكومة الحالية والمجلس الاعلي للقوات المسلحة يمكن أن يستوعب حجما كبيرا من البطالة وهو مشروع زراعة4 ملايين فدان بالصحراء الغربية معتبرا أن هذا المشروع سيغير خريطة مصر الزراعية ويوفر فرصا كثيرة للشباب وحياة جديدة لمصر جديدة. ويشير إلي أن تلك الصحراء يجري تحتها نهر مياه أكبر من نهر النيل وأن بها أفضل شمس علي مستوي العالم يمكن تصديرها لأوروبا وإذا أخذ المشروع بمحمل الجدية فسوف تري مصر جديدة بعد أقل من16 شهرا وهناك مشروعات أخري خاصة بتطوير قناة السويس ويري أن مصر تعاني من نقص العمالة أكثر من البطالة فأنا لدي مزارع ولا أجد عمالا للعمل بها وبالتالي أضطر لاستيراد عمالة من بنجلاديش مثلا فالشغل موجود لكن الشباب المصري لايقبل سوي بثقافة البدلة والكرفاته لذا لا تجدين هناك اقبالا علي كليات الزراعة وأنا أعذر الشباب ذوي المؤهلات العليا لأن فرصهم محدودة لكن أنصحهم بأن يحاولوا تقبل مهن أخري والاستعداد للتعلم في حرف متنوعة فإذا توافرت تلك الشروط فأنا أرحب بأي عدد من الشباب يأتي للعمل معي داخل مزارعي.