كلمة بحث علمي مثلها مثل كلمة ديموقراطية هي كلمة لا تعني شيئا واضحا محددا دون شرح وتوضيح أي شكل أو هدف يقصد بها: كمثال بديهي: هل يمكن أن يطلب أحد في مطعم مجرد سندوتش دون أن يحدد نوعه؟ لأن ما قد يقدم بغير تحديد منه ربما لا يتوافق مع صحة طالب السندوتش الذي قد تكون لديه مشكلات صحية مثل ارتفاع الكلوسترول أو السمنة المفرطة أو ضغط الدم وكلمة الديمقراطية اليونانية في حد ذاتها لا تعني بالضرورة عدالة اجتماعية حيث تتفاوت الثروات ومستوي المعيشة بين طبقات الشعب الأمريكي أكثر من أي دولة في أوروبا الغربية أو حتي الشرقية. الوضع أفدح بالنسبة لكلمة بحث علمي حيث إن الموضوع يختلط حتي علي المثقفين فهناك البحوث الهندسية في التطوير والبحوث العلمية في الاكتشافات والاختلاف هنا جوهري ولا يتعلق بالتفاصيل فقط, بالإضافة حتي في مجال العلوم البحتة وبعيدا عن الهندسة والتكنولوجيا هناك علومExperemental تجريبية وهناك علوم نظرية ناهيك عن العلوم التطبيقية والعلوم الأساسية. العلوم النظرية والعلوم التي تنال الجوائز العالمية الرنانة مثل نوبل هي في حقيقتها ترف لابد منه في الأمد البعيد ولكنه أقل ما تحتاج إليه الدول المسماه بالنامية والبعض يسميها الدول النائمة. والحقيقة أن المشاريع الهندسية ومشاريع التطوير للبنية التحتية والتعليم الأساسي والحرفي والصناعي هم أهم مئات المرات من مشاريع الطريق إلي نوبل ومدن زم زم للعجائب العلمية, مصر في حاجة إلي بحث علمي هندسي بسيط موجه إلي مشكلات أساسية خاصة بالمجتمع المصري ومتعلقة بالزراعة والمياه والصرف الصحي والإسكان وآخر ماهي في حاجة إليه هو إثبات نظريات تجمع نظرية أنيشتين مع نظرية الكم أو ترويض الفمتو ثانية أو الذهاب إلي كوكب عطارد إلي آخره من اللغط الإعلامي والتلميع السياسي كلمة البحث العلمي لكي يغطي بها وبالمشاعر الكاذبة التي تثيرها في خيال العامة علي الفشل التام الذي نهاني منه في القطاع الاقتصادي الحالي الذي يعتمد علي الهندسة, والصناعات الأساسية التي هي بدورها النتاج الطبيعي للجامعات والمعاهد التكنولوجية المصرية. في الماضي تنبه الرئيس جمال عبدالناصر إلي هذه الحقائق وأنشأ المركز القومي للعلوم والتكنولوجيا والأجدر بنا هو تخصيص هذا المركز بدلا من إنشاء مراكز وهمية لإنتاج علماء نوبل الذين لا حاجة لهم في مصر علي الإطلاق لمدة عشرين سنة علي الأقل! احتياجات مصر في السنوات القليلة القادمة هي مشاريع هندسية في الطاقة وخصوصا الطاقة النووية بالشروع فورا ببناء ثلاث محطات نووية لتوليد الكهرباء ولو أسند هذا المشروع لرجل من طراز المرحوم عزيز صدقي أو الرجل الذي أنشأ مطار القاهرة الجديد لأنجزه قبل أن تبدأ لجنة مكونة من24 حائزا علي جائزة نوبل في العلوم في كتابة أول تقرير لها وتقديمه للإعلام للاحتفال بالتقرير. لقد بذلت عبر أكثر من15 عاما مجهودا كبيرا لتحقيق مشروعي عن الهيئة القومية لتقنية النانو دون أي نتيجة سوي عداء كبير من الحائزين علي جائزة نوبل في الكيمياء ومساعديهم في الإعلام الخاص. كان المشروع كافيا لدفع عجلة التقدم التكنولوجي في مصر وتحريك المياه الراكدة, أما الآن فحتي هذا المشروع يجب أن يؤجل إلي سنين حيث إن المياه الراكدة قد أصبحت مياها هائجة, وتغيرت الأولويات من بحث علمي قصير المدي إلي ضرورة توظيف فوري لملايين من الشباب في مشاريع عملية تصب فورا في الاقتصاد كمشاريع المياه والزراعة والطاقة والتهجير علي نطاق ضخم منظم للشباب إلي الدول المتقدمة. منذ أقل من سنتين كنت أنادي بالحركة السريعة والآن أنادي مرة أخري فيمالطة بالتريث والبعد عن الإعلام والإثارة, وتفضيل الهندسة والتقنية وهي صنعتي الأساسية علي البحث العلمي, والعلم لوجه العلم وهو عشقي التلقائي. الإنسان جسد وروح وللأسف لابد أن يبقي الجسد الذي له علينا حق حتي نستطيع أن نرتقي بالروح إلي عالم أفضل علي الأرض ولكي نصل إلي هذا يجب أن ننبذ التظاهرات السياسية واستخدام الكلمات الرنانة لخداع الناس والرأي العام, لأننا لن نخدع في النهاية إلا أنفسنا. وأكرر ومع كل أسف مرة ثانية أن الموقع المتميز لكلمة علم وعالم في تراثنا العربي الإسلامي توظف إعلاميا لمصلحة أغراض سياسية هي أبعد ما يكون عن العلم وعن الصالح القومي للبلاد. صرف الملايين علي التعليم الأساسي وعلي المشاريع الهندسية والعلوم التطبيقية المباشرة التي تصب في الاقتصاد في عدد قليل من السنوات نعم أما إهدار مال الدولة علي مشاريع الشو العلمي والإعلامي فكلا وألف كلا, حتي لو خرج لها ألفريد نوبل نفسه من القبر, وللعلم فقد كان نوبل أقرب من مهندس كيميائي بسيط منه إلي عالم من أعلام الشو الإعلامي.