قمنا في يناير2011 م بثورة ضد الفشل, كانت الصيحة الهادرة الشعب يريد إسقاط النظام, لأنه نظام فاشل فاسد( مع عدم الاعتذرار للآسفين ياريس). ثار الشعب الذي علم الدنيا الحضارة, علي نظام حول دولته السوية القوية التي أرساها منذ آلاف السنين إلي دولة فاشلة, وحين نقول إنها دولة فاشلة فإننا لا نصفها بذلك من باب التجني أو الغضب أو إصدار الأحكام الجزافية, فهي دولة فاشلة للأسف بالمقاييس العلمية والموضوعية. الدولة الفاشلة كما يعرفها مركز أبحاث الأزمات بكلية لندن للدراسات الاقتصادية هي... الدولة العاجزة عن أداء وظائف التنمية الأساسية وحماية أمنها وفرض سيطرتها علي أراضيها وحدودها. وتتمثل مظاهر الدولة الفاشلة في عدم قدرة حكومتها علي اتخاذ قرارات مؤثرة, وافتقاد سلطة مركزية قوية تربط مختلف السلطات لتعمل كل مؤسسات الدولة في تناسق وانسجام, بالإضافة إلي عدم قدرتها علي توفير الخدمات لأبناء شعبها, وتحديدا التعليم والأمن والحكم, فضلا عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي, وعادة ما تشهد هذه الدولة معدلات فساد وجريمة مرتفعة. اهتم العالم بالتعرف علي الدول الفاشلة حيث أنها تشكل عبئا علي الأمن والسلام العالميين, ولقد أشار الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلي مخاطر هذه الدول علي الاتزان العالمي وحتمية تصديرها للمشكلات المتعلقة بالإرهابيين الدوليين أو تجارة المخدرات أو تهريب الأسلحة.. الخ( الصومال والقرصنة البحرية, وتهديد الملاحة العالمية). وتم إنشاء مقياس عالمي يقوم بترتيب الدول بحسب درجة إخفاقها في أداء الوظائف المنوطة بها, حيث قام عدد كبير من الخبراء وعلماء السياسة الذين ينتمون لصندوق دعم السلام وهو مؤسسة بحثية مستقلة, تهتم بالصراعات الدولية, وأسباب اندلاعها, وسبل إدارتها وحلها وكذلك مجلة السياسة الخارجية( فورين بوليسي) الأمريكية بتقييم مقدار الفشل لدي مختلف الدول طبقا لإثني عشر مؤشرا متنوعا تتناول الجوانب الاجتماعية, والاقتصادية, والسياسية والعسكرية. * فتشمل المؤشرات الاجتماعية: الزيادة في عدد السكان وتوزيعهم, الميراث العدائي بين الطوائف, هجرة العقول والشباب, بل والاغتراب داخل المجتمع, التدهور الحاد في تقديم الخدمات العامة( مثل حماية الناس, والصحة والتعليم). * أما المؤشرات الاقتصادية فتشمل معدلات التنمية, مستوي الفقر, وتوزيع الدخل وتفاوته, وتوفير السلع والتوظيف. * وتشمل المؤشرات السياسية والعسكرية انعدام المساواة, غياب التطبيق العادل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان( قوانين الطواريء, والاعتقال السياسي, وتقييد الصحافة), ضعف الثقة في العملية السياسية, وخوف الناس من السياسة, ومقاطعة الانتخابات وانتشار التظاهرات والعصيان المدني, تدخل دول خارجية أو فاعلين سياسيين خارجيين في شئون الدولة( بما في ذلك التدخلات العسكرية), تشتت الأمن وظهور قوة أمنية توازي الأمن النظامي للدولة, الانقسام بين النخب الحاكمة ومؤسسات الدولة, واستخدام نغمة سياسية تنادي بوحدوية قومية أو التطهير الإثني. ولقد تم وضع دليل تراتبي أو مقياس للدول بناء علي هذه المؤشرات بعد جمع البيانات وتحليلها, حيث يأخد كل مؤشر10 نقاط ليكون مجموع النقاط التي تحتسب للدولة120 نقطة, وتكون أعلي الدول حصولا علي النقاط هي الأكثر ممارسة للفشل, وهكذا تنازليا حسب ترتيب الدول داخل الدليل. طبقا للمؤشرات السابقة تم تقسيم الدول إلي أربع فئات: الفئة الأولي وهي حالات تقع فعلا في مرحلة الخطر ويرمز لها باللون الأحمر, وتشمل35 دولة تتصدرها الصومال ب114.3 نقطة, وجاءت السودان في المرتبة الثالثة, والعراق السابعة, واليمن15, وإيران في المرتبة32, وتنتهي بسوريا35. أما الفئة الثانية فهي دول في خطر كامن منطقة الحذر ويميزها اللون البرتقالي وبها91 دولة علي رأسها بوركينا فاسو(36), وفي آخرها جزر البهاما(127). وتقع الفئة الثالثة في إطار احتمالية الخطر أي في مرحلة متوسطة يمكن تسميتها حالة الترقب وتأخذ اللون الأصفر كإشارة الإنذار, واحتلتها34 دولة مبتدئة برومانيا(128), ومنتهية بالبرتغال(162). أما الفئة الأخيرة فتتكون من15 دولة احتلت المساحة الخضراء, وهي جميعا دول متقدمة وجاءت النرويج في ذيل القائمة وترتيبها177 برصيد16,8 نقطة, فإدارتها أبعد ما تكون عن الفشل. خريطة العالم الملونة نصيبنا منها عربيا وإفريقيا المساحة البرتقالية والحمراء, وتشير إلي احتكارنا بدون فخر صدارة المقياس منذ إنشائه(2005 م) مما يشي بالفشل المزمن لدول منطقتنا ووضع مؤشر الدول الفاشلة لعام2010 م مصر في المرتبة49 لتقع في المنطقة الحدودية بين الدول الحذرة والدول الخطرة مسجلة87.6 نقطة, بينما احتلت إسرائيل المرتبة58. الثورة التي اجتاحت مصر كانت ضد نظام فاشل حمل في طياته أسباب انهياره, والآن هناك من يحاول ترميمه وإنقاذه بترسيخ دعائم الفشل والجنون وافتعال فتنة طائفية تحرق الأخضر واليابس. أزعم أننا دولة لا توجد بها مشكلة طائفية, ولكننا دولة بها مشكلة تربية وعدالة وإدارة, دولة تهتم بتعليمنا تاريخ مصر الفرعونية وتكاد تسقط من تعليمنا المنقوص مصر القبطية, دولة يسعي فيها المغامرون المتمسحون بالدين إلي الزعامة وليس الهداية, دولة يفتقد فيها العدل للمسلم والمسيحي معا دعني أشركك فيما رصده خبراء السياسة من أن غياب التنمية في الدول الفقيرة يؤدي إلي القلاقل والفشل, ولكن عدم المساواة بين الناس وليس الفقر تحديدا هو أهم العوامل التي تزيد من عدم الاستقرار, كما أن فساد الممارسات بالدولة وغياب القانون يفقدها الشرعية ويؤدي بالمواطنين إلي تبديل ولائهم من الدولة إلي أحزاب معارضة أو قادة العصيان والتمرد أو إلي الإثنيات الفرعية والدينية. ما حدث في مصر يستوجب الاعتذار لكل مصري, المسلم قبل المسيحي, فنحن دولة عريقة, أهلها طيبون متسامحون, رجالها يشقون ويكدون من أجل الرزق, أبناؤها نابهون, قاموا بثورة سلمية تدعو إلي الحرية والعدالة الاجتماعية, ثورة ترفض الفشل في دولة لديها كل مقومات النجاح والرقي والازدهار, أطلق عليها البلطجية يعيثون في الأرض فسادا فيأتون في حافلات بعصيهم وسيوفهم وبنادقهم, ويفسدون احتفالية تقيمها الدولة لأهالي الشهداء, ولا يستطيع أحد ان يكتشف أو يكشف عمن حرض وخطط ومول ونفذ. مجنون من يتصور انه يستطيع السيطرة علي المستقبل بمعطيات الماضي, مخبول من يتخيل انه يستطيع ان يسرق حلم الثورة لنستيقظ علي كابوس, ساعتها ستعود الثورة عارمة, هذه المرة ضد الفشل والجنون.