ليس ما اقصده جوتنبرج مخترع الطباعة, بل جوتنبرج وزير الدفاع الألماني الذي لم يجد مفرا غير الاستقالة من منصبه واعتزال الحياة السياسية بعد كشف سرقاته العلمية للحصول علي درجة الدكتوراة. هذا في الوقت الذي اصبحنا فيه ديمقراطيين أكثر من اللازم حتي سمحنا لمن قامت الثورة ضدهم من السياسيين والمنتفعين والممالئين وأصحاب المصالح بالعودة من جديد وتصدر الحياة السياسية.. هو كارل تيودور تسو جوتنبرج السياسي الشاب المنتمي لاحدي العائلات العريقة في ولاية بافاريا في جنوبالمانيا, درس المحاماة والسياسة, وفي عام2007 نال درجة الدكتوراة من جامعة بايرويت في موضوع التطور الدستوري في الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي انضم جوتنبرج لحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ذي الشعبية الكبيرة في ولاية بافاريا حيث اصبح عضوا في البرلمان سنة2002 وترقي المناصب حتي أصبح وزيرا للدفاع سنة2009 وازداد تألق جوتنبرج وتصدره الحياة العامة هو وزوجته حتي اعتقد البعض انه المستشار القادم لألمانيا, خاصة مع موجة تولي الوجوه الشابة القيادة في أوروبا.. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن, ففي فبراير2011 انكشف للرأي العام بالدليل القاطع أن جوتنبرج قام بسرقة علمية للحصول علي درجة الدكتوراة حيث أن أغلب ما جاء في رسالته كان منقولا عن مصادر أخري. يعتقد البعض أنه كلف غيره بكتابة الرسالة وأنه شخصيا لم يعلم بالنسخ).. وأما تلك الأدلة التي نشرها الكثيرون علي صفحات الانترنت لم تجد الجامعة مفرا من سحب درجة الدكتوراة من جوتنبرج ورفع تقرير يؤكد السرقة العلمية وبالرغم من محاولة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل مساندة جوتنبرج بقولها انها اختارته كوزير للدفاع وليس كباحث أكاديمي لكن هذا الرد لم يرض الرأي العام وعلي الأخص أساتذة الجامعات الذين أرسلوا خطابا مفتوحا لميركل معترضين علي موقفها من سلوك جوتنبرج الذي يتعارض مع الممارسات والأخلاق العلمية ومعتبرين موقفها إهانة لكل من قام بالبحث العلمي بشكل أمين وبالرغم من كل محاولات المحامين والحزب من انقاذ جوتنبرج لكن ضغط الرأي العام أجبره علي الاستقالة في مارس2011 من منصبه كوزير للدفاع واعتزاله الحياة السياسية بل رحيله هو أسرته للولايات المتحدة كما أعلن في يوليو هذا العام. ومن اللطيف تزامن فضيحة وسقوط جوتنبرج مع احداث الثورة المصرية وكذلك تشابه محاولات جوتنبرج الخروج من هذا المأزق من خلال أحاديث ومؤتمرات صحفية متتالية لم تزد الرأي العام عليه إلا هياجا, تماما كما حدث مع الرئيس المخلوع عندنا وبعد هذه الأحداث جاء السؤال حول حق جوتنبرج في العودة للحياة السياسية خاصة أن الفضيحة لاتمس عمله السياسي من أي جهة؟ لقد رأي السياسيون في المانيا انه بالرغم من اعتذار جوتنبرج فإن عليه الابتعاد عن الحياة السياسية لعدة سنوات من الآن, وهذا بالفعل ما عمل به جوتنبرج وإن كان غير واضح إن كان سيعود أم لا.. هذا ما حدث في احدي الدول المتقدمة ديمقراطيا والتي نتطلع ان نكون مثلها, أما عندنا فلا يزال بعض الرموز القدامي باقين أو متمسكين بمناصبهم دون الالتفات لمن يطالبهم بالرحيل كأن شيئا لم يكن.. ولا يزال عندنا الجدل قائما إن كان من حق اللاعبين القدامي العودة للمشهد السياسي أم لا, كما لو أن خطأهم كان مجرد سرقة بحث علمي, ونسينا ان سبب قيام الثورة هو الاعتراض علي قيادتهم التي أدت لتدهور أحوال البلاد ومكانتها, ومن المستفز أن بعض فلول وأنصار ومستفيدي النظام السابق من السياسيين وأصحاب الأعمال وغيرهم لم ينزووا جانبا ويبتعدوا بل يتسابقون حاليا لتصدر المشهد السياسي والإعلامي من خلال أحزاب وصحف وقنوات فضائية جديدة في زي المصلحين المنفتحين وكأن هما مش هما فعلا اللي اختشوا ماتوا..