غدا ذكري الحادي عشر من سبتمبر ومع اقترابها كل عام تبدأ الصحف الغربية في نشر المراجعات التي يحررها محللوها السياسيون المهتمون بتحولات المجتمع حول أحداث سبتمبر وتداعياتها المستمرة التي ورطت الولاياتالمتحدة في حروب لم تنته إلي الآن. ولأن الذكري العاشرة التي تحل خلال أيام تأتي وسط أزمة اقتصادية طاحنة وتحولات سياسية ضخمة, بدأت التحليلات السياسية التي تستعيد ذكري الحادي عشر من سبتمبر في ربط تلك الأحداث بما يشهده العالم حاليا وخاصة منطقة الشرق الأوسط التي استهدفتها الولاياتالمتحدة وشريكتها بريطانيا من ثورات تستهدف بالأساس التخلص من التدخلات الامريكية والأنظمة التابعة لها. ووسط هذا المناخ الغامض ظهر كتاب جديد بعنوان حروب الحادي عشر من سبتمبر يتناول المفارقة في نظرة شعوب الشرق الأوسط نحو الولاياتالمتحدة وبريطانيا منذ قادت الدولتان الحرب علي العراق. مؤلف الكتاب جيسون بيرك ينطلق في كتابه حروب11 سبتمبر من واقعة شهيرة قام فيها أهالي مدينة مجر الكبير العراقية بقتل كتيبة بريطانية كاملة تحصنت داخل أحد أقسام الشرطة, رغم أن أفراد الكتيبة كانوا مقتنعين أنهم أتوا إلي العراق لخدمة شعبها وحمايته, إلا أن أهالي المدينة كانوا يرون أولئك الجنود الشبان علي نحو آخر.. هم قوات العدو التي أتت لتغزو أرضهم وتنتزع ثرواتهم. هم كتيبة مسلحة مخادعة لا تستحق الرحمة. من هذه الواقعة ينطلق بيرك لكتابة تاريخ عقد كامل من سوء الفهم وخداع الساسة يقول جيسون بيرك: أهالي العراق وكتيبة الجنود البريطانيين في هذه الواقعة كلاهما ضحية للساسة الذين ظلوا لسنوات عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر يروجون لفكرة أن العنف الذي يجتاح دول العالم ينطلق من مشكلة أزلية هي صراع الخير مع الشر ولابد أن يكون ساسة الغرب المتحدثون طبعا هم ممثلي جبهة الخير في هذا الصراع التاريخي. اللهجة الساخرة لبيرك لا تتماس مع موضوعيته في سرد الوقائع التاريخية القريبة, وتعلق صحيفة الجارديان في تحليلها للكتاب فتقول: لقد روج الساسة في الولاياتالمتحدة وبريطانيا ومن تضامن معهما في الدول الأخري, لفكرة أن الصراع صار بين الخير والشر, والغرب والإسلام, الحداثة والتخلف.. إلا أن أحدا لم ينتبه إلي أن خطاب ساسة الغرب صار في تلك اللحظة بالتحديد مطابقا لخطاب شيوخ القاعدة المتطرفين الذين احتشد الغرب لمواجهتهم. يقول بيرك في كتابه إن شيوخ القاعدة أيضا لعبوا علي فكرة الصراع بين الإسلام كدين سماوي منزل من عند الله وبين رؤي الغرب التي هي رؤي بشرية مقصورة. ولا يختلف هذا كثيرا عما طرحه الغرب ولكن بشكل مغاير. فخطاب إدارة بوش التوسعي لا يختلف في شيء عن الأحلام التوسعية التي ينطلق منها الفكر الإسلامي الجهادي للذين يريدون العودة لنشر الدين بالسلاح, بينما أراد بوش أن ينشر ما يراه قيما أمريكية بالسلاح أيضا. ورغم هذه القناعة يتوقف بيرك طويلا عند المقاومة العراقية لما أسماه هو في كتابه بالاحتلال الأمريكي البريطاني المشترك للعراق. يتساءل بيرك: لم حارب العراقيون من الشيعة الذين أضطهدهم صدام طويلا منقذيهم البريطانيين وقتلوهم بكل عنف؟! رغم أنهم جاءوا لمحاربة قوات الحاكم الذي عذبهم وأذلهم طويلا؟!! يجيب بيرك: لدي العراقيين من دروس التاريخ ما يؤكد لهم أن الأمريكان والبريطانيين جاءوا إلي دولتهم لانتزاع أرضهم وسرقة بترولهم, لقد كان القادمون يحملون في قلوبهم الخير بعيدا عما ينتويه ساستهم.. لكن العراقيين رأوا الأمر علي الضوء الصحيح: هؤلاء جاءوا لانتزاع حريتنا وسيادتنا علي أرضنا ومواردنا بدعوي مساعدتنا. ويصل بيرك هنا إلي نتيجة طرحها المحللون العرب منذ بدء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق: هذه استعادة لتاريخ الاحتلال الامبريالي بدءا من القرن السابع عشر.. هناك رغبة في فرض نمط الحياة الغربية ورؤيتها للعالم, ولما ينبغي أن يكون عليه المجتمع دون مراعاة لاختلاف الثقافات بل والرغبات بين الشعوب. الحرب هنا كانت في الشعارات والأفكار أكثر تعقيدا مما كانت عليه علي الأرض. الشعارات التي انطلق منها كل طرف من الطرفين جعلت الغربي المتمدن لا يقل قبلية عمن يحاربهم. اتخذ الصراع بالأسلحة الحديثة صبغة بدائية يغذيها الإعلام وآلة التصريحات الشعاراتية التي عملت بأقصي طاقتها لدي الطرفين لتغرق العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في أزمة متشابكة من الصراع غير المفهوم الذي سيستغرق المحللون عقودا أخري كي يصلوا إلي جذوره الفكرية ويربطوا بين وقائعه.