تواجه مشاريع الاصلاح السياسي والدستوري الذي تعهدت حكومة لبنان برئاسة سعد الحريري عند تشكيلها في نوفمبر2009 بإجرائه الفشل تلو الفشل لسبب وحيد يتعلق بحسابات مصالح الطوائف. وتبخرت وعود الحكومة وحتي النواب للشعب والناخبين بتمرير هذه المشاريع في مجلس الوزراء والنواب, فبعدما أسقط الأخير الشهر الماضي مشروع قانون بخفض سن الاقتراع من21 سنة إلي18 سنة, ضمن مقترحات قدمها وزير الداخلية المحامي زياد بارود لتعديل قانون انتخابات البلديات بامتناع66 نائبا عن التصويت مقابل تأييد34 ورفض نائب واحد, تزايدت الشكوك في امكان نجاح الحكومة في إقرار مشروع إنشاء آلية جديدة للتعيينات في الوظائف القيادية بالدولة علي أساس معايير الكفاءة والخبرة وليس علي الأساس القائم حاليا علي قاعدة المحاصصة( توزيع حصص) بين الطوائف أو المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي أقرها- مؤقتا- اتفاق الطائف عام1989 الذي أنهي15 عاما من الحرب الأهلية. وتعزز هذه الشكوك أن من أسقط مشروع خفض سن الاقتراع هم نواب قوي14 آذار( الأكثرية في المجلس النيابي) التي يتزعمها رئيس الحكومة نفسها التي تعهدت بإجراء الاصلاحات والتي ينتمي إليها وزير الداخلية الذي قدم مشروع القانون! ولكون من أسقطوه برروا ذلك بأسباب طائفية, حيث خشي المسيحيون من غالبية تصويتية للشيعة في أي انتخابات بسبب زيادة نسبة المواليد لديهم, أي أن من وعدوا بالاصلاح والالتزام بقرار الاجماع الوطني في مؤتمر( طاولة) الحوار الوطني بادخال اصلاحات علي النظام السياسي( الطائفي) قد عادوا إلي المربع رقم واحد( الطائفية) الأمر الذي احبط الشارع حيال امكان حدوث الاصلاح الذي تم نحره علي مذبح الطائفية بعد تعليق الآمال علي مناخ توافق وحكومة وطنية! ولنفس السبب يواجه مشروع آلية التعيينات نفس المصير نتيجة المخاوف لدي بعض الطوائف من زيادة حصة طوائف أخري تحت مظلة معايير الكفاءة والخبرة, مما يرشح الوضع للبقاء علي ما هو عليه حاليا حيث تحولت بعض المؤسسات في الدولة اللبنانية- نتيجة المحاصصة والمناصفة- إلي مجلس أشبه بمجالس الملة أو الطائفية. وعزز هذه التوقعات( بقاء الوضع علي ما هو عليه) إقرار الحكومة بغالبية الأصوات( بعد لجوء الحريري للتصويت) تعيين ثلاثة رؤساء( مسلمين) لهيئات الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش القضائي, ورفض المعارضة لهذا التصرف باعتباره خروجا علي الاجماع, بإقرار آلية التعيينات أولا لملء الوظائف الشاغرة( أكثر من400 وظيفة) في جهاز الدولة مرة واحدة, ويبدو أن الأكثرية في الحكومة( غالبيتها من قوي14 آذار بزعامة الحريري) قررت عدم انتظار إقرار الآلية علي ضوء الخلاف حولها, واحتمالات تأخيرها وقتا طويلا, ومن ثم المضي في ملء الشواغر من الوظائف حسب القواعد القائمة( المحاصصة) تباعا ما يعني أن ملف آلية التعيينات ومعايير الاختيار قد أغلق عمليا, وقد نفذت الحكومة خلال الأسبوعين الماضيين ذلك بالفعل في عدد من أجهزة الدولة بتعيينات في المناصب الشاغرة. وربما دفع الجدل حول اقدام الحكومة علي هذه التعيينات دون انتظار إقرار آلية, ووقوعها في فخ عدم إحترام وعودها التي قطعتها عند نيلها الثقة في مجلس النواب في نوفمبر الماضي بإقرار آلية وإتهامها بخذلان ناخبها.. ربما دفعها ذلك إلي الاعلان يوم الخميس الماضي عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة نفسه لوضع تصور آلية التعيينات علي ان ترفع هذه اللجنة تقريرها إلي مجلس الوزراء نهاية الشهر الجاري. فقد جاء الاعلان عن هذه اللجنة برغم أن نفس الحكومة كانت كلفت مدير التنمية الادارية محمد فنيش بذلك رسالة بأن الحكومة تأخذ هنا الموضوع بجدية, وردا علي الانتقادات والاتهامات التي وجهت إليها, غير أن البعض اتخذ هذا التطور للإيحاء بان الوزير فنيش لم ينجز شيئا, وفسر بذلك لقاء فنيش مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان في اليوم التالي. ويؤكد وزير التنمية الإدارية محمد فنيش أو وزير المعايير الذي كلفته الحكومة بإعداد تصور حول آلية جديد للتعيينات أن لديه افكارا حول التعيينات وآلية نجاحها, وأنه ليس هناك اصطفافات( انقسامات) داخل الحكومة, فهناك إجماع علي وضع معايير لشغل الوظائف والترقي في أجهزة الدولة لاختيار الافضل بصرف النظر عن انتمائه السياسي أو الطائفي, لكن يبدو ان المسألة مسألة وقت. لكن بعض الطوائف تصر علي ألا يكون تطبيق هذه المعايير مجردا, وإنما في إطار المحاصصة والمناصفة بمعني أن تختار الطائفة الافضل منها لشغل وظيفة محددة من حصتها, وفي مقابل ذلك يقترح فنيش أن يكون للوزير المختص( المحاصص أساسا) اقتراح أكثر من مرشح للمنصب الواحد لكي تتم المفاضلة بينهم علي أساس الكفاءة وليس علي أساس الانتماء السياسي أو الطائفي أو القرابة( المحسوبية). إلا أن هذا الاقتراح لن يواجه قبولا حسب مصادر سياسية تقول: ان رفض البعض لمثل هذه الاصلاحات يرجع إلي ان الطائفية في لبنان استثمار( بيزنس) جيد لتولي الوظائف والبقاء فيها تحت شعار حصة الطائفة. مواقف الطوائف علي الجانب المسيحي يمكن تمييز أربعة مواقف بين مؤيد للاصلاح ورافض لمحاصصة, ورافض للتغيير ومؤيد لبقاء المحاصصة, ومؤيد بشروط, ومطالب بحلول جذرية, فالأول يرتفع فيه صوت رئيس حركة التجديد الديمقراطي نسيب لحود الذي يعتبر المحاصصة شرا مطلقا لا يمكن المزاوجه بينها وبين الكفاءة, معربا عن ثقته في أن لدي كل طوائف لبنان كفاءات ترفض الانتظار علي أبواب هذا الزعيم أو ذاك للحصول علي وظيفة, والثاني( حزب الكتلة الوطنية بزعامة كارلوس إده) الذي يعتبر الجدل الدائر في لبنان حول هذه القضية أشبه ب بازار لتوزيع الغنائم. والثالث موقف حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع الذي يعتبر الاصلاح وآلية التعيينات مناسبة مهمه لتجديد الدولة وقيامها علي أسس الكفاءة انطلاقا من معايير تشجع علي الإبداع والتطور لأن عكس ذلك يدفع أصحاب الكفاءات والخبرات في البلد إلي الهجرة. لكن جعجع يري ضرورة أن يتم ذلك في إطار احترام المناصفة التي ضمنها يأتي الكفء والأفضل لشغل الوظائف. أما زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون فيرفض التعامل مع هذا الموضوع ب تعاطي المسكنات, داعيا إلي اصلاح جذري في الإدارة بعيدا عن عمليات التجميل والسطحية في التعامل التي لا تعود علي لبنان إلا بإعادة إنتاج الفساد. ويذهب عون أبعد من ذلك قائلا: انه من الضروري أن تلعب الأجهزة الرقابية في البلد دورا في الإختيار بناء علي تقارير المراقبة والمحاسبة. علي الجانب الآخر تباينت المواقف بين اتجاهين رئيسيين الأول: تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري بأغلبيته السنية حيث يقول عاطف مجدلاني عضو كتلة المستقبل النيابية أن أفضل ما يمكن التوصل إليه في هذا الصدد هو اختيار الأكفأ من كل مذهب أو طائفة لأن هنا أمر واقع لا يمكن تجاهله, فالانتماء الوطني أولا لكن الانتماء السياسي الطائفي يلعب دورا شئنا أم أبينا, وهذا الموقف أقرب إلي موقف الغالبية في الوسط المسيحي. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري( شيعي) فقد وضع اللبنانيين أمام خيارين, إما الاصلاح السياسي وإقرار آلية تعيينات غير سياسية أو طائفية لاختيار الأفضل لشغل الوظائف أو بقاء الوضع علي ما هو عليه. لأنه رئيس توافقي فالرئيس ميشال سليمان أعلن ضرورة اعتماد الكفاءة معيارا وفق آلية تعيينات علي أن يتم ذلك تباعا( علي مراحل). ولأنه رئيس حكومة وحدة وطنية رئيس الحكومة سعد الحريري خرج من التفاصيل مركزا علي ضرورة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب علي ألا يكون فاسدا ويعمل لصالح الوطن والمواطن. غاليا سيبقي الوضع( الاصلاحي) في لبنان علي ما هو عليه إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.