لا معطى لما منع، ولا مانع لما أعطي؛ فجميع المصالح والمنافع منه تُطْلَب، وإليه يُرْغَب فيها، وهو الذى يعطيها لمن شاء ويمنعها من يشاء بحكمته ورحمته. جعل الله لعطائه وإكرامه أسبابًا، ولضدِّ ذلك أسبابًا؛ من قام بها رتبت عليها مسبباتها، وكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له؛ فأهل السَّعادة يُيسَّرون لعمل أهل السَّعادة، وأهلُ الشَّقاوة فيُيَسَّرون لعمل أهل الشَّقاوة، وهذا يوجبُ للعبد القيامَ بتوحيد الله، والاعتماد على ربِّه فى حصول ما يحب، والاجتهاد فى فعل الأسباب النافعة؛ فإنَّها محلُّ حكمة الله. - ومن أجمل ما يُعطى العبدُ كما قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُرد اللهُ به خَيْرًا يُفقِّهْهُ فى الدِّين، واللهُ المعطى وَأنَا القَاسم» (البخارى ومسلم) أى لا يتصرَّف بعطية، ولا يعطى أحدًا إلَّا بأمر الله، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم فى دُبُر كلِّ صلاة: «اللهمَّ لا مَانعَ لما أَعْطيْتَ، ولاَ مُعطى لما مَنَعتَ». وإن كان لعطاء البشر حَدٌّ معيَّنٌ فإنَّ عطاءَ الله تعالى لعباده لا يَنقطع؛ «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِى الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» [هود: 108] مجذوذ: مقطوع. قال تعالى عن نعيم الجنة أنه «جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا» [النبأ: 36] أى جازاهم الله به وأعطاهموه بفضله ومَنِّه وإحسانه ورحمته عطاءً حسابًا؛ أى كافيًا وافيًا سالمًا كثيرًا؛ تقول العرب: أعطانى فأحسبنى: أى كفانى، ومنه: حسبى الله: أى الله كافينى. ويعطى الله تعالى مَنْ يسعى للدُّنيا ومَن يَسعى للآخرة؛ كلَّا ما يستحقُّه من السَّعادة والشَّقاوة؛ «كُلا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا» [الإسراء: 20] أى لا يمنعه أحد، ولا يردُّه رادٌّ. وحَثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أمَّتَه على البَذْل والعطاء؛ «الأيدى ثلاثةٌ؛ فَيَدُ الله العليا ويدُ المعطى التى تليهَا وَيَدُ السائل السُّفْلي؛ فَأَعْط الفضْلَ وَلاَ تَعْجزْ عَنْ نفْسِكَ» (أبو داود) فاليدُ العليا هى المنفقة المعطية، والسفلى هى السَّائلة.