بلغ النبى صلى الله عليه وسلم القمة، والدرجة العالية فى العفو والصفح، كما هو شأنه فى كلِّ خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلًا عن الأصدقاء. فكان أجمل الناس صفحًا، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن لومهم، أو تعنيفهم، أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلقَ منهم شيئًا. وفى تأديب الله لرسوله بهذا الأدب أنزل الله عليه فى قوله: «فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ» ثم أنزل عليه قوله: «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ». فكان يقابل أذى أهل الشرك بالصفح الجميل، وهو الصفح الذى لا يكون مقرونًا بغضب أو كبر أو تذمر من المواقف المؤلمة، وكان كما أدَّبه الله تعالى. ثم كان يقابل أذاهم بالصفح الجميل، ويعرض قائلًا: سلام. وعن أنس بن مالك قال: بينما نحن فى المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابى، فقام يبول فى المسجد، فقال أصحاب رسول الله: مَه مَه، قال: قال رسول الله: «لا تزرموه، دعوه»، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هى لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن» قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه.