هنا بكين.. هنا عاصمة المارد الأصفر، حيث تخوض الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، جولة جديدة من جولات التمكن والريادة، واستعادة الدور القوى الذى يفرض نفسه على الساحة العالمية، مدفوعًا بتاريخ وحضارة وجغرافيا وإنجازات وحكمة قائد وإرادة شعب. من هذا المنطلق، جاءت الدعوة التى وجهها الرئيس الصينى، تشى جين بينج، إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، للمشاركة فى قمة منتدى «الحزام والطريق للتعاون الدولى»، هذه القمة التى تعد نقطة تحول جوهرية فى مسار التعاون التجارى على المستوى العالمى، بما تؤسسه من مرحلة جديدة من النظام التجارى العالمى، ترتكز على المنفعة المتبادلة، وكسر احتكار القوى الكبرى للتجارة العالمية، واحترام آليات السوق. ولأن الصين شريك إستراتيجى مهم لمصر، وتدرك جيدًا الدور المحورى المصرى فى هذه المبادرة، فإن أهداف مبادرة «الحزام والطريق» تتلاقى مع أجندة مصر التنموية، وبالأحرى خطة التنمية المستدامة 2030. وبقدر حرص إدارة الرئيس بينج على مشاركة مصر فى هذه المبادرة، فإن دولة 30 يونيو أيضًا، وهى التى تعرف جيدًا أين تسير، وكيف تصل إلى ما فيه صالح الوطن والمواطن، حريصة كل الحرص على التفاعل مع هذه المبادرة، بصفتها من الشركاء المحوريين للصين فى المبادرة من ناحية، وفى ظل امتلاكها لقناة السويس، أحد أهم الممرات البحرية للتجارة العالمية من ناحية أخرى، إضافة إلى ما تمثله حزمة المشروعات القومية العملاقة التى يجرى تنفيذها على أرض مصر، مثل المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس، وكلها عوامل ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لمبادرة الحزام والطريق. إن وجود مصر ورئيسها فى قمة منتدى الحزام والطريق هذه المرة، يضاف إليه بعد إستراتيجى آخر، وهو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يرأس الاتحاد الإفريقى، وبالطبع فإن القارة السمراء تمثل بالنسبة لمصر والصين ملفًا حيويًا؛ لمصر لأنها العمق الإستراتيجى وروابط التاريخ والجغرافيا، وللصين التى وجهت دفة سياستها الخارجية بقوة إلى إفريقيا، من خلال علاقات التعاون والشراكة مع مختلف دول القارة، على جميع الأصعدة التنموية. وفى سياق السياسة الخارجية الحكيمة لدولة 30 يونيو، جاءت القمة المصرية الصينية فى قصر الشعب ببكين، أمس، بين السيسى وبينج، لتضع لبنة كبيرة فى بناء العلاقات الوطيدة بين البلدين، تلك العلاقة التى ارتقت على نحو غير مسبوق، خاصة بعد التوقيع على اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة، والبرنامج التنفيذى لتعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، وتبادل الزيارات بين قادة وكبار المسئولين بالبلدين، ويكفى القول إن هذه هى القمة السادسة فى 5 سنوات، تمثل أزهى ما وصلت إليه العلاقات بين القاهرةوبكين، من نضج وشراكة إستراتيجية. وأستطيع القول، إنه من خلال متابعتى لجولات الرئيس السيسى الخارجية، فإننى أرى دائمًا الملف الاقتصادى فى أولويات اهتماماته، وترويج فرص الاستثمارات الواعدة فى مصر يحتل قدرًا كبيرًا من مباحثات سيادته ولقاءاته، وفى هذه القمة التى عقدها الرئيس مع نظيره الصينى، يبدو ذلك واضحًا فى ثلاث نقاط مهمة، خلال مباحثات الزعيمين السيسى وبينج فى قصر الشعب: أولا: ما أكد عليه الرئيس السيسى لمضيفه بينج من تطلعه لتشجيع المزيد من الشركات الصينية على العمل والاستثمار فى مصر، والمشاركة فى شتى المشروعات الجارى تنفيذها، خاصة فى ظل ما تحظى به المشروعات والاستثمارات الصينية القائمة من رعاية وحرص من الدولة المصرية على مساندتها. ثانيًا: دعوة الرئيس السيسى للحكومة الصينية باتخاذ المزيد من الخطوات لتشجيع الصادرات المصرية، خاصة الصادرات غير البترولية، إلى الصين، وتسهيل إجراءات نفاذها إلى السوق المحلية الصينية، بما يسهم فى تقليل العجز فى الميزان التجارى بين البلدين. ثالثا: أن الرئيس الصينى أشاد بما حققته مصر على صعيد التنمية، ونجاحها فى تحقيق إنجازات واضحة على صعيد الإصلاح الاقتصادى، فضلا عن تحقيق الأمن والاستقرار، وتنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى، وهو ما ساهم فى تحفيز الشركات الصينية للعمل فى مصر، للاستفادة مما تتيحه تلك المشروعات من فرص استثمارية واعدة، مؤكدًا دعم الحكومة الصينية لعملية التنمية فى مصر، وتشجيع الشركات الصينية على زيادة العمل فى هذا المناخ الآمن والمناسب للاستثمار، فى إطار العلاقات الوطيدة التى تجمع بين البلدين. إن التعبير عن الشراكة الإستراتيجية بين مصر والصين، وتوافق الرؤى فى القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز العلاقات بين البلدين، كان أيضا محورًا رئيسيًا للقاء الذى أجراه الرئيس السيسى أمس مع السيد وانج يانج، رئيس المجلس الوطنى للمؤتمر الاستشارى السياسى للشعب الصينى، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى، الذى أكد حرص بلاده على تطوير التعاون الثنائى بين البلدين على مختلف الأصعدة، خاصة مع ما تشهده مصر من نهضة تنموية واقتصادية. لقد جاءت القمة المصرية الصينية، والحضور القوى والمؤثر للرئيس عبد الفتاح السيسى فى الصين الآن، ليجسّدا بوضوح معالم السياسة الخارجية لمصر، وتأثيرها القوى فى المحيط الإقليمى والدولى، وكيف استطاعت دولة 30 يونيو أن تدير علاقاتها الخارجية بكفاءة وتنوع واقتدار، من أجل واقع ومستقبل أفضل، ليس فقط لمصر وشعبها، بل لجميع شعوب العالم .. ولا تزال هذه الدولة القوية تبوح بأسرار قوتها، وتبهر العالم بحكمة قائدها وإرادة شعبها. وفى النهاية يمكننى القول بأن قطار السياسة الخارجية لدولة 30 يونيو القوية الطامحة، يسير بسرعة الواثق بنفسه، وبإمكانيات دولة كبيرة، ودعم شعب واع، وقائمة طويلة من الإنجازات التى تحققت على الأرض وطال بناؤها عنان السماء، وقائمة من الطموحات التى تمضى مصر سريعا فى تحقيقها.