بعد ثورة25 يناير التي جاءت العدالة الاجتماعية في مقدمة أهدافها النبيلة, وكذلك القضاء علي الفساد, توقع الكثيرون أن تشهد الخدمات الصحية طفرة كبيرة من التطور واليسر, خاصة الخدمات التي تقدمها المجالس الطبية المتخصصة والتي يدخل ضمن نطاق عملها إصدار القرارات علي نفقة الدولة. فمعظم المتقدمين للحصول علي تلك القرارات هم من الفئات المعدومة الدخل وليست المحدودة, كما كان النظام السابق يعلن ليل نهار أنهم في مقدمة اهتماماته, لكن الواقع كشف عن أنهم لم يكونوا أصلا علي خريطة سياساته وليس في المقدمة. وأبسط قواعد العدالة الاجتماعية التي تطالب بها الثورة توفير العلاج لغير القادرين, ومعاملتهم المعاملة الكريمة التي يستحقها الإنسان العادي, فما بالك بالإنسان المريض الذي يتوقف علاجه علي قرار قد يموت قبل أن يحصل عليه, وكأن مصر لم تشهد ثورة عظيمة شهد لها العالم كله بصورتها الحضارية التي لاتزال غائبة عن المجالس الطبية المتخصصة. الأهرام المسائي رصد حالة المرضي في رحلة مأساوية, وبمجرد دخولنا شاهدنا معاناة بمعني الكلمة. كان أول من قابلناه كمال محمود بهلول من سوهاج, أمام المجالس الطبية, الذي بدأ حديثه معنا قائلا: أخي يعاني من سرطان في الحنجرة, وذهبت للمستشفي لعمل قرار علاج, لكن الأطباء طالبوني بختم القرار من مصر فجئت للمجالس الطبية لإنهاء الأوراق, لكنهم أصروا علي ضرورة حضور صاحب القرار, وأنا مش عارف أعمل إيه والراجل تعبان ومش حمل بهدلة السفر والمشقة. عبدالنبي مختار حلمي كان جالسا علي الرصيف, اقتربنا منه وتحدثنا إليه: بتعمل إيه؟ فقال: أختي تعاني من فشل كلوي واستخرجت لها قرار علاج, وكانت تقوم بالغسيل في الحوامدية, لكننا نسكن في العياط وعندما وجدت مستشفي قريبا من سكننا جئت للمجالس الطبية وطلبت منهم تحويل القرار علي العياط نظرا لبعد المكان, إلا أنني فوجئت بأنهم يطالبوني بإحضار عدد جلسات الغسيل التي تمت لها في الحوامدية عشان يطلعوا القرار, فتعجب وقال: أجيب منين عدد الجلسات.. حد يعقل الكلام دا.. حرام عليهم الدوخة والعذاب اللي بيعملوه فينا ومفيش حد بيسمعنا وبيطردونا برة. رشاد السعيد قال: ابنتي سماح(30 سنة) تعاني من سرطان في الدم وتعالج في معهد الأورام, وعشان تكاليف الأدوية طلبوا استخراج قرار علاج جئت للمجالس عشان القرار, لكنهم طلبوا مني إحضار أشعات وأبحاث عشان يعطوني القرار, وعلي الرغم من تأشيرة الطبيب علي ضرورة استخراج القرار في أسرع وقت نظرا لسوء الحالة واحتياجها للعلاج الكيماوي بصفة مستمرة, لكنهم رفضوا.. أنا مش عارف أعمل إيه. أما رحلة الحاج رمضان رزق مليجي فتبدأ من الساعة الخامسة فجرا من محافظة كفر الشيخ وتكلفه نحو400 جنيه أجرة السيارة التي تنتظره من بعد أذان العصر لحين مجيء دوره, وقال: أعاني من أورام علي الكبد منذ6 سنوات, وطحال وصفراء, ذهبت للطبيب فقام بتحويلي للمستشفي الميري بالإسكندرية, وعملت قرار علاج لمدة شهر ثم حولوني علي المجالس الطبية ومش عارف أعمل إيه, والتقط أخوه منه طرف الحديث قائلا: إنه مش حمل البهدلة عشان ينتظر في الصف لحد ما يموت, وبعد كده يطلعوا القرار.. تعمل ايه أسرة مكونة من4 أفراد لا يملكون شيئا ويعيشون علي عطف أهالي المسجد الموجود بالقرية, نذوق الأمرين.. ارحموا مرض هذا الرجل الضعيف. قالت مبروكة جمعة الديب من وادي النطرون والدموع تتساقط من عينيها اهتموا بينا احنا غلابة.. تعبنا خلاص مش كفاية قسوة المرض.. ارحمونا, وتضيف: أعاني من روماتويد وحالتي الصحية لا تتحمل مشقة السفر لاستخراج قرار علاج, خاصة أنهم في كل مرة يرددون عبارة تعالي بعد10 أيام فطلبت منهم تحويلي إلي أي مكان قريب لكنهم رفضوا ولم يطرأ جديد بعد الثورة.. إحنا عايزين نتعامل بما يرضي الله ونراقب ضمائرنا, ولو كل واحد شاف شغله كويس مش هتكون فيه مشاكل حتي لو عشنا من غير رئيس جديد.. ما يبقاش الطلب أمام المسئول ويقول تعالوا بعد شهر والمريض لا يتحمل كل ذلك. صباح علي أحمد من قنا كانت تستند علي زوجها, ويقول زوجها في صوت متقطع: زوجتي تحتاج إلي إجراء عملية في الغضروف تتمثل في6 مسامير وشريحتين, وباجري علي القرار منذ نحو4 أشهر, وكل يوم يقولون فوت علينا بكرة, واصطحبها ونسافر كل يوم, وبتقع مني في السكة لعدم قدرتها علي الحركة, والطبيب يؤكد حاجتها الشديدة للعملية. وتقول انتصار محمد(57 سنة) من شبرا: أعاني من انسداد شريان في القدم نتيجة السكر, مما أدي إلي تشقق قدمي وأحتاج لعملية تسليك شريان, وباجري علي القرار بقالي12 يوما, ولو تأخرت عن العملية سوف يضطر الطبيب إلي بتر قدمي ومش عارفة أعمل ايه, وأروح لمين. بالتليفون وبالواسطة يخلصوا القرار لمحاسيبهم, هكذا بدأت هانم عبداللطيف من السنبلاوين كلامها قائلة: أعاني من كيس دمعي وأحتاج لقرار علاج, ودوخوني4 مرات وكل مرة يطلعوا بحجة شكل, إحنا الغلابة نعمل إيه ومفيش حد بيسأل عنا. لكن كمال عبدالمنعم من شبرا يقول: إن زوجته تحتاج إلي إجراء عملية في القدم لتركيب دعامة نظرا لعدم وصول الدم إلي القدم, وكل دقيقة بتمر فيها خطورة علي صحتها.. نروح لمين دا إحنا بنشوف الذل في مرضنا. دعاء عفيفي من عين شمس تقول: إن والدتي تعاني التهابا بالأعصاب الطرفية, وعملت لها قرار علاج لكن بعد دوخة6 أشهر طلع القرار ب400 جنيه فقط, لكنها تحتاج إلي علاج يتكلف300 جنيه شهريا, وكمان بيطلبوا أشعات وتحاليل ولا نستطيع تحمل كل هذه التكاليف, وفي النهاية المريض هو اللي بيتحمل كل شيء, كل اللي بنسمعه حبر علي ورق. ويطالب محمد مصطفي عارف من إمبابة( أحد المعاقين) بعودة قرارات العلاج الخاصة بأجهزة المعاقين نظرا لتكلفتها الباهظة. أما محيي عبدالمنعم عبدالفتاح من القليوبية فيقول: إن والدته تعاني فشلا كلويا, وقد استخرج لها قرار علاج علي مستشفي بنها التعليمي, إلا أن مدير المستشفي رفض علاج الحالة علي الرغم من قبوله لحالات أخري من محافظات مختلفة, وطالبه ضرورة تغيير القرار علي أي مستشفي آخر, ويضيف أن المستشفي يبعد عن سكنهم بنحو3 كيلومترات, وأنه قام بإرسال فاكس لوزير الصحة ورئيس مجلس الوزراء لكن دون جدوي, خاصة أن أي مستشفي آخر يحتاج إلي سفر وتكاليف باهظة. وعلي أحد سلالم المجالس الطبية كان يقف الحاج علي محمد عبدالرحمن, الذي تبدو علي وجهه تجاعيد الزمن, تجاوز السبعين, لا حول له ولا قوة, وفي صحبته ابنته سمر التي بدأت تحكي معاناة والدها قائلة: إنه يعاني ورما خبيثا علي الأحبال الصوتية, وقام الطبيب بإجراء عملية له وتم استئصال الورم لكنه مازال يتلقي العلاج الكيماوي والإشعاعي وأصبح غير قادر علي التحدث ويحتاج إلي جهاز للكلام, فأفادها طبيب مستشفي الدمرداش المعالج له بعمل قرار علاج علي نفقة الدولة حتي يساعده في الكلام مرة أخري, وبالفعل ذهبنا للمجالس الطبية في شهر5 الماضي وجهزنا الأوراق المطلوبة, لكنهم طلبوا منا الحضور في شهر8, وذهبنا في الميعاد المحدد إلا أنهم أفادونا بأن الطلبية لم تأت, وبعد شهرين عدوا علينا, ووالدي صحته تعبانة وأنا اللي باجري بيه, وده راجل كبير ومالناش واسطة غير ربنا.. نعمل ايه والجهاز تكلفته3 آلاف جنيه. توجهنا إلي الدكتور محمد أسامة الهادي مدير المجالس الطبية المتخصصة للوقوف علي حقيقة الأمر, فأكد أن كل هذه الشكاوي غير حقيقية, وأن الإحصائيات الصادرة عن المجالس تؤكد أن صدور قرار العلاج علي نفقة الدولة لا يستغرق إلا6 أيام فقط, لكن المشكلة أن المريض عندما يأتي إلي المجالس لاستخراج القرار قد تكون أوراق ملفه غير مكتملة نتيجة عدم قيام المستشفي بإرسال الملف الخاص به, أو يكون ملفه غير متضمن التقرير الخاص بحقيقة مرضه. وقال: في هذه الحالة قد يتأخر إصدار القرار, وهنا يتهمنا المريض بأننا السبب في هذا التأخير, والحقيقة أن الملفات المكتملة التي تصل إلي المجالس لا يستغرق بحثها وإصدار القرار سوي أيام قلائل.