بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت في إيران في الثاني عشر من يونيو2009 ظهر علي الساحة الإعلامية بقوة لافتة نوع جديد من الصحافة كان له الدور الأبرز في تحريك الاحتجاجات وإشعال المواجهات بين أنصار الرئيس الذي أعيد انتخابه محمود أحمدي نجاد ومنافسه حسين موسوي.. هذه الاضطرابات والاحتجاجات الدامية وجدت طريقها بكل سهولة إلي جميع وسائل الإعلام العالمية رغم القيود الرهيبة التي فرضتها طهران في ذلك الوقت حيث ظهر المواطن الصحفي والمواطن المراسل والناشط المذيع.. ووسيلة الإعلام هي مجرد هاتف محمول مزود بكاميرا بسيطة وسواء اتفق الخبراء أو اختلفوا حول طبيعة الإعلام الجديد وخصائصه تبقي التجربة علي الأرض قائمة ومستمرة بل ومتسارعة بشكل رهيب إلي حد إسقاط أعتي نظم الحكم المستبدة. الأمر الذي دفع كبريات شبكات الإعلام العالمية إلي التعاطي مع هذا الواقع الجديد حتي صارت مواقع الانترنت هي المركز الذي يضم محطات التلفزة والصحف الورقية, وقبل هذا وذلك شبكات التواصل الاجتماعي من عينة فيس بوك وتويتر. هذا الواقع صنع ما يمكن أن يطلق عليه الإعلام اللحظي,, وهو الإعلام الذي ينقل الحدث لحظة وقوعه وليس بالضرورة أن يكون الوسيط هنا وسائل الإعلام التقليدية من إذاعة وتليفزيون, وصحافة ورقية ومواقع الكترونية.. فالقائم بالاتصال في الإعلام الجديد هو المواطن العادي أو شاهد العيان أو أي شخص معه هاتف محمول مزود بكاميرا يستطيع في لحظة وعبر فيس بوك أو تويتر أن يصبح ومن أي مكان مراسلا صحفيا ينقل للعالم كله ما يدور أمامه.. صحيح أن هناك مآخذ مهنية علي مثل هذه الوسائل لكنها تتجاوزها شيئا فشيئا بمرور الوقت فباتت هي الوسيلة الوحيدة مثلا لنقل وقائع ما يجري علي أرض سوريا حيث منعت جميع وسائل الإعلام من العمل. وإذا كان تسارع نقل المعلومة علي هذا النحو اللحظي فإن الحديث عن مقارنة بين الصحافة الالكترونية والورقية يصبح في غير صالح ما كان يحلم به رواد الصحافة الورقية الأوائل. وتبدو المنافسة قائمة لكن الحسم وان بدا مؤجلا إلي أجل غير مسمي سيأتي لا محالة ويرتبط الحسم بعدة عوامل يأتي في مقدمتها طبيعة التحديات التي تواجه الصحافة الورقية خاصة المعوقات الاقتصادية وظروف انتاج وتوزيع تلك الصحف, الأمر الذي يرتبط بتكاليف باهظة قياسا بالصحافة الالكترونية التي وجدت في التكنولوجيا المتطورة ما يسر وصولها للقارئ في كل مكان وبلا تكاليف تقريبا فضلا عن خواص الحفظ والاسترجاع وكلها أمور تحسم المنافسة لصالح شبكة الانترنت. لهذا ليس غريبا أن تتجه كبريات الصحف العالمية إلي التعامل مع الأمر الواقع باغلاق نسختها المطبوعة, والإبقاء علي نسختها الالكترونية علي الانترنت مع تطويرها لتصبح أكثر انسجاما مع الإعلام اللحظي, بل وتزويد القاريء بخدمات أخري غاية في الأهمية مثل خدمات الفيديو المصور للأحداث. التفاعل الحي الأخطر من هذا هو ما يسرته التكنولوجيا وهو التواصل والتفاعل الحي واللحظي بين القارئ أو متصفح الانترنت والصحيفة ومن ثم المتصفحون أنفسهم في شكل حلقات نقاشية لحظية وتواصل اجتماعي واسع النطاق لا توفره وسائل اعلام أخري كالتليفزيون أو الراديو. إذن فالمقارنة تتجاوز الصحافة الورقية لتصل إلي خلاصة رئيسية تضع جميع وسائل الإعلام في بوتقة واحدة هي الانترنت التي احتوت الجميع, رغم خصوصية كل وسيلة لهذا فإن عدد قراء الصحيفة الورقية ربما كان أقل بكثير ممن يطالعون نفس الصحيفة علي الانترنت بحثا عن خدمات أخري ليست فقط متعددة ولا نهاية لها, ولكنها أيضا مجانية. وقد كان لهذا التفاعل عبر الانترنت معظم الفضل في اختراق تحصينات نظم الحكم المستبدة لتكشف ما خفي من أسرار وتحطم كل الأسوار وتضع الناس أمام الحقيقة بلا رتوش وفي هذا السياق حضرت قضية الشاب خالد سعيد أحد أسباب التسريع بسقوط مبارك وأركان نظامه كما فضحت هذه الصحافة الجديدة تزوير الانتخابات الماضية في مصر الأمر الذي عجل أيضا بسقوط النظام نظرية المؤامرة هذه الصحافة التي استخدمت علي نطاق أبرز في متابعة احتجاجات إيران بعد انتخابات2009 لم تؤت ثمارها هناك كما يقول البعض استنادا إلي نظرية المؤامرة التي تقول ان الدفع بتكنولوجيا الفيس بوك وتويتر إلي الساحة كان مقصودا من دوائر أمريكية وغربية وفي هذا السياق ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية يوم الأحد12 يوليو2011 أن ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تقود جهودا عالمية لانشاء أنظمة بديلة للانترنت والهاتف المحمول بغرض مساعدة المعارضين في اسقاط الحكومات المستبدة وقال تقرير الصحيفة نقلا عن وثائق تخطيط وبرقيات دبلوماسية سرية ومصادر إن هذه الجهود تسارعت منذ قطع الرئيس المصري السابق حسني مبارك لخدمات الانترنت في مصر في الأيام الاخيرة من حكمه. وقالت الصحيفة نقلا عن مسئولين أمريكيين لم تسمهم ان وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين انفقتا في واحد من المشروعات ما لا يقل عن50 مليون دولار لانشاء شبكة هواتف محمولة مستقلة في افغانستان باستخدام ابراج نصبت في قواعد عسكرية في البلاد. وذكرت أن المشروع استهدف مواجهة قدرة حركة طالبان علي قطع الخدمات الهاتفية الافغانية الرسمية وقالت نيويورك تايمز نقلا عن مشاركين في هذه المشروعات ان وزارة الخارجية الأمريكية تمول مشروعا لانشاء شبكات لاسلكية خفية لتمكين الناشطين من التواصل بعيدا عن سيطرة الحكومات في دول مثل ايران وسوريا وليبيا. واضافت أن أحد المشروعات يركز علي تطوير وسيلة اتصال محمولة بالانترنت من الممكن تهريبها عبر الحدود ونشرها بغرض السماح لوسائل الاتصال اللاسلكية بالدخول علي الشبكة العالمية وذكرت الصحيفة أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تدعم هذه الجهود الأمريكية ونقلت الصحيفة عن كلينتون قولها في رسالة الكترونية ردا علي سؤال في هذا الشأن نري المزيد والمزيد من الناس في انحاء العالم يستخدمون الانترنت والهواتف المحمولة وغيرهما من التقنيات كي يجعلوا أصواتهم مسموعة بينما يحتجون ضد الظلم ويسعون لتحقيق آمالهم. وقالت الصحيفة أن دبلوماسيين أمريكيين يجتمعون مع ناشطين كانوا يدفنون هواتف صينية محمولة بالقرب من الحدود مع كوريا الشمالية حيث يمكن الحفر واستخراجها لاجراء مكالمات هاتفية سرية. وسواء كانت تلك النظرية صحيحة أم لا فان ما يجري علي الأرض يكشف عن حقيقة واضحة وهي أن أنظمة حكم عتيدة ومستبدة سقطت بالفعل في أول مواجهة مع نوع جديد من الصحافة بعد أن ظلت لعقود طويلة تتعامل مع الإعلام بطريقة الناعق الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء وهي طريقة راعي الغنم الذي يقود القطيع بكلمة واحدة تعودت عليها الغنم وتفهمها وتعني لها إما الحركة وإما التوقف أو تناول القليل من العشب أو شرب بعض الماء العكر.