يري العالم والاقتصادي والفيلسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه بناء الدولة أن الإصلاح مثل التجارة, عرض وطلب, والأول مرتبط بالتحفيز.. أما الثاني فيكون نتيجة لعدة عوامل, مثل التعرض لصدمة خارجية شديدة; كالكساد الاقتصادي, أو أزمة مالية, أو حدوث تضخم استثنائي أو ثورة.. وعمليات الإصلاح التي قام بها محمد علي في مصر, كانت نتيجة للصدمة الحضارية التي أصابت المجتمع جراء حملة نابليون. كنا في أشد الحاجة إلي عملية الإصلاح الحالية, في ظل الظروف التي مرت بها البلاد بعد25 يناير2011, وما تلاها من فوضي وتخريب وإرهاب ومحاولات لتفتيت وحدة الوطن, وقاد الرئيس عبدالفتاح السيسي المسيرة, متحملا بكل شجاعة الأمانة أمام الله والشعب, وبدأ سريعا في أصعب عملية يمكن أن يقوم بها قائد وزعيم, ألا وهي الإصلاح الشامل, في ظل ظروف قاسية, من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة, بعد أن كادت الأنواء تعصف بمصر. وفي وقت قياسي استطاع الرئيس السيسي أن يثبت أركان الدولة; انطلاقا مما شهدته من مظاهر عدم استقرار علي المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.. وهنا قال الرئيس: إنه علي مدار السنوات الأربع الماضية, كانت مهمته الأساسية تثبيت أركان الدولة, وتعزيز تماسك مؤسساتها, واستعادة الاستقرار الضرورة لمواصلة التقدم. وآمن الرئيس أن استعادة مكانة الدولة تتطلب عملا وجهدا متواصلين, من أجل عملية البناء والتنمية, وصولا إلي مستقبل مشرق, ببناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة, لتحقيق أهداف وطموحات الشعب, فضلا عن تعميق وترسيخ قيم التعايش المشترك, والتسامح عن طريق الممارسات الفعلية علي أرض الواقع, وكذلك تأكيد التلاحم بين الدولة والمواطنين, باعتباره أساسا لبقاء واستمرار الدول. ولم يغب عن الرئيس أن يضع في مقدمة أهدافه الفئات التي تأثرت بنتائج عملية الإصلاح الاقتصادي, من الفقراء ومحدودي الدخل والأولي بالرعاية, فكان دعمها بكل الطرق من أجل حياة كريمة, وسار كل ذلك بالتوازي مع إحداث نهضة شاملة في البنية الأساسية, مع مشروعات قومية عملاقة أبهرت العالم, وكان تطوير العملية التعليمية, باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز تقدم المجتمع, حاضرا في فكر الرئيس من أجل تخريج كوادر خلاقة ومبدعة قادرة علي العمل والإنتاج, كما شغلت صحة المواطنين جزءا كبيرا من رؤية الرئيس, فكانت الحملات غير المسبوقة التي لم ترد علي قلب وذهن أي مواطن. وما كانت الدولة القوية لتنهض دون الارتكاز علي علاقات دولية تقوم علي أساس من الندية والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية, وهنا كان لا مفر من التوجه نحو إفريقيا, باعتبارها دائرة أساسية من دوائر السياسة الخارجية, وحرص الرئيس علي دعم مبادرات الاتحاد الإفريقي والمشروعات الإقليمية التي تهدف إلي تطوير البنية الأساسية في القارة. وفتح الرئيس السيسي, رئيس الاتحاد الإفريقي, الطريق إلي القارة السمراء علي مصراعيه, واهتم بشئونها, وحرص علي التنمية الشاملة لها ولسائر دولها, وعمل علي تطبيق إستراتيجية واضحة وثابتة وراسخة, أعادت لمصر مكانتها, وبقوة, علي الخريطة الإفريقية, إيمانا منه بأن إفريقيا أمن قومي, في الوقت الذي تشكل فيه أرضا واعدة استثماريا, وسوقا واسعة لا بد أن يتم الأخذ بيدها لحل أزمات النزوح واللجوء والإرهاب والحروب, بما يعني أنه ليس من الطبيعي أن نقف بمعزل عن الصراع الدامي المخيف, بوصفنا حراس الباب الشمالي للقارة, وجسر الاتصال بينها وبين العالم الخارجي.. فتلك هي مسئولية مصر, وهذا هو ثقلها الذي أعاده الرئيس السيسي بحنكة وذكاء وإدراك وفهم ومبادئ القائد, الذي يمسك بكل الخيوط التي تعيد بلده إلي ما كان عليه من قوة وصلابة وريادة كاد أن ينساها من حولنا. ومن هنا كان طريق العودة إلي إفريقيا, حتي لا يتعجب الذين يصرخون ليل نهار, لا لهدف إلا وأد الأحلام, وإيقاف المسيرة التي بدأت تؤتي ثمارها.