نجح موسم أفلام رأس السنة في طرح العديد من القضايا التي تشغل بال المجتمع طوال الوقت, لتعيد هذه النوعية من الأعمال الدور الرئيسي للسينما في التوعية والتفكير إلي جانب الترفيه, ليقدم صناع أفلام رأس السنة ودون اتفاق عددا من القضايا المهمة, حيث ناقش فيلم122 بطولة طارق لطفي وأمينة خليل وأحمد داود, قضية تجارة الأعضاء من خلال طبيب يملك مستشفي بالطريق الصحراوي ويستغل حالات الوفاة في حوادث الطرق في بيع أعضائهم, وحقق الفيلم في أن يتخطي حاجز ال15 مليون جنيه في3 أسابيع. بينما طرح فيلم الضيف بعض الآراء المغلوطة التي يتبعها البعض لتكون منهج حياتهم, وذلك من خلال ضيف يجسده أحمد مالك يحمل آراء متشددة ويواجه بها يحيي التيجاني خالد الصاوي المفكر المستنير ليدخلا في صراع فكري حول عدد من القضايا الدينية, وحقق الفيلم في3 أسابيع أكثر من4 ملايين جنيه. وأخيرا فيلم قرمط بيتمرمط الذي طرح لأول مرة فكرة محاولة تدخل اليهود في نسب الحضارة الفرعونية الكبيرة لهم من خلال الزج ببعض الآثار اليهودية وسط الآثار المصرية, في محاولة لتحقيق هدفهم وسرقة تاريخ المصريين ونسبه إليهم, ويلعب بطولته أحمد آدم ودينا فؤاد, وإخراج أسد فولادكار في أول تجاربه الإخراجية, وحقق الفيلم في أسبوعه الأول مليونا و121 ألف جنيه. وحول الصحوة المجتمعية للمؤلفين والسينمائيين والقائمين علي صناعة السينما في الإحساس بقضايا مجتمعهم وتقديمها من خلال معالجة مختلفة ناقشت الأهرام المسائي هذه الفكرة مع عدد من النقاد وصناع الأفلام. يقول أمين جمال مؤلف فيلم قرمط بيتمرمط إنه حاول طرح ما يشعر به وربطه بما يدور في الواقع لذا عندما قدم قرمط بيتمرمط لم يكن الأمر قائما علي فكرة تجارة وسرقة الآثار فحسب ولكن تعلق بمحاولة نسب اليهود تاريخ الفراعنة لهم, من خلال سرقتهم آثارا ووضعها عند الأهرامات ليقولوا إن من صنع الحضارة الفرعونية هم اليهود, وهي فكرة تناقش للمرة الأولي في السينما والدراما حيث حاولنا فضح مزاعمهم وما يدعون حول أنهم قاموا بصنع حضارتنا العظيمة. أضاف, هذه القضية طرحت بقوة في الواقع أخيرا وقرأت أن بعض الأشخاص حاولوا زرع آثار يهودية في الأهرامات وأماكن أثرية لمحاولة الاستيلاء علي تاريخنا, ونسب شيء ليس لهم, وهذه القضية المجتمعية قمنا بمناقشتها في فيلم كوميدي وبطرح خفيف علي قلوب الجمهور من خلال شخصية القرموطي والتزمنا الحياد في هذه القضية وابتعدنا عن السياسة حتي تصل للناس بسهولة. بينما قال سيف عريبي منتج فيلم122 إن ما حمسه علي تقديم فيلم هو فكرته الجديدة والتي تشغل بال قطاع كبير من المجتمع, خاصة أن الموضوع يحمل رسالة شديدة الأهمية, وقضية مجتمعية لم يتطرق لها البعض من قبل بهذا الشكل. وأضاف أن فكرة الفيلم والسيناريو قام المؤلف صلاح الجهيني بكتابتها وعرضها علي ولكن باسم مختلف فاخترت له اسم122 حتي يجمع بين الخلطة التجارية وقضية مهمة في الوقت نفسه وهي معادلة صعبة حققناها في هذا الفيلم, فرغم أن قضية تجارة الأعضاء منتشرة من حولنا ووقعت شبكات كبيرة فيها وتورط الكثيرون في هذه التجارة, لكن لم يتطرق لها أحد أو يقدمها من خلال معالجة سينمائية بهذا الشكل فشعرنا أن هذا هو الوقت المناسب لطرح هذه الفكرة. وحول تخوفهم من الهجوم عليهم بعد طرح هذه الفكرة قال إن ما تم طرحه واقع فكما يوجد أطباء شرفاء هناك أطباء غير شرفاء وهذا ينطبق علي كل المجالات. ومن جانبها قالت الناقدة ماجدة موريس, إن هذه الصحوة في الأعمال والإحساس بقضايا المجتمع نابع من أن كل فيلم مرهون برؤية صناعه, فمثلا فيلم الضيف مرهون بفكر كاتبه إبراهيم عيسي وأيضا لأنه طوال الوقت مشغول بقضايا الحريات الدينية والشخصية, وحتي إن فيلم قرمط بتيمرمط لأحمد آدم, فأمين جمال من المؤلفين الجيدين الذين ظهروا علي الساحة أخيرا, كما أن آدم دائما مهموم بقضايا الحريات منذ فترة طويلة ومن بينهم تقديمه فيلم فيلم هندي مع صلاح عبد الله ومنة شلبي ورصد من خلالها العلاقة بين المسلم والمسيحي والتسامح بينهما, وبالتالي هو طوال الوقت مهموم بطرح قضايا مجتمعية, وحتي إنه كان يقدم برنامج, نقديا أسبوعياonemanshow لمدة4 سنوات تقريبا, وكان برنامجا من أجمل وأهم البرامج, لذا من خلال هذا الرصد نستطيع أن نتفهم فكرة ما يقدمه هؤلاء من قضايا مهمة. وأضافت أن فيلم122 طرح قضية مهمة جدا وهي تجارة الأعضاء وخصوصا أنه قبل أسبوعين تم الكشف عن عصابة كبيرة في تجارة الأعضاء متورط فيها عدد كبير من الأطباء في المستشفيات الحكومية والخاصة, ورغم الحرب علي تجارة الأعضاء ولكن هذه الظاهرة ازدادت, مشيرة إلي أن السينمائيين يحاولون تقديم نوع من التوعية حول الخطر الذي يواجهنا في مجتمعنا ولكن العام الماضي عدد كبير من الأفلام كان يقدم اتجاهات مختلفة تغلب عليها الخلطة التجارية, فمثلا عندما كنا نبحث عن3 أفلام جادة كنا نجد تراب الماس ولكن هذا لا يعني أن الكوميديا ليس معناها عدم الجدية. وأكدت علينا ألا نتعجل الحكم علي أفلام2019 حتي نري السمة العامة للأفلام, وإذا كانت السمة العامة مناقشة السينمائيين لقضايا مجتمعهم بأسلوب تراجيدي أو كوميدي فهذا معناه أننا دخلنا في مرحلة الإحساس بشكل أكبر بالمسئولية المجتمعية بالنسبة لفن السينما تحديدا. بينما اختلف معها في الرأي الناقد الفني طارق الشناوي حيث قال إن القضايا التي نراها في الفترة الحالية ليست جديدة وتم تناولها في عدد من الأعمال من قبل, فكثيرا ما رأينا عشرات الأعمال الفنية التي تتناول ظاهرة بيع الأعضاء سواء علي التليفزيون أو السينما, وهنا يمكننا الجزم أنه تناول القضايا المطروحة حاليا في دور العرض من قبل ولم تكن المرات الأولي في المعالجة والتناول باختلاف أنواعها. وأضاف أن أسلوب المعالجة هو الفيصل في هذه القضايا سواء كانت فكرة سياسية أو مجتمعية, فأنا أري أن فيلم122 يقف علي مشارف القضية التي تم تناولها من قبل ولكن استطاع أن يدخل في القضية مباشرة, ربما فيلم قرمط بيتمرمط المعالجة الساخرة هي الغالبة علي روح الفيلم ولكن لا بأس, بينما فيلم الضيف يقدم لأول مرة مناقشة جادة لموضوع الحجاب ووجهه نظر بأنه فرض أو مفروض علي السيدات والفتيات, كما أنه يحمل جرأه غير مسبوقة رغم أنه تم مناقشته في الكثير من برامج التوك شو ولكن يقدم لأول مرة في السينما وهو يواجه تحديا كبيرا لان70% من النساء بمصر محجبات وهو يصطدم بقضية اجتماعية, فالجانب الاجتماعي أقوي من الديني ويغلب علي الديني أيضا, وأحسب له الجرأة ولكن المعالجة السينمائية لم تكن علي مستوي الفكرة. وأشار إلي أن المؤلفين بدأوا يبتعدون عن الخلطة التجارية التي نعرفها والتي أسميها بالخلطة السبكية, وهناك مؤلفون لديهم إحساس بمجتمعهم وقضاياه, حتي إن السبكي نفسه بدأ يبتعد عن الخلطة التجارية في أعماله, التي أري أن العمر الافتراضي لهذه الطبخة انتهي والتي كنا نطلق عليها الطبخة أو الخلطة السبكية, بمن فيهم السبكي نفسه بدأ يغير في معايير الخلطة التي يقدمها للجمهور.