تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب.. كلنا بنجري ورا نفس السراب كلنا من أم واحدة.. أب واحد.. دم واحد.. بس حاسين باعتراب في عام1983 انتقلت الدراما التليفزيونية المصرية نقلة جديدة. عندما أذاع التليفزيون لأول مرة مسلسل الشهد والدموع الذي كتبه الراحل أسامة أنور عكاشة رحمه الله وأخرجه الرائع إسماعيل عبدالحافظ أطال الله بقاءه. كان الشهد والدموع مسلسلا مختلفا عن الدراما التليفزيونية السائدة وقتها في كل شيء تقريبا, بما في ذلك العنوان الذي خلا من النبرة الوعظية أو محاولات الإيحاء بالإثارة, بل كان عنوانا أدبيا, يصلح لرواية أو ديوان شعر. بالإضافة إلي هذا, فإنه لم يسبق للمشاهد العربي أن رأي مسلسلا يغوص في أعماق المجتمع, ويقدم نماذجه ويرصد تحولاته. فقد كانت معظم المسلسلات تدور فيما يشبه مسلسل عائلة مرزوق الإذاعي الشهير, مع تطور طفيف. بالطبع لا يمكن تجاهل عدد من المسلسلات المتطورة التي سبقت الشهد والدموع, بعضها كان لأسامة أنور عكاشة( وقال البحر نموذجا) وبعضها لآخرين مثل وحيد حامد في أحلام الفتي الطائر, لكن هناك أمورا تجعلنا نعتبر الشهد هو النقلة الحقيقية أهمها أنها كانت تأسيسا للمسلسلات الاجتماعية ذات الطابع الروائي, والتي استمرت حتي يومنا هذا. وكان هذا المسلسل بجزءيه علامة فارقة لجميع العاملين فيه تقريبا, وحتي الفنان الكبير والقدير يوسف شعبان, أبرز المسلسل قدراته الكبيرة في لعب دور الجراند الذي سيجيده بعد ذلك في المال والبنون والضوء الشارد, هذا طبعا ناهيك عن الفنانين الشبان محمود الجندي وخالد زكي ونسرين مع الإطلالة المضيئة لكل من عفاف شعيب ورجاء حسين, ولا يمكن أن ننسي بالطبع العملاق الراحل عبد المنعم ابراهيم. وتدور أحداث( الشهد والدموع) حول أخوين( يوسف شعبان ومحمود الجندي), الأصغر كان هو صاحب المال والمحلات التجارية الكبيرة, وعندما توفي قام الشقيق الأكبر بتحويل كل ورثته لمنفعته الخاصة, ومنع أولاد شقيقه من التمتع بأموالهم, بينما قام هو بالاستفادة من ورثة شقيقه الأصغر وعاش هو وأولاده في مستوي عال من الرفاهية وبحبوحة العيش, فيما تكبد أبناء شقيقه مرارات الفقر والحاجة. وعندما كبر كل الابناء من الشقيقين, اشتعلت النار في دواخل أبناء الاخ المتوفي. وفي تقديرنا فإن عكاشة أراد أن يقول إن الأحقاد التي تسكن القلوب تزداد قوة مع الأيام, وأن هذه الأحقاد لا تمكن من رجوع المياه إلي مجاريها, مهما مرت الأيام وحاول الناس نسيان الماضي. ولم يكن المصريون وحدهم من يتابعون المسلسل, كل البلاد العربية فعلت, ونقرأ للكاتب السوداني خالد أبو أحمد: المسلسل معروف, كل السودان شاهده الشهد والدموع هو الأول في حياتي الذي تابعته علي مدي الثلاثين حلقة بكيت فيه بكاء حارا وكأني جزء من أسرة القصة وقد اشتهر هذا المسلسل دون المسلسلات المصرية بالواقعية, الأمر الذي جعل دموع المشاهدين كالمطر تجري بين مشهد وآخر. وأخيرا فإنه كما كان المسلسل فتح انطلاقة للدراما التليفزيونية, فإن التتر كان هو الآخر اتجاها جديدا لصياغة تترات المسلسلات كلاما ولحنا سيد حجاب وعمار الشريعي) وهو التتر الذي افتتحنا به هذه الزاوية, وتعيش وتتفكر.