أن تكون فقيرا لكن صحيحا معافي فلن تعدم الحيلة حتي لو اضطررت أن تتسول لقمة العيش من الغير, لكن أن يجتمع عليك الفقر والمرض والخيانة فتلك من نوائب الدهر التي لا يتحملها الكثيرون. حكاية السيدة مارسة تقشعر لها الأبدان ويؤخذ بجريرتها المجتمع, المجتمع الذي عاش منذ آلاف السنين تجمعه روابط التكافل والتضامن والرحمة, تلك الروابط التي عصمته من الانزلاق إلي جرائم غيره من الشعوب. بعد عمر مديد أفنته في رعاية زوجها وتربية ابنه, تركها الزوج العاق الذي آثر دنياه علي آخرته وأحب نفسه علي زوجته وابنه وتركهما يواجهان نكد الحياة ومرها, تركها بعد أن أقعدها المرض ولم تعد تتحرك إلا علي كرسي متحرك بعد أن أصابها مرض الشلل اللعين فأعجز طرفيها السفليين عن الحركة وأصابها بضمور شديد بالعضلات بعد أن تعرضت لحادث كسرت علي أثره الفقرتان القطنتان الرابعة والخامسة. لم ينس الله عباده فرزقها بابن بار يخرج باكرا كل يوم لعله يفوز بيومية هنا أو هناك ليرجع آخر النهار يطعم أطفاله بما من الله عليه من رزق ثم يذهب لوالدته يواسيها ويخفف عنها ويطعمها مما أفاء الله عليه. رأت الأم المسكينة ما يفعله الزمان بابنها فزاد عليها الألم, فالحمل ثقيل تنوء به الجبال لو يعلمون, تكتم دمعتها مخافة أن يضعف ذلك من عضده, فتحرق الدمعة جوفها وتكويه. ضغطت علي ابنها كي يحملها بكرسيها المتحرك إلي مكتب الشئون الاجتماعية بالخصوص بمحافظة القليوبية حتي تحصل علي معاش يعينها ويعينه علي نوائب الدهر بعد أن ارتفعت الأسعار وكوت ظهور الأصحاء قبل المرضي. قدمت الأم المكلومة والمريضة كل الأوراق المطلوبة وكل التقارير الطبية الحديثة والقديمة لكن قلوب السادة الموظفين لم ترق لحالتها ولم تذرف دموعهم دمعة بعد الاطلاع علي أوراقها, ولا بذلوا جهدا لطمأنتها, فقد صبرت كثيرا ولا ضير أن تصبر أكثر إذا أعطوها أملا. علم السادة الموظفون أنها تقطن بمفردها في مكان تفر منه الحياة, بدروم عقار علي المحارة في غرفة وحيدة بصالة وحمام, وبالإيجار يدبره ابنها بمشقة وصعوبة من عمله باليومية لكن لم يرد عليها السادة الموظفون منذ أكثر من شهرين. أكثر من مرة تذهب إلي مكتب الشئون الاجتماعية دون رد أو كلمة تطمئن بها علي نفسها فقد هانت عليها الحياة, وتريد أن تخفف من حمل ثقيل علي كاهل ابنها, فنصحها أهل الخير أن تقدم استغاثة إلي وزيرة التضامن الاجتماعي عساها أن توفر لها معاشا يحفظ كرامتها ويعينها علي مرضها فيما تبقي لها من عمر.