هل سيظل هذا التحدي قائما إذا علم أن عميد حقوق القاهرة لم يكن في اي وقت عضوا بالحزب الوطني ولا في اي حزب اخر وانه كان من اكثر المعارضين للنظام السابق. لقد ترددت كثيرا قبل أن أخوض في التعليق علي دعوات تغيير القيادات الجامعية التي لم تخل منها وسيلة من وسائل الإعلام كل الفترة اللاحقة علي قيام الثورة. ولعل صمتي شخصيا مرجعه إلي عدة أمور, أهمها: أنني شأن غيري من المتخمين بأعمال الجامعة لا نجد وقتا كافيا للدخول في جدل عقيم سيطر عليه اناس تفرغوا له واتقنوا تسويقه في وسائل الإعلام بشكل منتظم, ومن ذلك ايضا انني لم اشأ ان يستغل ذلك من قبل دعاة الاثارة في الترويج لحرصي علي التمسك بموقع قدر الله ان اتولي امانته منذ شهور معدودة قبل الثورة وفي ظروف غاية في الدقة ولم أجن منه سوي المعاناة, وكان عزائي انني بعون الله وبمعاونة اساتذتي وزملائي المخلصين ووعي ابنائي الطلاب استطعت العبور به إلي بر الأمان, وفضلا عن كل ذلك, فإن ايماني العميق بالقيم والتقاليد الجامعية الأصيلة قد منعني من الرد علي دعوات سيطرت عليها اعتبارات الانتهازية وهبطت إلي مستوي غوغائية الشارع. ولكن حين يصل العبث إلي حد إطلاق الشائعات وإلقاء الاتهامات جزافا دون دليل, فضلا عن التعميم, الذي عبر عن جهل واضح لدي دعاة الإثارة ممن ينتمون, للأسف الشديد إلي مؤسسات المفترض انها هي التي تبني القيم والتقاليد, فإن الصمت في هذا المقام لم يعد مقبولا, بل انه قد يفسر من قبل الرأي العام علي أنه تسليم بتلك الإعاءات, فضلا أنه تشجيع للعابثين ودعاة الاثارة علي استمرار هذا العبث الذي لاقي للأسف البالغ استجابة لدي المسئولين دون تمحيص او تدقيق. ويهمني في هذا الشأن ان أطرح مجموعة من التساؤلات: أولا: بأي حق ادعت تلك المجموعات المسماة بالائتلافات انها ممثلة لجميع أعضاء هيئات التدريس بالجامعات؟ ومن الذي اعطاها تلك الصفة لكي تتحدث نيابة عنهم وتتبني مطالب ادعت بأنها مطالبهم جميعا؟ وتتفاوض باسمهم مع الجهات الرسمية؟ أخذا في الاعتبار انني انتمي إلي كلية عريقة في اعرق جامعة في مصر ولا يوجد عضو هيئة تدريس واحد أو مدرس مساعد او معيد بهذه الكلية ينتمي لتلك المجموعات او يعرف عنها شيئا!! واعتقد ان هذا الأمر ينطبق علي معظم الكليات بالجامعات المصرية. ثانيا: هل تأكد المتحدثون باسم تلك المجموعات من صحة ما يشيعونه دوما ويستثيرون به الرأي العام من تقاضي القيادات الجامعية لمبالغ مالية ضخمة ومن الزعم بفساد ذممهم المالية, هل لديهم وقائع محددة مؤيدة بالدليل؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا توانوا والفرض انهم أهل الحكمة ودعاة الإصلاح عن تقديم بلاغات للنيابة العامة للتحقيق في هذه الوقائع حماية للمال العام ووقف اهداره؟ خصوصا وان مثل هذه الوقائع هي أيسر الوقائع اثباتا لأنه لا يمكن تقاضي مبالغ مالية من جهة عامة دون مستندات؟ هل انحدر هؤلاء الذين يفترض أنهم اساتذة علم وقيم إلي مستوي الإثارة التي درج عليها بعض العامة من أفراد المجتمع الذين ظنوا ان الثورة معناها اهدار كل قاعدة وقيمة وأن لكل فرد أن يفعل ما يشاء؟ ثالثا: هل تأكد دعاة العبث والاثارة والشائعات الزائفة ان جميع رؤساء الجامعات والعمداء كانوا اعضاء بالحزب الوطني او انهم سخروا لخدمة النظام السابق؟ وهل تأكد المتحدث باسم اتحاد ائتلافات اعضاء هيئات التدريس, من حقيقة هذا الزعم حين قرر في احدي الصحف انه يتحدي ان يكون هناك رئيس جامعة او عميد كلية ليس عضوا بالحزب الوطني؟ وهل سيظل هذا التحدي قائما إذا علم أن عميد حقوق القاهرة لم يكن في اي وقت عضوا بالحزب الوطني ولا في اي حزب اخر وانه كان من اكثر المعارضين للنظام السابق, وهل يعلم سيادته انه عقد لقاء بالكلية ضم اساتذتها انتهي إلي بيان بسقوط النظام وانتهاء شرعيته, وخرج بصحبة اعضاء هيئة التدريس في مسيرة إلي ميدان التحرير معلنا عن انضمام كلية الحقوق بجامعة القاهرة لهذه الثورة, كل ذلك في وقت كان النظام السابق فيه مازال قائما والرئيس السابق علي رأسه؟ وهل كان يجرؤ سيادته او غيره من اعضاء ائتلافاته ان يفعل ذلك وهو علي رأس مؤسسة رسمية؟ هل مازال تحديه قائما؟ ام هي عشوائية القول أو الشعارات الزائفة والمتاجرة الرائجة بثورة هذا الشعب المسكين؟ هل مع كل ذلك مازال هذا المتحدث باسم ائتلافات الانتهازية مصرا علي تحديه. رابعا: وسؤال آخر اطرحه علي سيادة المتحدث باسم الائتلافات ورفاقه ولا انتظر منهم إجابة وإنما اتركها لضمائرهم؟ هل لو عرض عليه قبل الثورة ان يتولي موقعا قياديا في احدي الجامعات كان سيرفض؟ خامسا: وسؤال آخر اطرحه علي السيد الاستاذ الدكتور وزير التعليم العالي والسادة اعضاء مجلس الوزراء ومنهم فقهاء قانون مشهود لهم بالعلم والحكمة, هل فكروا قبل اصدار مشروع قانون باعتبار مواقع القيادات الجامعية شاغرة اعتبارا من آخر يوليو مدي مشروعية هذا المشروع ودستوريته الذي هتك به بشكل فج عرض القواعد الدستورية التي تضمنها الدستور السابق والإعلان الدستوري القائم والتي توجب ان يتضمن القانون قواعد عامة مجردة والا يستهدف اشخاصا او وقائع معينة بالذات والا وصم هذا التشريع بعيب الانحراف في استعمال السلطة التشريعية؟ وهل لا يعلم هؤلاء الفقهاء ان انصراف التشريع المقترح إلي من لم تكتمل مدد شغلهم لمناصبهم يفضي إلي اهداره للحقوق المكتسبة وهو ما لا يملكه المشرع ولو من خلال قانون بأثر ولعل اعضاء مجلس الوزراء الذين اقروا بمشروع القانون سالف الذكر يعلمون بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في2002/7/7 والذي قضي بعدم الدستورية في حالة متطابقة تماما؟ سادسا: سؤال أخير أوجهه لأجهزة الإعلام التي نرجو ان تظل دائما ضمير الأمة الصادق.. هل رصدت فعلا اعتصامات حاشدة في الأيام الأخيرة امام إدارات الجامعات المصرية؟ وهل ذهب مندوبوها مثلا إلي جامعة القاهرة وشاهدوا المعتصمين والذين لم يتجاوز عددهم في اي وقت من الأوقات ثلاثة أو خمسة اشخاص لا نعلم إذا كانوا من اعضاء هيئة التدريس أم لا؟ ولمصلحة من تخرج عناوين الصحف يوميا بأخبار غير حقيقية عن هذه الاعتصامات الواهية وبتصريحات عنترية لمن أطلق علي نفسه متحدث ائتلافات اعضاء هيئة التدريس بالجامعات؟ وأقول أخيرا لأصحاب الصوت العالي رحماكم بهذا الوطن الذي يحتاج من كل إنسان أن يتجرد من المصالح الشخصية في هذه الفترة الحرجة التي تحتاج في سبيل تجاوزها إلي جهود مخلصة وليس إلي الرقص علي ركام المدينة. عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة