سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخلافات الأسرية. رؤية شرعية الإسلام حدد القواعد والمبادئ اللازمة لكل أفراد الأسرة ما يؤدي في النهاية إلي نجاحها د. حسام الشتيحي: الشرع وضع أسس العلاقة الزوجية والأساليب التي يمكن الاعتماد عليها في تربية الأبناء
تعد الخلافات والمشاحنات الأسرية- خصوصا في الآونة الأخيرة- مشكلة حقيقية, أشبه بقنبلة موقوتة, تهدد بنسف أواصر المحبة والمودة والهدوء والسكينة بين أفراد العائلة الصغيرة; فالشد والجذب وأحيانا السب والضرب والعنف, سلاح رهيب, يلجأ إليه بعض الأزواج والأولاد, والنتيجة إما الاحتكام إلي أبغض الحلال, وهو الطلاق; وبالتالي تفكك وتشرذم الأطفال, وتأزم الحالة النفسية للآباء والأمهات.. أو إراقة الدماء, وتحطيم ما لا يمكن جبره بأي حال, وهنا يتوه حاضر الأسرة, ويكتب علي مستقبل أبنائها الشقاء والضياع.. ولتجنب هذه الكوارث الاجتماعية المحتملة, تعالوا معنا نضع أيدينا وأيديكم علي الداء والدواء, من وجهة نظر الشرع الحنيف. في البداية يقول د. حسام محمد علي الشتيحي; مدير عام بوزارة الأوقاف, إن الإسلام اهتم بالأسرة اهتماما شديدا; حيث حدد مجموعة من القواعد والمبادئ التي يجب الالتزام بها لكل فرد من أفراد الأسرة; ما يؤدي في النهاية إلي نجاحها, فنجد أن الإسلام حدد للزوج- وهو رب الأسرة- الأسلوب المناسب الذي يتعامل به مع زوجته; فقد روي ابن ماجه في سننه عن ابن عباس عن النبي قال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله: خياركم خياركم لنسائهم. وأضاف: وكذلك في الإجابة الصحيحة عن السؤال الواضح في حق الزوجة, فقد أجاب الرسول بأن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه, ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت.. قال أبو داود: ولا تقبح أن تقول: قبحك الله.. ويعني هذا أن الإجابة واضحة في الأسلوب المميز الراقي الذي يتعامل به الزوج مع زوجته; فلا يكون العقاب بضرب الوجه علي الإطلاق, وحدود الضرب كعلاج لبعض الزيجات عند خشية النشوز, فقال رسول الله: لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك.. أي لولا الخوف من القصاص يوم القيامة لأوجعها الرسول ضربا بالسواك; أداة عقاب خفيفة لا تؤثر ولا تجعل للضرب علامة يراها الناس فيعيرونها بها ويسألون عن سببه ويضع الزوجة في حرج وضيق شديد. وتابع د. حسام الشتيحي: وكذلك علاج الهجر لا يكون إلا داخل البيت; لا يعرف به أحد حتي, ولو كان أقرب الأقربين للزوجين.. وعن الأسلوب المناسب في التعامل مع الأبناء, روي الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته, والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها, والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته. وحسبت أنه قد قال: والراجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته وكلكم راع ومسئول عن رعيته. ويبين د. حسام الشتيحي بأن الرسول حدد أيضا الأساليب التي يمكن للزوجين الاعتماد عليها في تربية الأبناء; فقد روي البزار في مسنده عن أبي هريرة قال; قال رسول الله: علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرا وفرقوا بينهم في المضاجع.. أي أن التعليم عند سبع سنين والضرب غير المبرح عند عشر سنين, والتفريق في المضاجع أسلوب تربوي ناجح, ولا بد وأن يتم تفعيله بين الأبناء والبنات عند الذهاب إلي النوم. وقد حدد الإسلام للزوجة الطرق المناسبة التي يجب عليها أن تتعامل بها مع زوجها; حيث روي الإمام الطبراني في معجمه الصغير: ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة, قالوا: بلي يا رسول الله, قال كل ولود ودود إذا غضبت أو أسيء إليها أو غضب أي زوجها قالت هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتي ترضي; أي أنها لا تهدأ ولا تنام ويغمض لها جفن, حتي تصالح زوجها ويرضي عنها; لأن في رضا الزوج رضا الله عز وجل.. وقد روي البيهقي في سننه عن حصين بين محصن قال: حدثتني عمتي قالت أتيت النبي في بعض الحاجة فقال أي هذه أذات بعل أنت قلت نعم: قال فكيف أنت له ؟ قالت ما آلوه إلا ما عجزت عنه, قال: فأين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك. ولفت د. حسام الشتيحي إلي أن الشرع الحنيف حدد كذلك الطرق التي يجب علي الأبناء اتباعها في التعامل مع الوالدين فقال تعالي:( وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)( الإسراء:23-24). ويؤكد الشيخ الشتيحي أن كافة المعاملات التي بين أفراد الأسرة أساسها الاحترام والصدق والمودة والرحمة, وهذا ما يؤدي في النهاية إلي نجاح الأسرة, وحمايتها من التفكك; فالأسرة نواة المجتمع البشري, والحاضن الرئيس لأفرادها ومصدر أساسي للسعادة والطمأنينة والاستقرار لهم, وعموما فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلي أنه لم تكن هناك أسرة بمنأي من وجود الخلافات أو المشاكل بين الحين والآخر; فالاختلاف في الآراء من سنن الله تعالي في الخلق, فلقد خلق الله تعالي البشر مختلفين, لكل فرد شخصيته المستقلة; سماته وميوله التي يختلف بها عن الآخر. وفي هذا الشأن يقول د. الشتيحي: إنك تري الزوج يحب شيئا لا تحبه الزوجة, وتري الأولاد يرغبون بممارسة أعمال لا يرغبها الأبوان.. والمشاكل الأسرية تعني وجود نوع من العلاقات المضطربة بين أفراد الأسرة والتي بدورها تؤدي إلي حدوث التوترات; سواء أكانت هذه المشاكل ناتجة عن سوء سلوك أحد أفراد الأسرة أو الطرفين الرئيسين فيها.. ويؤدي كثرة الشجار والخلاف بين الأبوين, أو بين الأبناء والأبوين إلي جعل الأسرة في حالة اضطراب, ويفقد الأبناء هيبة الأسرة واحترامها والانتماء لها. ويسلط الشيخ هشام محمد السيد شبانة( خطيب وإمام بالأوقاف), الضوء علي مشاكل المرأة المصرية, سواء في مجال التعليم أو الصحة أو العمل أو الحياة الزوجية وتربية الأبناء, مؤكدا حق الطفل في التنشئة السوية والحياة الكريمة, واختيار اسم حسن له وحياة كريمة, مبينا أن الإسلام اهتم بالطفل قبل أن يأتي للحياة, فأمر راغبي الزواج بحسن اختيار الزوجة الصالحة, وكذلك اعتني الإسلام بالطفل وهو جنين وقرر له حقه في الحياة فحرم الإجهاض عمدا وأوجب رعاية الحامل طيلة حملها وأباح للمرأه الحامل الإفطار في رمضان. ويستدل الشيخ هشام شبانة علي ما أورده قائلا: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن الله وضع علي المسافر نصف الصلاة والصوم, وعن الحبلي والرضع( رواه النسائي), إضافة الي حق الطفل في الرضاعة وفقا لقوله تعالي: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف البقرة33)) إلي جانب ذالك حض الإسلام علي حسن تربية الطفل وتوجيهه علي أسس شرعية, وفي هذا السياق, دعا الشيخ هشام عإلي ضرورة تفعيل دور المساجد ونشر الوعي الديني لدي الشباب وقيام الأسرة والمدرسة بواجبها التربوي السليم تجاه الأبناء. وأوضح الشيخ هشام أن المشكلات الأسرية تتمثل في انفصال الزوج عن الزوجة أو غياب الزوج أو الزوجة عن المنزل; ما يؤدي إلي عدم متابعة الأبناء بصورة دائمة ومستمرة في التعليم والثقافة والصحة.. إضافة إلي أن من الإشكاليات, انعدام الكفاءة بين الزوجين; سواء من الناحية التعليمية أو الثقافية أو الاجتماعية أو المالية بما يؤثر بالسلب علي أفراد الأسرة. وعن أساليب علاج المشكلات الأسرية, من وجهة النظر الشرعية, ينصح المدير العام بوزارة الأوقاف; الشيخ حسام محمد بأن يلجأ أفراد الأسرة إلي الحوار الناجح, واستماع كل فرد إلي الآخر والموعظة الحسنة بين الزوجين, كما قال تعالي:( الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا), النساء آية(34). كما ينصح بأن يتحلي كل فرد من أفراد الأسرة بخلق الرفق واللين في تعاملاته كلها, فقد روي الإمام مسلم في صحيحة عن عائشة, زوج النبي صلي الله عليه وسلم, عن النبي قال:( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه). ومن جانبه, يشدد الشيخ محمد عبدالمنعم المدير العام بوزارة الأوقاف علي ضرورة أن يبتعد أفراد الأسرة عن الغضب; فالغضب لا يأتي بخير, وإنما هو أصل الشرور كلها; ما يستوجب اللجوء إلي ضبط الأعصاب.. فعن الأحنف بن قيس, عن جارية بن قدامة, أن رجلا قال للنبي صلي الله عليه وسلم: قل لي قولا وأقلل, قال:( لا تغضب) فأعاد عليه, قال:( لا تغضب).. قال أبو حاتم رضي الله عنه:( قوله صلي الله عليه وسلم) لا تغضب, أراد به ألا تعمل عملا بعد الغضب مما نهيتك عنه, لا أنه نهاه عن الغضب; إذ الغضب شيء جبل عليه الإنسان, ومحال أن ينهي المرء عن جبلته التي خلق عليها, بل وقع النهي في هذا الخبر عما يتولد من الغضب مما ذكرنا. وأشار الشيخ محمد عبدالمنعم إلي أنه علي الأسرة أن تضع أسسا ومعايير لحل خلافاتها, تبني علي المنطق والحجة والبرهان, بعيدا عن تحكيم الأهواء والآراء الشخصية, وأن تتفق الأسرة علي صيغة إدارية للبيت توضح فيها واجبات الأفراد ومسئولياتهم, وأن يعي الزوجان طبيعة العلاقة بينهما وتقبل بعضهما البعض, واللجوء إلي أشخاص يمكن الوثوق برأيهم وتصرفاتهم لحل المشاكل الطارئة بينهما, سواء كانوا من الأهل أو الأصدقاء المقربين. قال تعالي:(( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا))( النساء:35). ومن أهم أساليب علاج المشاكل الأسرية; عقد دورات تدريبية للزوجين قبل الزواج; لتدريبهما علي كيفية التعامل مع الأطفال, وأساليب التعامل مع مشاكلهم بحكمة وموضوعية, وأيضا التحلي بالصبر وحسن التعامل مع الأبناء, لترويضهم وتهذيب أخلاقهم, مع ضرورة تحكيم العقل في المشاكل الزوجية, قبل اللجوء للطلاق أو الانفصال حفاظا علي مستقبل الأولاد. وفي كل الأحوال, فإنه يجب إبعاد الأطفال والمراهقين عن جو المشاكل الأسرية المشحونة, وعدم إشراكهم فيها بتاتا, لأن ذلك سيؤثر عليهم مستقبلا, ويصنع منهم أفرادا غير أسوياء نفسيا.. ومسك الختام قول الله تعالي:(( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)).