في أبريل2017 كنت أراقب من مكان إقامتي في أمريكا سيران معركة مخيم عين الحلوة, حيث كان قضاء القوي الأمنية اللبنانيةوالفلسطينية المشتركة علي الحالة الإسلامية المتشددة في معركة وصفت بالأعنف, تلك القوي المتشددة التي أقحمتها موازين القوي في المخيمات وأوصلتها إلي التدمير كما هو نموذج نهر البارد صيف.2007 في زمن السلم زجت المخيمات في صراعات أنهكت المجتمع الفلسطيني ويصح القول, إنها أضافت علي الإنهاك الذي شهدته المخيمات من حروب متصلة بأتون الحرب الأهلية اللبنانية والتي انتهت عسكريا في اتفاقية الطائف, لكن اللجوء الفلسطيني مازال متروكا علي كافة المستويات المدنية والحقوقية والمعيشية في مهب رياح, فما من آلية لبنانية لمواجهة أي استحقاق, ويقتصر دور الدولة اللبنانية علي المعالجة الأمنية لمشكلات المخيمات, وأما ما عصفت به قرارات البيت الأبيض من حصار علي مصير الشعب الفلسطيني, فيخضع لبنان لسؤال, كيف يدير الأزمة في ظل فراغه الحكومي وانقساماته السياسية غير المنعزلة كعادتها عن متأتيات الصراع في المنطقة. المجمع عليه اليوم هو أن قضية وكالة الأونروا متصلة بالإعترافات الدولية بالظلم التاريخي الذي لحق بفلسطين وشعبها بعد احتلالها من إسرائيل ومرتبطة بأحقية الفلسطينيين في العودة والتعويض وجملة من القوانين الدولية التي ضربت بها إسرائيل مع قواها العظمي عرض الحائط وتتمادي اليوم في انتهاكها. من هنا أري ضرورة رؤية خاصية كل بلد لجوء علي حدة, وتناولي لبنان يعني تسليط الضوء علي إنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الملف الشائك. منذ عشرة أعوام توقفت الأونروا عن توظيف خريجي دار المعلمين في ملاكها, اعتمدت علي المياومة, منذ عامين لم تعط الوكالة المعلمين امتيازاتهم كما أقرتها الدولة وزادت حصصهم دون زيادة في الراتب, اليوم ينحصر كل خمسين تلميذا في صف واحد, هذا غيض من فيض معاناة التعليم الذي كان ملاذا وحيدا لفقراء الشعب الفلسطيني, فهل يريدون تحويله من لاجئ إلي متسول؟ شرحت لي هذا الواقع صديقتي المعلمة في الأونروا في مخيم البداوي بطرابلس أمل خالد والتي كنت دعيت وإياها شتاء2018 لزيارة مركز إنساني في مخيم عين الحلوة, منذ عشرين عاما كنت أزور هذا المخيم وغيره لإجراء حوارات صحفية وتحقيقات عن أوضاع اللاجئين, وكان الأهالي يعلقون مقالاتي علي الجدران, أمر عرضني لضغوط بهدف التوقف, ولا أذيع سرا بأن المخيمات كانت تخضع كغيرها من البقع اللبنانية للوصاية السورية وقد أقحمت فيها الفساد والمحسوبيات, إن إنفاقات الأونروا المالية التي جاءت فائضة تنطبق علي ما أسلفت, إنفاقات لإعادة إصلاح البنية التحتية للمخيم بعد كل اشتباك مسلح, والكلام لغسان عبد الله مدير عام المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان مضيفا الأونروا التي تدفع إيجار الأرض التي يقوم عليها المخيم قامت عليها أبنية يمتلكها ويقطنها مواطنون من غير اللاجئين, وحيث لا يسمح باتساع رقعة المخيم, تكدس اللاجئون بالآلاف في بقعة محدودة وتفاقمت الأمراض ومعاناة السكان كما في مخيمات ارتفعت كثافتها كشاتيلا في بيروت. عند الحاجز الإسمنتي لعاصمة الشتات, تفتيش وتدقيق ونظرات استفسار, لكن في المركز أطفال يقرأون الشعر والقصص, فرحهم بالزيارة أنساني إنهاكي النفسي, رغم تقديري لواجبات الجهات الأمنية, إلا أنني سألت ما هو ذنب السكان المدنيين في دفع هذه الأثمان؟ لقد طرحت لجنة الحوار اللبنانيالفلسطيني في أحد أوراقها أنسنة هذه الحواجز عند مداخل المخيمات خريف العام الماضي, لكن الطروحات التي وقعت عليها كل القوي السياسية اللبنانية, لم تدخل حيز التنفيذ بما فيها أن دور الدولة اللبنانية في إدارة المخيمات يجب ألا يقتصر علي البعد الأمني بل يتعداه إلي التعامل السياسي والخدماتي والحقوقي. كانت اللجنة قامت بمسح أوصلها إلي تعداد174422 لاجئا أعلنه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أوائل هذا العام طالبا إخراج قضية اللاجئين الفلسطينيين من التجاذب السياسي. نعم تقلص عدد اللاجئين مع الحروب والهجرات إلي الخارج, وهم يعتمدون بشكل مهم علي أموال الاغتراب لصون كرامة عيشهم وليس جديدا أن ثمة قوي تقوم بتضخيم أرقام الفلسطينيين لكونهم الشماعة التي يعلقون عليها أهدافهم السياسية الداخلية والإقليمية, فإعلامهم استغرب الرقم المخفض مشيرا إلي نصف مليون أو ما يقاربه لدي الأجهزة الأمنية وكذلك دائرة الشئون السياسية للاجئين والأونروا, وغفل هؤلاء عن أن الفارق في الأرقام يعود إلي توصيف اللاجئ, فكما عاد منذ أيام وشدد المفوض العام للأونروا بيير كريمبول علي تعريفه مع المتحدرين منه فهو كل شخص كان محل إقامته خلال الفترة ما بين الأول من يوليو1946 و15 مايو1948 في فلسطين فهناك عدد كبير من اللبنانيين هجروا من فلسطين وسجلوا كلاجئين ويحتفظون ببطاقة الإعاشة حرصا علي أحقيتهم في فلسطين, هؤلاء كلبنانيي الجنسية غير مسجلين في دائرة الشئون السياسية للاجئين الفلسطينيين لكنهم مسجلون لدي الأونروا, هذا عدا عن أن مرسوم عام1994 قد جنس الآلاف من فلسطينيي23 قرية حدودية بهدف تحقيق أرجحية طائفية مقابل أخري, هؤلاء اللبنانيون المجنسون مازالوا مسجلين في دائرة الشئون الفلسطينية وفي الأونروا. الأرقام المضخمة تتصل غالبا بمصطلح التوطين المستحضر عند كل استحقاق لتخويف اللبنانيين من أرجحية موازين قوي طائفية علي أخري بدلا من معالجة كل تحد مصيري, اليوم خرجت الأصوات الرسمية بوابل من التحذيرات من اضطرابات في المخيمات ومحيطها وانعكاس القرار الأمريكي قطع التمويل عن الأونروا سلبا علي السلم الأهلي, ويأتي هذا الكلام كعادته ممهورا بحق العودة المقدس وخطر يهودية الدولة وإلي آخره من كلام جميل جدا, بين سطوره سلب اللاجئين الفلسطينيين أدني حقوقهم المدنية والإنسانية فعمل اللاجئ أو امتلاكه شقة سكنية أو سيارة يهدد حق العودة, وليس خفيا أن تكوين لبنان كبلد قام منذ مائة عام علي لجوء الأقليات المضطهدة في المنطقة بما فيها الكردية والأرمنية واعتمد عليها في نهوضه الاقتصادي والثقافي, أقله, لم يشفع للفلسطينيين التزامهم الحياد تجاه أي صراعات تتعلق بالشأن اللبناني منذ انتهاء الحرب الأهلية, هذه الحرب التي ما زالوا يختلفون علي أسبابها. اتفق اللبنانيون في الطائف علي تقاسم مكاسب السلطة, أقول إنهم, اتفقوا علي الانقسام, وبقيت المخيمات الفلسطينية كغيتوهات أمنية ملحقة بالنزاعات اللبنانية. ويأتي كل ما سلف مناقضا لحقوق اللاجئ وصون كرامته ما يتنافي مع كل شرعة إنسانية. في ظل تضافر دولي وعربي لحماية هذه القضية التاريخية العادلة, من التعسف اجتزاله بتمويلات بديلة, قد يكون لبعضها اشتراطات سياسية علي كل بلد مضيف, تبدو المسألة فرصة عربية لإدارة حكيمة في إخراج الفلسطينيين من أوحال الانقسام وتوحيد الرؤية العربية للدفع باتجاه المجتمع الدولي, علي غرار ما تبذله مصر لسنوات طويلة في العمل علي توحيد الصف الفلسطيني في الداخل, أين من مثيل له في لبنان؟