بعد أن من الله تعالي علي بعض عباده بزيارة بيته الحرام وأداء فريضة الحج المباركة, هذه الرحلة الممتعة الحافلة بأنواع الطاعات, التي يقف فيها الحاج علي المشاعر المقدسة, ويذكر الله تعالي فيها, ويسأل حاجاته الدنيوية والأخروية, ويتضرع إلي ربه في مغفرة ذنبه وستر عيبه؟, فتشربت قلوبهم محبة الله ولذة القرب منه سبحانه, وتاقت أفئدتهم لمغفرة الذنوب وستر العيوب, فيا بشراهم بقول النبي صلي الله عليه وسلم: والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. ويا سعدهم ويا حظهم بقوله عليه الصلاة والسلام: من حج لله فلم يرفث, ولم يفسق, رجع كيوم ولدته أمه. ويقول الدكتور نبيل عجيب بالأوقاف علي كل من أكرمه الله تعالي بالحج هذا العام; أن يشكر المولي سبحانه وتعالي, أن وفقه علي إتمام هذه الطاعة, ومكنه من أداء هذه الفريضة المباركة, التي تربي تحقيق التقوي وهي غايته, ولذا نجد ارتباط التقوي بالحج في آيات الحج بشكل واضح جلي وهو يؤصل قضية التوحيد في النفوس, فالحج يرتكز علي تجديد النية لله, وإرادته بالعمل دون سواه, ويتضح ذلك في الشعار الواضح الصريح:( لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك). وهو أيضا يربي المسلم علي تذكر الآخرة, وتذكر الخلائق في أهوال يوم القيامة فيجعله زاهدا في هذه الدنيا, مقبلا علي الدار الآخرة. ويعود الحاج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق, رجع كيوم ولدته أمه, وقال أيضا: من قضي نسكه, وسلم المسلمون من لسانه ويده, غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر, وأن الحج يهدم ما قبله فاحذر أن تسود هذه الصفحة البيضاء بخطاياك, وزينها بحسناتك لتقابل الله- عز وجل- علي ذلك, فعلامة قبول الطاعة أن توصل بطاعة بعدها, وعلامة ردها أن توصل بمعصية, ما أحسن الحسنة بعد الحسنة, وما أقبح السيئة بعد الحسنة!! ذنب بعد التوبة أقبح من سبعين قبلها. النكسة أصعب من المرض الأول. والتقوي التي يتربي عليها الحاج في حجه هي التي ينبغي أن يسير عليها في حياته متعاملا بمقتضاها مع نواهي الله وأوامره, وكما أن الحج لا رفث فيه ولا فسوق ولا جدال, فإنه تربية وتهذيب للسلوك ليصبح ذلك خلق العبد في كل حال, وليكون كما وصف النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. فاحذر من العودة إلي الأفعال والخلال المشينة, وعليك بلزوم الأعمال الطيبة, والخلال الكريمة, قال تعالي: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. والاستقامة من أولي ما يوصي به المسلم بعد التقوي, كما أوصي بها النبي صلي الله عليه وسلم سفيان بن عبد الله رضي الله عنه حين قال: يا رسول الله, قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك, قال: قل آمنت بالله فاستقم, ولما كان العبد مع الاستقامة معرضا للخطأ والتقصير, قال الله تعالي:فاستقيموا إليه واستغفروه, فعلي كل حاج أن يلتزم بمنهج الله تعالي في كل تعاملاته, ولا يعود إلي اقتراف الذنوب والمعاصي, التي خرج وتطهر منها بعد أدائه الركن الخامس للإسلام. فالمؤمن ينبغي أن يحمل دائما في قلبه هم القبول لعمله, ويتذكر في كل حين, قول الحق في الكتاب المبين.. إنما يتقبل الله من المتقين, وهذا ليس في الحج وحده, بل في الحج وغيره, فكم في الناس من يؤدي العمل والعبادة, ولا يلتفت إلي قضية القبول, بينما يصف ربنا تبارك وتعالي حال عباده الصالحين فيقولوالذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلي ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون. ويضيف الدكتور نبيل أن علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها, وأي أثر للحج فيمن عاد بعد حجه مضيعا للصلاة, مانعا للزكاة, آكلا للربا, آخذا للرشوة, قاطعا للأرحام؟ ومن لبي في الحج للرحمن عليه أن يلبي له بالطاعة في كل مكان وزمان; فإن التلبية معناها إجابة لك بعد إجابة, وطاعة لك بعد طاعة, ومن امتنع عن محظورات الإحرام في أثناء حج بيت الله الحرام, فليعلم بأن هناك محظورات علي الدوام, وطول الدهر والعام, فليحذر إتيانها والاقتراب منها, يقول الله تعالي: تلك حدود الله فلا تقربوها, وعلي كل عائد من الحج أن يزيد من عمله الصالح, بحسبان أنه سبب رضوان الله تعالي علي العبد, قال تعالي: والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون وأن يجتهد قدر استطاعته أن لا يكون إلا في طاعة خالقه ما تبقي له من عمره. ويقول الشيخ محمد محمود فكري بالأزهر الشريف إن أول ما ينبغي علي الحاج فعله, ويجب عليه ممارسته, ما أكد عليه القرآن الكريم, وهو أن تداوم علي الذكر والعبادة لله تعالي إلي آخر لحظات الحياة; فقد قال الله تعالي عن موسم الحج وما يجب أن يتبعه من عمل: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فالله تبارك اسمه أخبر أن الحاج بعد أدائه للمناسك, وانقضائها عليه أن لا يغفل عن ذكر ربه, بل ينبغي أن يكون ولها بهذا الذكر. الحج فضل من الله عليك عظيم, ونعمة منه لا تحصي, وهذه تستوجب منك الشكر للجواد المعطي ذي الجلال والإكرام سبحانه, ومن لم يشكر نعمة الله قد تكون عقوبته ذهاب النعمة, كالصحة والولد والمال والحب في الله وقبول الناس له وصلاح الحال.... إلخ, يقول الله تعالي: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ويقول سبحانه ضاربا المثل بقرية كانت آمنة مطمئنة لكنها ما شكرت نعمة الله عليها, فكانت عقوبتها سلب النعم منها, فيقص علينا سبحانه في كتابه المجيد: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. ولقد كان نبينا الحبيب يوصي أصحابه بكثرة شكر النعمة, وسؤال الله الإعانة علي ذلك: فعن معاذ بن جبل, أن النبي صلي الله عليه وسلم أخذ بيده يوما, ثم قال: يا معاذ إني لأحبك فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا أحبك, قال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني علي ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ويضيف: يجب علي الحاج أن يتورع عن كل شيء قد يسلبه ثواب الحج, ويحرمه من غنيمة غفران الذنوب, اجتنب الكذب, والغش, والحسد, والحقد, إياك والغيبة, والمشي بين الناس بالنميمة, لا تقطع رحما, ولا تؤذ جارا, ولا تفجر في خصام, ولا تخلف لميعاد, ولا تأكل حراما, ولا تهجر القرآن, ولا تهمل لخير قط, فإنك عدت مغفورا لك ذنبك فأكثر إذن الآن من الحسنات لترقي في الجنة أعالي الدرجات. ويضيف الشيخ فكري: قد التزمت طيلة أيام الحج علي حفظ لسانك وجوارحك من أن يكون منك رفث أو فسوق أو جدال, فلم لا يكون ذلك كذلك بعد عودك من هذه الرحلة الإيمانية المباركة؟ فلتحفظ سمعك وبصرك, وصن لسانك وجوارحك عما يغضب الله, واحذر أن تضيع وقتك فيما لا يرضي ربك ويجب أن تحمل في قلبك هم القبول, وتذكر ذلك في كل حين, فها هو الحق سبحانه يصف حال عباده الصالحين فيقول: والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلي ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون.