أراد الشارع بالعلاقة الزوجية أن تكون علاقة دائمة, ولهذا شرع من الأحكام ما يحقق مقصوده, فرخص لطرفي هذه العلاقة أن ينظر كل منهما إلي صاحبه قبل إبرام العقد, فربما رأي منه ما يكون أدعي لدوام العشرة بينهما, فقد روي عن المغيرة بن شعبه أنه خطب امرأة, فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: أنظر إليها, فإنه أحري أن يؤدم بينكما أي تدوم بينكما المودة والعشرة, مع أن نظر الرجل إلي المرأة الأجنبية عنه محرم بحسب الأصل, وأوجب الشارع علي الزوج بذل المهر إلي الزوجة بسخاء وطيب نفس, كما يبذل الإنسان الهبة لغيره, مراعاة لخاطر الزوجة ورفعا لشأنها, وبرهانا لإعزازها فقال الحق سبحانه:( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة), كما أوجب علي كل من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف, فقال سبحانه:( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف), وأوصي رسول الله صلي الله عليه وسلم الرجل بالإحسان إلي زوجته, فقال صلي الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرا, ورغب الشارع في الإصلاح بين الزوجين, إذا احتدم النزاع, وخيف من التنافر المؤدي إلي الفرقة, فقال الله تعالي:( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما), ومنع من التطليق إلا عند الضرورة, فروي عن أبي موسي الأشعري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لاتطلقوا النساء إلا من ريبة, فإن الله لايحب الذواقين ولا الذواقات, كما نهي عن الإيعاز إلي الزوج بتطليق زوجته, إذا روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لاتسأل المرأة طلاق أختها لتكفئ ما في صحفتها أو إنائها, ومنع الزوجة من أن تسأل زوجها أن يطلقها من غير مقتض, فروي عن ثوبان أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقها من غير ما بأس,فحرام عليها رائحة الجنة, كما نفر الزوج من إنها علاقته بزوجته بالطلاق فروي عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: أبغض الحلال إلي الله الطلاق, ومقصود الشارع من ذلك كله دوام العشرة بين الزوجين, وقد أمر الشارع المرأة بطاعة زوجها في كل مايتعلق بعقد النكاح من حقوق, وجعل المرأة التي تطيع زوجها في ذلك من خير النساء, فروي عن عبد الله بن سلام أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: خير النساء من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك. إلا أنه قد يظهر من المرأة عدم اكتراث بحقوق زوجها عليها, فتضرب بهذه الحقوق عرض الحائط, كأن تسافر بدون إذنه, أو تعصي أمره, أو تدخل في بيته من يكره, أو لاتحفظ ماله, أو تحتد عليه في الحديث, أو تتعمد إهانته والاساءة إليه, ونحو ذلك, ففي هذه الحالة حرص الشارع علي ألا يتفاقم الخلاف بين الزوجين إلي الحد الذي تستحيل معه المعاشرة بينهما, فأرشد من له القوامة علي هذه الأسرة, إلي ماينبغي أن يكون بحفظ كيانها من التصدع أو الانهيار, وذلك بأن يعظ زوجته بالحسني فيذكرها بحقوقه عليها, وما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الزوجين, وهذه العظة هي أولي درجات التأليف بين الزوجين, تتلوها درجتان أشد منها يتبعهما الزوج إذا دعت إليهما ضرورة الحفاظ علي كيان الأسرة, وأكثر النساء اللاتي أظهرن عدم الاكتراث بحقوق أزواجهن, تكفيهن هذه الموعظة للعدول عما أنطوت من هذه الاستهانة. إلا أن بعض النساء قد يستمرئن هذه الاستهانة بحقوق أزواجهن, وتلقي عليهن الموعظة فلا تجد منهن إلا آذانا معرضة نافرة, ونفوسا ساخطة, وفي هذه الحالة لاتجدي موعظة, فكان لابد من الالتجاء إلي وسيلة أخري لحفظ بنيان الأسرة من التصدع أو الانهيار, وهو إعراض الزوج عن زوجته, بأن يستدبرها في الفراش, حتي تستشعر عظم ما أهدرته من حقوقه عليها, وغالبا ما تأتي هذه الوسيلة بالمقصود منها, خاصة مع ذوات الطباع الحادة, اللاتي يؤذيهن هذا الإعراض, وليس في هذه الوسيلة أو سابقتها امتهان لكرامة المرأة أو تحقير من شأنها, كما انه ليس فيها عنف أو تعنيف. وهناك وسيلة ثالثة هي أشدها وأقساها علي النفس, قد يضطر الزوج الي استعمالها عند الضرورة إليها, وهي الضرب غير المبرح, الذي لايكسر عظما ولايدمي جلدا, ولايسبب عاهة, وهذه الوسيلة وإن كانت مشروعة بنصوص الكتاب والسنة, إلا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم حض علي عدم استعمالها, فروي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: وخيركم لايضرب, وروي عبد الله بن زمعة عنه أنه قال: لايجلد أحدكم أمرأته جلد العبد, ثم يجامعها في آخر اليوم, وروي عن عائشة قالت: ماضرب رسول الله صلي الله عليه وسلم امرأة ولاخادما قط وهذا دليل علي أفضلية عدم ضرب الزوج زوجته عند خوف نشوزها, ومما يدل علي مشروعية استعمال الوسائل السابقة قول الله تعالي:واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن, وما رواه معاوية بن حميدة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من قوله: حق المرأة علي الزوج أن يطعمها إذا طعم, ويكسوها إذا اكتسي, ولايضرب الوجه ولايقبح, ولا يهجر إلافي البيت,وروي عمرو بن الأحوص عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: استوصوا بالنساء خيرا, فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك, إلا أن يأتين بفاحشة مبينة, فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح, وهذا وغيره دليل علي أن استعمال الزوج إحدي الوسائل السابقة مشروع عند الاقتضاء, لما سبق من نصوص, فطلب إلغاء حكم التأديب أو النصوص الدالة عليه خروج عن الملة, لما يترتب عليه من جحود معلوم من الدين بالضرورة, وعبث بشرع الله سبحانه, وزلزلة للثوابت الإسلامية التي استقرت عليها شرعة الإسلام