تكلف الخسائر التي تشكلها الهجمات الإلكترونيةالاقتصاد العالمي نحو575 مليار دولار سنويا, حيث تتعرض آلاف الشركات حول العالم لتلك الهجمات التي تصيبها بالشلل التام ومن ثم يبدأ نزيف الخسائر, والخطورة في تلك الهجمات أنها قد تستهدف قطاع البنوك والكهرباء والمفاعلات النووية في دولة ما, فتفوق خسائرها الاقتصادية خسائر الحروب التقليدية التي تعتمد علي الجيوش والأسلحة. ووفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي فإن خسائر الهجمات الإلكترونية خلال السنوات الثلاث الاخيرة فقط بلغت3 مليارات دولار. هجمات متنوعة هناك هجوم إلكتروني سطحي لا يتعدي موقع الإنترنت لأي جهة, والذي يتسبب إما بإيقاف الموقع عن العمل أو بتغيير الصفحة الرئيسية وكتابة رسالة فيها, دونما أي ضرر علي البيانات الداخلية للجهة المخترقة, لكنه يضر بسمعة هذه الشركات. وهناك هجوم الكتروني يتسبب في وقف مواقع الكترونية لشراء الطلبات والتسوق الإلكتروني, حيث يقوم القراصنة بإرسال طلبات وهمية وبكمية ضخمة في الثانية الواحدة حتي ينهار الموقع الالكتروني, ويتوقف عن العمل تماما ربما لساعات أو أيام حتي يتم مسح البيانات الوهمية, ومن ثم إعادة تشغيل الموقع بنظام حماية أكثر متانة وأكثر تطورا. وهناك أيضا الاختراقات الشخصية حيث يتم إرسال رسالة مشبوهة ومعها رابط أو صورة أو مقطع فيديو, وبمجرد فتح الرابط أو تنزيل الملف أو إدخال بياناتك الشخصية يتم التسلل والدخول الكامل في الجهاز أو الحساب الشخصي عبر هذه المصيدة. الاقتصاد الأمريكي كشف البيت الأبيض أخيرا عن أن الهجمات الإلكترونية كلفت الولاياتالمتحدة بين57 مليارا و109 مليارات دولار في2016 فقط, محذرا من تأثير هجمات من هذا النوع علي الاقتصاد الأمريكي بشكل عام إذا تفاقم الوضع. وجاء تحذير البيت الأبيض في وثيقة أعدها مستشارون اقتصاديون ملحقون به في محاولة لتحديد التأثير الكمي للهجمات الإلكترونية علي الإنترنت ضد كيانات خاصة أو عامة, مثل تسريب معلومات أو سرقة مواد تخضع للملكية الفكرية ومعلومات مالية وإستراتيجية حساسة. ويتعلق أحد أكبر المخاوف التي عبر عنها التقرير بالهجمات المعلوماتية علي بني تحتية مثل الطرق السريعة وشبكات الكهرباء وأنظمة الاتصال أو السدود. وذكر التقرير أنه إذا كانت مؤسسة تمتلك جزءا أساسيا من بني تحتية, يمكن أن يسبب هجوم علي هذه الشركة خللا كبيرا في الاقتصاد, إلي جانب المخاوف من انتقال العدوي إلي أبعد من الهدف الأساسي كما عبر معدو التقرير عن قلقهم أيضا علي قطاعي الطاقة والمال. وقالوا إن هذين القطاعين مترابطان ويعتمد كل منهما علي الآخر مع قطاعات أخري مرتبطة بشكل وثيق بالإنترنت, مما يشكل خطرا أكبر علي الاقتصاد الامريكي في حالة التعرض لهجوم معلوماتي كارثي. رعب عالمي لم تعد الهجمات الالكترونية سببا للقلق علي الأمن القومي للدول فقط, بل صارت أيضا تمثل خطرا علي الاقتصاد العالمي لتنامي إسهام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الناتج الاقتصادي, الأمر الذي يستلزم فهم الآليات الاقتصادية المرتبطة بالأمن الإلكتروني, وصياغة سياسات اقتصادية تتغلب علي نقص البيانات المتعلقة بالأمن الإلكتروني وتوفير الحماية الكافية التي تنعكس علي الاقتصاد. وتتصاعد المخاوف العالمية من الهجمات الإلكترونية بسبب تنامي دور التكنولوجيا الرقمية علي الاقتصاد العالمي. ففي عام2012 مثلث صناعة المعلومات60% من القيمة المضافة, و4% من التوظيف,12% من التوظيف, و12% من اجمالي الاستثمارات الثابتة في دول( منطقة التعاون الاقتصادي والتنمية). كما شكلت براءات الاختراع ذات الصلة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات40% وفي عام2014 وظف القطاع الرقمي, وهو شريحة فرعية من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, نحو1.4 مليون شخص بنسبة7.3% من اقتصاد بريطانيا. ويكفي تصور النشاط اليوم علي الانترنت الذي يشمل مليارات المشاهدات لمقاطع الفيديو في( يوتيوب), ومليارات من عمليات البحث في( جوجل) ورسائل البريد الإلكتروني, وعشرات الملايين من التغريدات في( تويتر) والصور في( إنستجرام) ومكالمات( سكايب) والمشتريات من مواقع التجارة الالكترونية لتصور مدي خطورة وقوع هجوم الكتروني خاصة بعد التوسع السريع للتكنولوجيا الرقمية والتي عمقت الترابط بين مختلف قطاعات الاقتصاد مما يعمق الخسائر المترتبة علي الهجمات الإلكترونية. دول وقراصنة أصبح الجيش الروسي في بؤرة الاتهام بعدما حملته بريطانيا مسئولية الهجوم الإلكتروني( نوت-بيتيا) الذي ألحق أضرارا بآلاف أجهزة الكمبيوتر في العالم في يونيو2017, ونفت موسكو الاتهامات, إلا أن البيت الأبيض هدد موسكو بعقوبات دولية. كما وجه البيت الأبيض الاتهام إلي دول آخري مثل الصينوإيران وكوريا الشمالية. وقال الخبراء الاقتصاديون الأمريكيون إن عمليات هذه الدول التي تملك المال تشمل في أغلب الأحيان هجمات متطورة ومحددة الأهداف. وذكر التقرير الامريكي إن التهديدات بهجمات إلكترونية تأتي أيضا من جانب قراصنة ومجموعات ومنظمات إجرامية وشركات متنافسة أيضا. ودعا البيت الأبيض الشركات إلي تقاسم المعلومات حول الهجمات السابقة بشكل أوسع لتأمين وقاية أفضل. شل المفاعلات النووية استخدمت الولاياتالمتحدة وإسرائيل الهجمات الالكترونية, لاستهداف المفاعلات النووية الإيرانية حيث هاجمتها من خلال فيروس( ستاكسنت) عام2010 بهدف إيقاف أنشطة إيران النووية, مما أدي إلي تعطيل معمل أصفهان لتبديل ثاني أكسيد اليورانيوم إلي اليورانيوم الطبيعي حيث تم ضرب البرامج المعلوماتية, وتسبب في عطل في اكثر من30 ألف حاسوب شمل حواسيب مفاعل نطنز, وأصاب ودمر حوالي100 جهاز طرد مركزي في المفاعل, ما أثار خللا في برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم, واستهدف البنية التحتية من خلال الأجهزة المتعلقة بالبرنامج النووي التي يتم شراؤها من خارج إيران. كما تعرض البرنامج النووي الإيراني لهجوم في عام2012, بواسطة فيروس( الشعلة) مما عطل الكثير من المنظومات النووية وجاء الهجوم قبل أن تصل المفاوضات السياسية بين الدول الغربية الكبري وإيران بشأن برنامجها النووي إلي نتائج ملموسة مما جعل واشنطن تهاجم إيران من خلال فيروس( الشعلة) الذي أسهم في التجسس الالكتروني علي منشآت إيران النووية الحساسة. كيفية المواجهة ليس هناك الكثير الذي يمكن القيام به للحد من الهجمات الإلكترونية علي الرغم من أن الولاياتالمتحدة تتوعد بفرض عقوبات اقتصادية أو إعلان أن الهجمات الالكترونية تشكل عملا من أعمال الحرب. وجهت أمريكا أخيرا لضباط جيش التحرير الشعبي في الصين تهمة التجسس الصناعي برعاية الدولة. وتضم لائحة الاتهام الجنائية أن الأفراد المتهمين قد يتعرضون لخطر التسليم إلي الولاياتالمتحدة إذا سافروا إلي الدول التي لديها معاهدة تسليم المتهمين معها. كما توفر لوائح الاتهام إستراتيجية أعم بشأن محاولة وضع بعض الحدود وقواعد السلوك في الفضاء الإلكتروني مشابهة للقواعد المكتوبة وغير المكتوبة التي تحكم الحرب التقليدية والتجسس. هناك نهج مثمر آخر للدفاع ضد الهجمات الالكترونية من خلال تبادل المعلومات. وأنشأت الولاياتالمتحدةالأمريكية منظمة( أنفرا جارد) التي تضم شركات من القطاعين العام والخاص ومكتب التحقيقات الفيدرالي للتعاون في حماية البنية التحتية الوطنية. وتشجع المنظمة تبادل المعلومات والتحليلات بين الشركات والمؤسسات الأكاديمية ووكالات إنفاذ القانون المحلية في الولايات المختلفة. وتبحث المنظمة نقاط الضعف والحلول التي قد تتردد الشركات والأفراد في مناقشتها في المجال العام. ووصل عدد أعضاء هذه المنظمة أكثر من54 ألفا من بينهم خبراء في مجال الحماية من الهجمات الإلكترونية ومن بين هذه القطاعات قطاع المنتجات الكيميائية والتسهيلات التجارية والاتصالات والصناعات المهمة والسدود والصناعات الدفاعية وخدمات الطوارئ وقطاعات الطاقة والخدمات المالية والأغذية والزراعة والمرافق الحكومية والرعاية الصحية والصحة العامة وتكنولوجيا المعلومات والمفاعلات النووية والنفايات وأنظمة النقل والمياه ونظم معالجة مياه الصرف الصحي. البنتاجون يتأهب أصبحت وحدة الحرب الإلكترونية بوزارة الدفاع الأمريكية( البنتاجون) قيادة موحدة مستقلة مما يضعها لأول مرة في مصاف تسع قيادات قتالية أمريكية أخري, كما أصبح لها مدير جديد مما يشير للأهمية المتزايدة للحرب الرقمية في ظل مواجهة الولاياتالمتحدة هجمات قرصنة إلكترونية متطورة من جانب روسياوالصين وغيرهما. وتولي الجنرال بول ناكاسون رئاسة قيادة الأمن الإلكتروني الأمريكية. وذكر مساعد وزير الدفاع باتريك شاناهان أن هذا التغيير إقرار بأن هذا النوع الجديد من الحروب بلغ أعلي درجة من التطور. وقال فينسنت ستيوارت نائب مدير قيادة الأمن الإلكتروني نحن مستعدون لإطلاق قوات مهمتنا الإلكترونية. وتولي ناكاسون أخيرا أيضا منصب مدير وكالة الأمن القومي المسئولة عن إجراء مراقبة إلكترونية وحماية شبكات الحاسب الآلي الخاصة بوكالات الأمن القومي الأمريكية من القرصنة. كما يشرف مدير وكالة الأمن القومي أيضا علي قيادة الأمن الإلكتروني. وتشمل قيادة الأمن الإلكتروني وحدات عسكرية مدربة علي صد هجمات القرصنة الإلكترونية وإطلاقها أيضا. وتشن قيادة الأمن الإلكتروني الامريكية عمليات ضد جماعات مثل تنظيم( داعش) الارهابي. خرق سيادة الدول تشكل الهجمات الإلكترونية تهديدا لأحد المبادئ الرئيسية في القانون الدولي وهو احترام سيادة الدول وواجبا أساسا وهو واجب عدم التدخل والذي نصت عليه الفقرة(4) من المادة الثانية من ميثاق الأممالمتحدة, لما فيها من تسريب لمعلومات أمنية وسرية عن حكومات الدول, وقد يتجاوز الأمر ذلك ويصل إلي الاضرار بالمدنيين عندما تتسبب مثل هذه الهجمات في قطع الخدمات الحيوية كالماء والكهرباء, ولذلك فقد عرف القانون الدولي الإنساني هذا الهجوم بأنه عملية إلكترونية سواء هجومية أو دفاعية يتوقع أن تتسبب في إصابة أو قتل أشخاص أو الإضرار بدول بأكملها. كما تشكل الهجمات الالكترونية تهديدا للأمن و السلم الدوليين الذي تكفلت هيئة الاممالمتحدة بالحفاظ عليها وحمايتهما بناء علي المادة(39) من ميثاق الأممالمتحدة والتي تنص علي أن, يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان, فسيكون لمجلس الأمن سلطة تقديرية للخطر والضرر المترتب علي هذا النوع من الهجمات وعلي هذا الأساس سيقرر التدخل واتخاذ التدابير اللازمة لوضع حد في حالة نشوء حرب الكترونية. ومن أجل الحد من هذه الهجمات الالكترونية فكان لابد من حراك دولي من خلال وضع اتفاقات ومعاهدات دولية, كانت من أهمها اتفاقية بودابست لمكافحة الجرائم المعلوماتية عام2001, ويليها نشر حلف شمال الأطلنطي( الناتو) عام2008 دليل تحت اسم( تالين) يتضمن القوانين الدولية المطبقة في حالة نشوب حروب الكترونية, وتنظيم قواعد الاشتباك عبر الإنترنت. اقترحت روسيا عمل معاهدة دولية لمنع الدول من تجهيز فيروسات قد تطلقها في أي لحظة لمهاجمة أجهزة دول أخري. من الجاني ؟ من الصعوبة إثبات المسئول عن الهجمات الإلكترونية حتي في حالة قيام الدولة المجني عليها بتعقب الجاني فإن ذلك يتطلب وقتا وجهدا, وفي معظم الحالات يكون المصدر مجهولا, لكن بافتراض أن الدولة المتضررة استطاعت اثبات قيام دولة معينة بهجمات الكترونية ضدها, ففي هذه الحالة يقدر الضرر الناتج حتي تتحمل الدولة المتهمة الأثر المترتب علي قيام المسئولية وهو التعويض, لكن في حالة كان المتهم بالاختراق وإطلاق هذه الهجمات أفرادا أو جماعات وليس دولة, فاستنادا إلي المسئولية غير المباشرة والتي تقضي بأن الدولة تسأل عن أفعال رعاياها, وذلك شريطة أن تكون الدولة لم تبذل العناية اللازمة لمنع حصول هذا الضرر, وفي سياق الأمن الإلكتروني فإن علي الدول أن تقوم بسن التشريعات الوطنية التي تجرم مثل هذه الأفعال وتضع حدودا للاستخدام الإلكتروني, وتفرض عقوبات علي المتسببين بأي هجمات سيبرانية, وإن لم تفعل فإن الدولة ستسأل عن أفعال مرتكبي هذه الجرائم. بعد هذا الطرح الموجز يتبين لنا مدي خطورة الأمر وضرورة تكاتف وتعاون الجهود الدولية والإقليمية لوضع تنظيم خطة دولية شاملة وملزمة لمواجهة هذا النوع المستحدث من الحروب. هجمات وخسائر .. أمريكا:7 مليارات دولار يكلف التجسس الإلكترونيالشركات الأمريكية مليارات الدولارات, حيث يقوم القراصنة بسرقة الملكية الفكرية وخطط التطوير والأبحاث وبيعها لشركات منافسة مقابل ملايين الدولارات. تسببت هجمات إلكترونية علي مواقع إنترنت شهيرة في الولاياتالمتحدة في خسائر وصلت إلي سبعة مليارات دولار بعد توقف أبرز المواقع العالمية منها تويتر وبرنتست وأمازون. اليابان:13 مليون دولار في مايو2016 تعرضت اليابان لسرقة نحو13 مليون دولار عبر السحب من نحو1400 صراف آلي خلال يوم واحد, وذكرتصحيفة ديلي تلجراف أن شبكة دولية قامت بقرصنة بيانات بطاقات مصرفية من أنظمة أحد مصارف جنوب أفريقيا, وعمدت إلي تزوير بطاقات مصرفية خولتها القيام بعمليات السحب. .. السعودية:746 مليون دولار أما السعودية, فقد تعرضت لهجوم إلكتروني عبر فيروس شمعون2 نهاية2016, وأكد تقرير صادر عن المركز الوطني للأمن الإلكتروني في وزارة الداخلية, إصابة أكثر من9000 جهاز حاسب آلي, في11 جهة حكومية وخاصة وقدرت الخسائربنحو2.8 مليار ريال(746 مليون دولار). .. لبنان:26.5 مليون دولار تعرضت المصارف اللبنانية إلي233 عملية قرصنة بين عامي2011 و2016, وأكدت إحصاءات هيئة التحقيق الخاصة لدي مصرف لبنان, أن قيمة الأموال التي سرقت وصلت إلي26.5 مليون دولار, نصفها تقريبا بين عامي2015 و.2016 .. كينيا:303 ملايين دولار قدرت حجم خسائر كينيا من هجمات القرصنة الإلكترونية ب303 ملايين دولار بين عامي2015 و.2016 وأشارت إلي أن القراصنة استهدفوا سرقة الحسابات المصرفية لعدد من المؤسسات الحكومية. وسرق القراصنة166 مليون دولار عام2016 من خزينة الدولة, وسرقة137 مليون دولار عام.2015 .. بنجلادش:81 مليون دولار في مطلعفبراير2016, اخترق قراصنة كمبيوتر مسئول في البنك المركزي في بنجلاديش وقاموا بسرقة81 مليون دولار, وتعد تلك العملية إحدي أكبر عمليات السطو الإلكترونية علي المصارف في التاريخ. وأشار البنك المركزي إلي أن هذه العملية كانت تستهدف سرقة مبالغ تصل إلي850 مليون دولار, ولكن تم إحباط باقي العمليات.