الوسواس وخاصة القهري منه أصبح مرضا خطيرا يعانيه كثير من الناس فصارت عبادتهم مشوبة بكثير من الشكوك سواء في إتمام الوضوء أو عدد الركعات أو حتي في حياته العادية, فيظن أن الباب لم يغلق رغم إغلاقه أكثر من مرة, ويري العلماء أن الإكثار من ذكر الله تعالي يعتبر من أهم الأمور التي تدل علي قرب العبد من ربه ومحبته له وسببا في حفظه من وساوس الشياطين. ولذلك أمر الله تعالي عباده بذكره وجعله بابا لرضاه قال تعالي في كتابه الكريم: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا فالذكر سكينة للنفس وطمأنينة للقلب به تنفرج الكروب, وتحل العقد ويؤدي إلي محبة الله عز وجل, والتي تجعل العبد في رعاية خالقه فيحفظه من كل شر, ولذلك أمر الحق سبحانه وتعالي بكثرة الذكر حتي تتحقق الفائدة, وهي اذكروني أذكركم فإذا كان الخالق يذكر عبده فلن يتركه لوساوس الشياطين, بل صار هذا العبد في معية الله يتولي شأنه ويقضي له سائر حوائجه ومحصنا ضد أي شر. وحول أسباب مرض الوسواس القهري وكيفية التخلص منه؟ يوضح الدكتور يسري جعفر أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف أن مرض الوسواس القهري يصيب بعض النفوس الضعيفة بسبب ما يتعرضون له من مواقف سلبية وضارة أو بسبب التربية السيئة التي تشكك الطفل والشاب في جميع أعماله أو بعضها من أجل سيطرة الغير عليه, إضافة إلي ضعف الهمم لدي الناس مما يترتب عليه أن يتشكك في كل أفعاله أو بعضها, كمن يغلق الباب ويشك في غلقه مرارا وتكرارا, ويتأكد من غلقه, ومع هذا يتكرر معه الموقف دون أن يخسمه, ولذلك حرصت الشريعة الإسلامية علي التربية السوية للنشء ومتابعتهم في شتي المراحل العمرية, وأمرنا الخالق سبحانه وتعالي بالاستعاذة من شر الناس ومن شر الجن في قوله تعالي قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس وقوله تعالي: وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ويشير الدكتور يسري جعفر إلي أن الفقهاء وضعوا قاعدة فقهية حيث قرروا أن الأصل أن يكون الإنسان طاهرا بعد رفع الحدث الأكبر والأصغر واستعد للصلاة, فإذا شك في طهارته ووضوئه, فعليه أن يطرح الشك, ويبقي اليقين, فإذا شك في عدد ركعاته فعليه أن يبني علي الأقل لأن الأقل هو المتيقن منه والزيادة فيها الشك فطرح الشك وابقاء الأمر علي الأقل لأنه اليقين, وبتفكر الإنسان وتبصره في أمور دينه ودنياه يستطيع أن يطرح كل الشكوك وأنواع الوساوس, ويبقي علي اليقين الذي لاشك فيه, وهذا أسلوب تربوي حكيم ينبغي أن يتعلمه النشئ والكبار حتي نعالج انفسنا بأنفسنا. ويوضح الدكتور سيف قزامل عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق بجامعة الأزهر أن مما لاشك فيه أن الشيطان يحاول جاهدا إبعاد الإنسان عن الطاعة ما استطاع إلي تحقيق ذلك سبيلا, فإذا لم يستطع حاول أن يقلل من ثواب تلك الطاعة. وتتعدد سبل الشيطان في تحقيق هذه الغاية التي يحاول أن ينجح فيها, فيجعل الإنسان يشك في عبادته كالوضوء والصلاة, وهذا يخرج عن جوهر العبادة التي أمرنا بها الشارع الحكيم ورسولنا الكريم, حيث بين لنا أن الفرض يتحقق بالغسل مرة واحدة, ويسن تكرار الغسل مرة أو مرتين, ولا يزيد المرء عن ثلاث مرات, وإذا زاد فهو وسواس من الشيطان, ومن ثم فإن الإنسان عليه أن يقاوم هذه الوساوس بكل السبل, ومن السهل أن يستيقن الإنسان من عدد مرات غسل العضو ثم ينتقل إلي غيره بالتركيز, ولا مانع من الاستعانة ببعض الأشخاص في البداية لدفع الوساوس ومقاومة الشيطان لمراقبته ومشاهدته أثناء الوضوء ليعرف هل زاد في الوضوء أم لا؟. ولاشك في أن المداومة علي أذكار الصباح والمساء الواردة عن سيد الخلق صلي الله عليه وسلم والإكثار من ذكر الله وقول لا حول ولا قوة إلا بالله والاستعانة به تقوي القلب, وتجعل المسلم قويا في العبادة والطاعة, كما أن قراءة القرآن الكريم وتفهم معانيه مما يقوي المسلم في طاعته لربه وفي حياته بصفة عامة.