الزجاج المعشق فن أصيل, برع الفنان المصري في تطويره وتوظيفه في فنون العمارة والتصميم والديكو, ليزيدها جمالا وفخامة, فكانت المساجد والكنائس و القصور والبيوت العريقة تتزين به, فيسبغ علي أماكن العبادة أجواء من الخشوع والروحانية, ويضفي علي البيوت لمسات من الراحة والسكينة, عبر قدرته علي التحكم في الضوء, و تجسيده لتصاميم و أشكال تعكس حالة من الإبداع الفني الجميل. ويشهد العالم الآن عودة للاهتمام به في أعمال الهندسة والديكور والإكسوارات المنزلية لأنه يتيح دخول النور الطبيعي, وتجديد الرؤية داخل المنزل, بسبب اختلاف تأثيراته الضوئية باختلاف ساعات النهار, علي العكس من النور الصناعي بتأثيره الثابت. وهوما يدعونا إلي التساؤل أين مصر من الاهتمام الراهن بهذا الفن الأصيل؟! و لماذا لا نستثمر الولع المتزايد به في عالم الديكور في الخارج ونزيد من مساحتنا علي خريطة التصدير؟ لاسيما أنه كان ولا يزال لهذا الفن التراثي المميز في مصر طابع خاص يجعله مختلفا عن مثيله في الكثير من الدول الأخري, وفي محاولة للوصول إلي بعض الإجابات كان لا بد أن ننتقل إلي امكانه الصحيحب باعتباره فنا يدويا تراثيا, وهو ورشة أحد أشهر الحرفيين المعروفين بتصنيعه, فكانت زيارتنا لورشة اعم أيمنب في قلب القاهرة التاريخية, الذي أخذنا للأسف من الأمل في تصديره إلي واقع يهدد باندثاره, ويهدد معه ضياع فرص تصديرية مهمة, وقيمة فنية جميلة كانت تتزين بها أمكنة كثيرة في المحروسة ذات يوم! في ورشته القابعة في مكان معجون بالأصالة وعبق التاريخ بحي الخليفة إلتقيت أيمن عبد العال كامل الذي قال بفخر إن مصر من أهم الدول التي تنتج الزجاج المعشق, وهو عبارة عن تصميم زخرفي من قطع الزجاج الملونة التي تم تقطيعها إلي أجزاء, ثم أعاد تجميعها وتعشيقها علي أضلاع رفيعة من الرصاص, ويتخذ في كثير من الأحيان أشكال النباتات أو الطيور الأشكال الهندسية, بحيث تتألق ألوانها حين تقع عليها أشعة الشمس, وتشتهر مصر بصناعته يدويا في كل مراحله منذ القدم. ومن أهم ملامح ذلك أنه فن ينبض بالروح وب انفسب صانعه علي العكس من المحاولات الصينية لإنتاجه والتي تعد أعمالا جامدة لا شخصية لها, وقد سافرت العديد من الدول ومنها السويد والنرويج وبعض الدول العربية للاطلاع والمشاركة في مشروعات ضخمة, وأجزم أن مصر تتميز بمهارة الحرفي وتفرد قدراته, ويمنتجاتها المطلوبة في الخارج, كما تبهر السياح حين يأتون إليها, ويكفي أن تحضر الورش التي نقيمها في المتحف الإسلامي أو متحف النسيج علي سبيل المثال لتكتشف انجذابهم وشغفهم بشراء منتجاتنا. وحول أنواعه ومراحل إبداعه يوضح اأيمن ب ينقسم الزجاج المعشق إلي4 أقسام وهي( معشق رصاص, ومعشق كابر, ومعشق موزاييك, ومعشق إكريلك, والمعشق رصاص هو عبارة عن تداخل الزجاج الملون الطبيعي مع الرصاص داخل التصميم, وهذا الإبداع قديم يعود إلي عصر النهضة واستخدم في الكنائس بكثرة, وأثناء العصر القبطي في مصر تم إدخال هذا الفن إلي الكنائس المصرية بعد تطويره, وتعتمد مراحل تصنيعه علي تحديد التصميم المطلوب, ثم يتم تقطيع الزجاج حسب التصميم, ويراعي المصمم أن يكون الزجاج بالألوان الطبيعية التي تحاكي الطبيعة, وبعد تحديد الألوان داخل التصميم, نقوم بتقطيعه( بعجلة الزجاج الألماظة) وبعد ذلك نقوم بتحفيف الزجاج وشطفه( أي تنعيم حوافه) ثم نقوم بتعشيقه داخل بعضه البعض باستخدام الرصاص, ثم يتم اللحام, وبعد ذالك يتم امعجنة العملب وبعد الجفاف نقوم بإزالة الشوائب, ثم يتم إضفاء الباتينه عليها حتي يظهر بالمظهر القديم, أما المعشق الكابر فتتم صناعته بنفس خطوات التحضير السابقة, إلا أنه يختلف في التعشيق, حيث يتم هنا تغليف الزجاج بالكابر( شريط من النحاس اللاصق), ويلاحظ أن االمعشق الكابرب يسمح بتصنيع المجسمات منه مثل الإكسسوارات المنزلية. ويضيف وهو يشير إلي أعمال من الموزايك المعشق بالزجاج في ورشته: أما هذا النوع فإنه تتم الاستفادة فيه من قطع البواقي التي تنزل من الزجاج بعد الانتهاء من التقطيع, فنأخذها ونقطعها قطعا أصغر, ويتم عمل التصميم من هذه القطع الصغيرة بتداخل الألوان, حسب اللون والتصميم, وهذا النوع يتم عمل المجسمات منه لأنه مضيء, ومنها لمبة الجاز القديمة أو شابوهات الأباجورة, ويوجد من هذا النوع نوع آخر هو بالأكريليك, وهو يعتمد علي ما سبق في تصنيعه, مع استخدم الإكريلك بدلا من الزجاج. ينتمي أيمن إلي عائلة لعبت دورا كبيرا في المحافظة علي المهنة وحمايتها من الاندثار, وهوالدور نفسه الذي يحاول أن يلعبه الآن, ويحكي اعندما قام رجل الاقتصاد طلعت حرب بتأسيس أول مصنع في الشرق الأوسط لصناعة الزجاج والبلور, تمت الاستعانة بأفراد من عائلتي من ناحية الأب والأم علي السواء للاستفادة من خبرتهم ومهارتهم, مثل خالي عثمان عبد الحميد رحمه الله, وكان ذا شهرة واسعة في إبداع الزجاج, والمحافظة عليه وتطويره إلي أن أدخلته كليات الفنون الجميلة والتطبيقية في مناهجها, ثم أصبحت هذه الكليات تستعين بنا للتدريس العملي للطلبة, عبر المحاضرات وورش العمل وتوجيهم في مشاريع التخرج, فننقل لهم الخبرة وأسرار المهنة. ويشعر اأيمن بالحزن الشديد بسبب التحديات التي تواجه الزجاج المعشق في مصر, وفي مقدمتها قلة الأيدي العاملة التي اتجهت إلي مهن أخري منها قيادة االتوكتوكب! وارتفاع سعر الزجاج الملون, والرصاص, ويري أنه لا بديل عن إنتاج الزجاج الملون في مصر, والاستفادة من رمال سيناء في صناعة الزجاج! ومن الضروري ضم الحرفيين في كيان ضخم, وتقديم التسهيلات اللازمة لهم مثل تراخيص الورش في أماكن حيوية, ومن الممكن بالقرب من الأماكن السياحية لأن ذلك جزء من حضارة مصر وهويتها, وهو أمر يجذب السياح, مع بعض الضوابط التي تضمن المظهر الحضاري, أضف إلي ذلك ضرورة الاهتمام بالتسويق وتوفير المواد الخام بأسعار مناسبة.