في العقدين الماضيين, تم طرح موضوع الروحانية بقوة في مجالي علم النفس والطب النفسي, واعتبر بعض العلماء ان هذا الموضوع( موضوع الروحانية) هو أهم موضوع للإنسانية في الألفية الثالثة, واتفق العلماء علي أن الروحانية تمثل المرحلة الأكثر تطورا في مراحل العلاج النفسي منذ ظهور التحليل النفسي ثم السلوكي ثم المرضي المعرفي والإنساني, وهي المحطات المهمة في تطور العلاج النفسي عبر السنين, والأسباب الأساسية للاهتمام المتزايد بالروحانية هي: أولا: ظهور مفهوم جودة الحياة الذي ظهر بوضوح لكل العاملين في مجال الصحة في السنوت الأخيرة, وبداية هذا المفهوم كانت مع التقدم الذي حدث فيما سمي( بالعلاج الكيماوي) في علاج الأورام السرطانية( الخبيثة), ورغم فائدة هذا العلاج في مهاجمة الخلايا الخبيثة, إلا أنه يسبب اعراضا بالغة الشدة والسوء بجعل المريض ضعيفا متهاويا, ويغير من شكله الخارجي بسقوط شعر الرأس وزيادة تجاعيد الوجه, ويجعل المريض عرضة للإصابة بالفيروسات والفطريات نتيجة لضعف جهاز المناعة الناتج عن هذا النوع من العلاج. وكان انصار هذا العلاج يرون انه يزيد من عمر المريض, وكان هذا هو المحك الرئيسي للاهتمام به وممارسته, الا أن المعارضين لهذا العلاج كانوا يرددون المقولة التي انتشرت بعد ذلك بعد تبني منظمة الصحة العالمية لها وهي( لا تضف سنين للحياة بل اضف حياة للسنين) وبدأت المناقشات حول ضرورة اعادة تقييم كل تدخل طبي في ضوء جودة الحياة الذي يقدمه هذا التدخل واثره علي جودة حياة المريض, فإذا وجدناس علاجا قد يطيل عمر المريض, ولكنه قد يجعله ملازما للفراش وغير قادر علي الحركة, فلا معني لهذا العلاج, ويجب أن يتوقف علي أساس ان الغرض الأساسي لكل تدخل هو استمرار الحياة الجيدة, والتطبيق الواقعي لهذا المفهوم أثار مناقشة حق المريض بأمراض مؤلمة ومميتة في اختيار موت الرحمة( يوثاناسيا). وبدأت التساؤلات حول جودة الحياة وماهو المقصود بها؟.. هل هي الحياة الرغدة السهلة التي تتوافر فيها كل الاحتياجات المادية للإنسان من مأكل ومشرب وملبس ومواصلات وغيره.. ام ان جودة الحياة لها بعد آخر خارج اطار الماديات لأن الإنسان لديه بالضرورة وعي متجاوز لكل الماديات يتضمن التفكير في مصير البشر وارتباطهم معا والبحث عن المعني المطلق في كل مجالات الوجودالإنساني. وثانيا: اهتمام علماء الاجتماع بما يسمي الأسرة السعيدة, وتمت مناقشة الإطار القيمي والاخلاقي والروحي لهذه الأسرة بصرف النظر عن معتقدها الديني والروحانية تعتقد ان لكل إنسان جانبا روحانيا وأنه من الممكن زيادة هذا الجانب الروحاني بصرف النظر عن المعتقد الديني. ويقترح العلماء في هذا الشأن لزيادة الجانب الروحاني الأتي: 1 تبجيل وتقديس الحياة.. فالحياة هي أجمل ما نمتلك واستمرار الحياة بكل اشكالها يجب ان يكون اهم ما يشغل الإنسان, وعلينا ان نفكر دائما بأن الحياة ستستمر حتي لوفقدنا شخصا عزيزا وحتي ولو حياتنا كفرد انتهت, والحياة جميلة في كل صورة حتي في النباتات والحيوانات, والموت هو جزء من الحياة, ولكن الحياة هي الأصل ويجب الاحتفاء بها, فالموت لا يعني شيئا بالنسبة للأحياء, الموت ليس موضوعنا, مادمنا علي قيد الحياة ويجب ان نفكر دائما في الحياة ولا يشغلنا الموت. 2 احترام وقبول الآخر.. تمتد قيمة الحياة لكل المخلوقات, وبالضرورة إلي كل البشر, ففي كل إنسان جانب خير وإنساني يجب أن نقبله ونحترمه, والناس يختلفون في إيمانهم ومعتقداتهم وأساليب حياتهم, والإنسان الأكثر روحانية هو الذي يقبل ويحترم كل الآخرين ولايطلق اي احكام هامة علي الآخرين لتقليل احترامهم تبرير رفضهم ومن يفعل ذلك فهو يبتعد عن مفهوم الروحانية الحقيقي. 3 البعد عن الغرور والغطرسة.. يلزم ان يشعر الإنسان بأنه مثل كل الآخرين فليس هناك علي الأرض من هو أفضل مني وليس هناك علي الأرض من هو اسوأ مني, وإذا ملك الإنسان اي سلطة او ثروة او قوة جمال مظهر فعليه ان يعرف ان ذلك لم يحدث نتيجة جهده الفردي فقط, وانما اتي ذلك من خلال ظروف مختلفة, وبالضرورة بمساعدة آخرين, ولذلك فعلية الا يشعر بأي تميز عن الآخرين ومن نفس المنطلق فيلزم الابتعاد عن الاحساس بالدونية والاحساس بأن الفرد اقل من الآخرين من حيث المظهر والشكل والسلطة والثروة والقوة, لأن ذلك يتضمن ايضا انه ليس مثل الآخرين فالغرور والدونية وجهان لعملة واحدة ولذلك فلابد من التأكيد علي أهمية التواضع كجزء روحاني في الإنسان. 4 البعد عن الطمع والجشع.. علي المرء ان يتعرف علي أحاسيس الجشع والطمع بداخله, فهو يريد اكثر من حقه وقد يظهر ذلك في البوفيهات المفتوحة حيث يأخذ الفرد أكثر مما يستطيع تناوله, وعلي الشخص أن يقاوم هذه الاحاسيس وان يتعرف عليها داخله والا ينكر وجودها, فهي موجودة وعليه مواجهتها والتغلب عليها, وعلينا أن نؤكد أهمية التعفف والاستغناء والقناعة للجانب الروحاني للإنسان وعلي الإنسان ان يسعي لزيادة احساسه بالقناعة والرضا, ويعرف ان هذا يتطلب بذل الجهد حيث يستطيع تنمية الجانب الروحاني في شخصيته. 5 تخفيف حدة الغضب وعدد نوباته.. كل البشر يغضبون ولكن يلزم علي الشخص ان يتحكم في غضبه, وان يكبح جماح نفسه عن الغضب, فكلما كان الإنسان اقل غضبا كلما كان اكثر روحانية وعلينا التأكيد أن السماحة والتسامح قيم مهمة, من الممكن تنميتها لزيادة المساحة الروحانية عند الإنسان.