من يسيطر علي زراعة الحبوب يتحكم في غذاء العالم ويفرض إرادته علي الشعوب, ومن يسيطر علي إنتاج وتجارة مستلزمات الزراعة يتحكم في الإنتاج الزراعي العالمي بأكمله. وفي العالم ما لا يزيد علي7 شركات كبري تسيطر علي إنتاج وتجارة التقاوي والأسمدة والمبيدات والأعلاف والأمصال واللقاحات والآلات الزراعية وبالتالي فهي المهيمنة علي معظم الإنتاج الزراعي العالمي ومنها شركة مونسانتو. وهذه الشركات العملاقة هي رأس الحربة الاقتصادي لما نسميه العولمة الرأسمالية في مجال الزراعة بينما يمثل البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية رأس حربتها المالي. وتمد تلك الشركات شباكها لحكام البلاد النامية( في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية) لتصنع منهم جسورا تعبر عليها لمجتمعاتهم, وعندما تدخلها تنسج العلاقات مع كبار الزراع وكبار ملاك الأرض والمستثمرين في مجال الزراعة ليبدأ تغيير السياسة الزراعية في خط يوازي افتتاح مكاتبها لتسويق منتجاتها من مستلزمات الزراعة. وهي ترحب بكبار الزراع والملاك والمستثمرين الذين يملكون المزارع الواسعة ويستخدمون نمط الزراعة الكثيفة لأنهم يشترون تقاويها وأسمدتها ومبيداتها إلخ بل يسوقونها في صفوف الفلاحين, ولا تفضل الفقراء والصغار من الفلاحين أصحاب الحيازات المحدودة الذين يستخدمون نمط الإنتاج الفلاحي الصغير وإن كانت لا ترفض التعامل معهم مؤقتا طالما يشترون منتجاتها, لكنها تسعي جادة لتضييق الخناق عليهم لإزاحتهم من أراضيهم وتحويلها إلي مزارع واسعة وزراعة كثيفة. ولأن ذلك مرهون بتغيير السياسة الزراعية فقد عهدت للسادات بذلك وكانت عبارة هيكلة الزراعة هي اسم الدلع لذلك التغيير وساعد مجلس الشعب آنذاك في تحويلها من شعار عام إلي قوانين مفصلة وفعالة ثم جاء مبارك ليرويها ويتعهدها بالرعاية حتي أينعت وأثمرت وشرعوا في جمع قطافها. وقد تمثلت هذه السياسة في تضييق الخناق علي فقراء الفلاحين وصغارهم ودفعهم دفعا لليأس من حرفة الزراعة بطريقتين: الأولي: هي رفع تكلفة الزراعة وخفض( أو تقييد ارتفاع) أسعار حاصلاتهم ومنتجاتهم الزراعية فلا يتبقي للفلاح من عائد الأرض ما يمكنه من عيشة كريمة, فمستلزمات الزراعة ارتفع ثمنها وكذلك الضرائب وإيجار الأرض وفوائد القروض الزراعية والنتيجة هي مغادرة المستأجرين لأراضيهم وقيام الملاك ببيع قراريطهم القليلة لينتهي بهم المطاف إلي القول: حقي برقبتي. والثانية: هي استخدام العنف كما حدث في تنفيذ قانون رفع الحراسة عن بعض أراضي الإصلاح الزراعي وقانون الإيجارات الزراعية الجديد, واستخدام محاكم القيم الاستثنائية( نصف قضاتها معينون ومنتقون) وحجب مستندات الأرض عن الفلاحين لمنعهم من استخدامها في القضاء, وهو ما تسبب في طرد الكثير من فلاحي الإصلاح الزراعي والأوقاف خارج أراضيهم. باختصار كان تدمير نمط الإنتاج الفلاحي الصغير( يستخدمه75% من الفلاحين) هو الهدف, ومنح الأراضي المستصلحة لكبار المستثمرين وحرمان الفلاحين الفقراء منها هو أحد أشكال الحصار, ووقف زراعة الأرز في بعض المحافظات استجابة لمن يستوردونه وتوفير ماء الري لأراضي الكبار هو احدي الوسائل لخنق الفلاحين وتحويل اراضيهم بعد بيعها لمزارع واسعة, وتسير في نفس الطريق المحاولات الدءوبة لبيع مياه الري. هذا ما يعانيه الفلاحون البسطاء, وذلك ما تهدف له الشركات الدولية الكبري لإنتاج وتسويق مستلزمات الزراعة ويساعدها فيه معظم حكام البلاد النامية وتسقط ثماره في جيوب كبار الزراع والمستثمرين وملاك الأراضي. فهل يمكن ان نوقف التدمير للزراعة المصرية وللفلاحين دون تغيير السياسة الزراعية ودون إلغاء القوانين التي ترجمتها ليعود الفلاحون للزراعة مواطنين مصريين غير خاضعين للقهر والبؤس والتمييز؟!