كانت جهاد سعيدة أنها ترتدي فستان عروس تماما كعروستها القطنية وتعيش لعبتها المفضلة التي كانت تلهو بها قبل عامين, لا تعرف عن الزواج غير لعبة فخطت عتبة بيتها الجديد بثغر باسم في بلاهة منفرج انبهارا حتي انطفأت أضواء الفرح علي صرخاتها بين يديه فيما زغردت الأم فرحا وعاد الأب يملؤه الزهو مطمئنا أن ابنته أصبحت زوجة وهي بعد في منتصف عقدها الثاني..! لم تنزع جهاد عن روحها زي طفولتها حتي فوجئت بأحشائها تتحرك وتعيش واقعا آخر لم تتعرف عليه من قبل ألما وعناء شهورا طويلة ليأتي الشهر التاسع وبطلوع الروح تجد بين يديها صغيرا ليس من قماش وقطن, الدم يجري فيه ضحكا وبكاء تتلمس من شقاوات قدميه ويديه الصغيرة ملامح أم في الثامنة عشر من عمرها. ومرت الأيام تلو الأيام ولكن ملامح غير طبيعية كانت تبدو علي الصغير, لم يكن كباقي الأطفال ولكن جهاد لا تفرق بين ما هو طبيعي من عدمه غير أن أمها أخبرتها أن صغيرها أدهم ليس طبيعيا ولابد من عرضه علي الطبيب, امتلأ القلب هلعا وعرفت جهاد حرقة قلب الأم والطبيب يخبرها أن أدهم ولد بعيب خلقي في المخ تسبب له في خلل بتوزيع نسب المياه في الجسم وأنه يحتاج لإجراء عملية جراحية سريعة لزرع صمام بالمخ ينظم توزيع المياه تكلفتها تقارب العشرة آلاف جنيه هي قيمة الصمام وأجر الطبيب أما المستشفي فستتكفل بها التأمين الصحي. عادت جهاد وزوجها إلي البيت يكبلهما الفقر بسلاسل من اليأس وشبح الموت يحلق فوق رأس الصغير يوشك أن يختطف الأمل الذي جاء به أدهم ولكن دموع الحرقة والخوف والخطر يداهم الصغير وأنياب الردي تترصده ما أثار شفقة أهل الخير من الجيران والمعارف فاجتمعوا علي إنقاذ أدهم واستطاعوا أن يجمعوا من بينهم مبلغ العشرة آلاف جنيه وذهبوا بالصغير إلي مستشفي المطرية في مظاهرة رحمة بالصغير وأمه وأجري الطبيب الجراحة وزرع الصمام في رأس الصغير..! و عاد النور يشرق في ابتسامة الصغير يقشع ظلمة اليأس أملا وسعادة في قلب أم صبية قست عليها الأقدار في خطوات أمومتها الأولي بتجربة هي الأصعب علي قلب أم وبتجدد الأمل تحركت أحشائها بجنين آخر ولكنها تمرست هذه المرة وعرفت معني أن تكون حاملا وكيف أن طفلا جديدا سوف يأتيها بعد تسعة أشهر ومضت الشهور خاطفة لتأتيها طفلة جميلة أسمتها جنة ولم تكن جهاد تدري أنها مقبلة علي اختبار أشد قسوة من اختبارها في صغيرها الأول أدهم فقد ولدت جنة بعيب خلقي عبارة عن ثقب في القلب يستدعي علاجات علي مراحل زمنية طويلة يعقبها جراحة بالقلب عندما تتأهل سنا وجسديا للعملية. وعاد الحزن يجثم يأسا وفقرا علي حياة جهاد وزوجها يعشش البيت بالمرارة لا يعرفان ماذا يعملان في أزمتهما الجديدة, طفقا يلهثان علي الأطباء ومراكز الأشعة حتي استقر بهما الحال في مستشفي أبو الريش ليجدا أن ابنتهما تحتاج إلي زمن بعيد لتأخذ دورها في العلاج والعملية وأكثر من هذا أدهم نفسه عاد إلي سابق عهده من ألم وبكاء مستمر لا ينقطع وعادت به أمه إلي الطبيب الذي زرع له الصمام فأخبرها أن جسم الصغير لم يتقبل الصمام ولابد من مثولة لخطة علاجية جديدة لزرع صمام غيره وبالطبع بآلاف من الجنيهات أخري لا تملك منها جهاد شيئا..! كادت الصدمة تودي بحياة الأم الصغيرة وشاخ قلبها وهي بعد في العشرين من عمرها, تتخبط هنا وهناك لا تدري أي طريق تسلكه غير أنها جاءت إلي الأهرام المسائي تطرق الباب الأخير لعل شمس الرحمة تشرق في حياتها من جديد. كانت تبدو شاحبة التصق جلدها علي عظامها يأسا وضعفا تحفر الدموع شقوقا غائرة في وجنتيها تنكسر نظراتها أرضا وهي تحكي حكايتها في وجل لا تدر من أين تبدأ. تقول جهاد طاهر22 عاما اكتشفت أني زوجة وأم قبل أن أفيق من طفولتي ولم يكن باليد حيلة فأي أب يأتيه من يستر واحدة من بناته ويريحه من حملها لن يتواني لحظة في تزويجها وإن كانت صغيرة. وعشت حياتي التي بدأت بمشوار طويل من الصبر والألم ولكني أحتمل قدري وآخذ بالأسباب قدر طاقتي لعل قلبي يهنأ يوما ويستقر بشفاء ابني وابنتي وما جئتكم إلا رجاء في رحمة ربي علي يد أحد من عباده يمد لي يدا رحيمة تنتشل ولدي وابنتي من بين أنياب الردي ولعل قلب الدكتور أحمد عماد وزير الصحة يرق لحال الصغيرين ويوليهما رعايته سببا من أسباب الله عز وجل ليتجدد الأمل في الحياة لي ولهما؟