بالقرب من باب المستشفي كانت تتكور علي حالها تكتم نحيب أنينها في صمت مترقب.. تضم إلي صدرها الصغير ترضعه أشلاء حزنها وفقرها لعله يكف عن البكاء والألم. لم تكن أم راشد وحدها تفترش الرصيف, مئات غيرها ينتظرن الأمل في الدخول وعلاج أطفالهن.. من الداخل يتعالي صوت ينادي إحداهن.....!! أم راشد عتمان.. أم راشد عتمان..تبرعت إحدي السيدات وانتزعت أم راشد من سكرة صمتها المتألم وأعانتها علي شق أكوام اللحم المتكورة إلي جوار الباب.....!! أجلسها الممرض في حجرة تآكلت جدرانها واعتلت كالمرضي من روادها.. الوقت يمر متثاقلا مميتا حتي جاء الطبيب وفحص وليدها.. ملامحه تغيرت وبصوت حاد قال لها: ابنك محتاج عملية في القلب سريعة......!! توسلت إليه الأم أن يدخله المستشفي ويجري له الجراحة علي نفقة الدولة. نظر إليها بإهمال.. هاتيله العلاج اللي في الروشتة دي واستني دوره لما يفضي سرير. آجي امته يا دكتور..تعالي اسألي كمان شهر.....!! نبراتها وهي تحكي مأساتها مفعمة بالألم.. جاءت تطرق باب الأمل الأخير من خلال الجريدة تناشد أصحاب القلوب الرحيمة مساعدتها.....!! قبل أن يأتي ابنها للحياة كانت فتاة لأسرة فقيرة تخرج مع طلعة الشمس بحزم الفجل والبصل والجرجير تبيعها في السوق يعرفها زبائنها بأم راشد فقد أشاعت أنها متزوجة ولها ابن حتي لا يطمع فيها أحد.. اقتربت من علي بائع اليمون وجمعتهما مشاعر الحب وشقا الأيام من أجل لقمة العيش.. أخبرته أنها لم تدخل دنيا وأنه دنيتها وتزوجا في بيت أمه.. قسوة الأيام وشظفها لم يمنعانهما من السعادة.. تعالت فرحتهما عندما تحركت أحشاؤها بجنين هو كل أملهما في الحياة.. تعد الأيام انتظارا لمقدمه ويوم ولادته أطلقت صرخاتها سعيدة تتلذذ الألم شوقا لرؤية الصغير حتي استقر في صدرها ينهل منها رحيق الحياة.. أسمته راشد حتي يتحول الحلم الذي عاشته وهما إلي حقيقة. يصرخ الصغير بلا توقف.. ترضعه عساه أن يكون جائعا ولكنه لا يهدأ.. استدانت قرشين من جارتها وذهبت به للطبيب.. طلب منها فحوصات وأشعات باعت من أجلها قرطها الذهبي كل حيلتها من الدنيا. نصحها الطبيب أن تذهب لمستشفي أبو الريش بصغيرها تجري له جراحة لتصحيح عيب خلقي في القلب علي نفقة الدولة. أسقط في يد المرأة واستجمعت بقايا نفسها المحترقة خوفا ورعبا وراحت إلي المستشفي.. التصقت بالباب.. توسلت لهم أن ينقذوا ابنها.. لم تكن تريد أن ترجع به.. ولكنهم قالوا إن الزحام شديد وليست هناك أسرة.....!! ابني هيموت مني.. ارحموه وارحموني ولا مجيب.. قبل أن تعود إلي بيتها خائبة يائسة حضرت إلي الأهرام المسائي تبحث عن طوق نجاة لعل إيد رحيمة تمتد إليها وتبعث روح الأمل من جديد تسري في جسد صغيرها المتفاني....!! راشد في حاجة ماسة لعملية سريعة تنقذه من موت محقق تكلفتها تتجاوز الثلاثين ألف جنيه فهل تشرق شمس الأمل من جديد في حياتها وحياة صغيرها؟