محمد إقبال واحد من الشعراء الذين حمل شعرهم إرث النبوة, وقد كتب هرمان هيسه, الكاتب الألماني العظيم, مقدمة بديعة قال فيها عن إقبال: إنه يحلم باتحاد الجنس البشري باسم الله وفي خدمته, وهذا وصف ممتاز لشاعرنا الفيلسوف. وتطرح شيميل فكرتها علي العشق المبدع عند إقبال مؤكدة أنه يعادل ما يسمي عند الفيلسوف برجسون الدافع الحيوي- وكان إقبال عظيم التقدير لبرجسون- إنه القوة التي تخلق القيم, ولا ترضي أبدا بما أبدعت, قوة تغير ما بالإنسان في كل لحظة, إنها رمز لتجربة الحدس حين يدرك الصوفي الحقيقة كاملة في لحظة واحدة تستعصي علي الاكتناه. العشق هو هذه التجربة التي قد تسنح للمؤمن في منتصف الطريق أو في آخره. العشق هو الرغبة في التمثل. إنه أرقي صورة لإبداع القيم والمثل العليا, والجهد لتحقيقها, وأنه عند الحديث عن الذات في ارتقائها سلم الأنوية, من الصعب أن يتحقق لها ذلك بدون العشق الخلاق. فالإنسان ليس كائنا ساكنا أو ثابتا, بل تشمله حركة نمو مطرد, فالكون كله في نظر إقبال في نمو كل دقيقة وكل ثانية, حتي أصغر أنا في الوجود يريد أن يبرز ويرقي إلي مكانة أعلي, وهذا السلم الصاعد للأنوات شائع في كل المخلوقات, وفي هذا التجلي لخير ما في الإنسان من صفات. ولعل إقبال في إحدي قصائده الكبري في ديوان رسالة المشرق يبين أنه بدون العشق وقدرته علي التوليف والتركيب بصبح العلم من مظاهر الشيطان, ولكن بالتعاون بين العشق والعلم يمكن بلوغ الفردوس علي الأرض, وهذه القصيدة تعبر خير تعبير عن إيمانه بالتفكير التوليفي بدلا من الاتجاه إلي التحليل الجاف, في شعره شبه الإنسان الذي يقصر اعتماده علي العلم بدودة الكتب التي تعيش بين صفحات الفلاسفة الكبار مثل الرازي والفارابي بكل ما تحويه من جمال, لكنها لا تعرف شيئا عن الحياة في الحقيقة, ويقابل بين هذه الدودة والفراشة التي تلقي بنفسها في اللهب لتذوق لحظة واحدة من الوجد. ولعل كل هذه الأفكار في تداخلاتها وأعماقها ومراميها قد أوحت للأسقف كنيث كراج قوله عن إقبال إنه المتحدث بصوت أشياء مهمة في أغوار الروح المعاصرة, وحتما أحس عصرنا بالاحتياج إليه. وتلك هي لمحات فكرية صوفية روحية أفاضت بها شيميل علي العالم المعاصر من وحي إشراقات إقبال التي يجب أن تستلهم دوما لنسحق غيابات الجب الحضاري الذي احتوانا وخيم علينا وبتنا نلتمس الانفلات من مجاهله البشعة باحثين عن المنقذ والعاصم شخصا كان أو فكرا أو وسيلة أو غاية أو أشياء أو موجة زمنية تجدد الذات المعاصرة وتبعثها بعثا روحيا جديدا يسهم في توازنها التاريخي المنتظر والمحقق لثبات المعادلة الوجودية التي طاش أحد طرفيها. ولعل العودة لأفكار إقبال والاستمساك بمشروعه الروحي إنما قد بات من الضرورات الثقافية المستوجبة للوجود الفاعل في كل أنماط حياتنا المعاصرة, فما أحوج العالم الاسلامي بأسره وفي أشد لحظاته تأزما- أن تتمكن منه تلك الدوافع الروحية والنفسية والتي تمنحه قوة أسطورية تكون بمثابة استراتيجية دفاعية أو وقائية تحجب عنه شرور المتربصين والخصوم وتغير نظرته لذاته بأنه الأقل والأضعف, بينما ذلك لا يعد ممثلا للحقيقة بأي معني لأن توظيف القوة هو المعيار وليست القوة بعينها مهما تكن طبيعتها. من ثم فالتماس القوة البديلة يعد مطلبا حيويا بالنسبة للأمة العربية والاسلامية مادامت قد أخفقت في تدشين أي قوة مادية اقتصادية أو عسكرية- تسمح لها بالتواجه المباشر مع كل محاولات إهدار الكرامة التاريخية, لكن حين يستهان بفكرة وجود قوة بديلة فستظل تلك الأمة نهبا للأهواء والمطامع والأحقاد في إطار وضعية المفعول به!!