انفصال الذات عن العالم الخارجي رغم وجود الأهل هو حالة ترجع لقلة العلاقات الاجتماعية وكثرة الضغوط وعدم الرضا عن المجتمع وثقافته وبالتالي فقدان الذات وشعورها بالخوف والعزلة وعدم التكيف أواغتراب النفس. أن الشعور بالاغتراب النفسي أو الوحدة والضياع وعدم الإحساس بحب المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان وانفصاله عن نفسه وإحساسه بالقلق والسخط ورفض المعايير الاجتماعية والمعاناة أمور تؤثر علي ثقة الفرد بنفسه وتحد من رغبته في الإنجاز وتجعله خاملا هشا غير منتج, وهنا تكمن الخطورة. الاغتراب مشكلة نفسية اجتماعية تعوق تقدم الفرد وتعرقل علاقته الآمنة بالمجتمع, وأشهر أنواع الاغتراب هي الاغتراب الأسري والسياسي والديني والثقافي. ويري بعض علماء النفس أن أسباب هذه الظاهرة ترجع الي تعزيز الإنسان للسلوك الملائم له حتي لو خطأ وفق القوي الخارجية وعلي قدر المعلومات والخبرات المخزنة بالعقل يكون تكرار السلوك والفعل. ونتيجة للانفجار المعرفي والتكنولوجي تغير نمط الحياة والتخطيط والتعليم وأصبح مطلوب من الإنسان التعايش بمرونة أو بقوي متعددة تسمح له بتقديم استجابات أو سلوكيات متغيرة ومقبولة حسب الحدث أوالموقف حتي لا يصطدم بتكرار الرفض والفشل من الآخرين ومن ثم الشعور بالإحباط والرغبة في العزلة. وما سبق يحتاج منا الانتباه والتوعية فكلما زادت الفجوة بين قدرات الإنسان ورغباته ومتطلبات العصر زاد الاحتقان والاغتراب( الوحدة وسط الجموع) ولا سيما لوكان الجهد المبذول غير متوافق ومهدد بالفشل. فالأب الذي يضطهد ابنا من ابنائه طوال الوقت دون إخوته يعرضه لمشاعر الكره والاغتراب الأسري, وشعور الإنسان بالظلم أوضياع حقوقه وغياب إنسانيته وهو بوطنه يتسبب في شعوره بالاغتراب الوطني فيتمرد ويخون. ولذا حين نناقش مشاكل الشباب لابد من تكاتف جهود كل الأطراف المعنية وعلينا معرفة الأسباب كوحدة واحدة متكاملة( جسد- نفس- مجتمع) ومعالجة كل مشكلة بإعتبارها حالة منفصلة فتشابه المشاكل لا يعني تشابه الأسباب, كما يجب علاج المشكلة من جذورها وليس أعراضها. وأخيرا شبابنا يحتاج لخطط قصيرة المدي تتناسب مع قدراته وتشعره بقيمته وأهمية ذاته الاجتماعية وتشغل أوقات فراغه فالشباب جزء لا يتجزأ من الوطن وعزله يزيد من مشاعر الاغتراب لديه. الشباب يحتاج لوطن يدمجه في صنع القرار حسب إمكاناته ويسمع له ويعطيه حرية التعبير وفق آليات منضبطة تحفظ ميثاق الأخلاق وتمكنه من إنجاز بعض المهام, وطن يدعمه نفسيا وإعلاميا وماديا كلما أمكن, وطن يستفيد من تجارب الدول الأخري ويطبقها ليستثمر طاقة الشباب في التنمية. أما عن آلية تطبيق ما ذكرته فقد قمت بتجربة عملية بسيطة شهدتها جامعة الإسكندرية خلال شهر ديسمبر الحالي ارتكزت علي دمج الطلاب من كل الأقسام بكلية الآداب في فريق لخدمة المجتمع وتنمية البيئة والهدف أن الراشدين في هذه المرحلة يميلون لفكرة الجماعة والتلاحم الأسري ويبحثون عن دور بطولي مؤثر وتلك هي طبيعة الإنسان الطبيعي في كل أرجاء الأرض منذ الخليقة. هؤلاء الطلاب قاموا بتوعية زملائهم بأهمية السلوك القويم وعدم إلقاء مخلفاتهم علي الأرض وتنظيف كليتهم في حملة كان شعارها نظافة كليتك تبدأ بك فمعا سنبني مصر. ورغم بساطة التجربة والمشكلات التي مرت بها لتصل إلي النور بنجاح أثمرت عن حالة إيجابية وانتماء ويكفي أن تسمع من شباب مصرنا أنا أول مرة أحس بقيمتي في مصر- بجد عرفت دلوقت أن مشكلتنا في سلوكنا- أنا كنت خايف بس بعد ما حسيت أن لي دورا بقي عندي أمل- أنا كنت مفكر الريس هو السبب في حالنا.... كثير من المشاعر قمت برصدها وأيقنت أن مشاكلنا سببها السلوك الخاطيء المتوارث وغياب العقل والقدوة وعدم وجود تخطيط حقيقي لعلاج أسباب مشكلاتنا وليس أعراضها. الأهم أن رئيس جامعة الإسكندرية أد.عصام الكردي هذا القيادي الواعي لمعني وطن ومصلحة عامة شجع الفريق ودعمه معنويا وهو الأمر الذي حث باقي الطلاب علي التسارع للانضمام للفريق. باختصار هذا ما تحتاجه مصر, تحتاج منا عملا وفكرا وإخلاصا وإنكارا للذات, تحتاج منا أفكارا بسيطة لكن عملية وواقعية تناقش مشاكلنا من جذورها وعلي أرض الواقع لمساندة قائد مسيرتنا. وأخيرا تحيا مصر بشبابها المنتج الواعي وبكل وطني يسعي للإرتقاء بها.