وكأن المنطقة لم يكن ينقصها غير قرار مستفز من رئيس لا تكفيه الحروب المستعرة في الشرق الأوسط لتضاف إليها تداعيات قراره الكارثي, اللهم إلا انه يري أن ال350 مليون عربي الذين يطوقون إسرائيل الصهيونية من كل جانب مبرمجون علي ألا يقتلون غير بعضهم, ولا يفجرون إلا في أوطانهم. فلقد فعلها ترامب ونفذ وعده, واعترف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال...ولم يعرف للقدس حدودا, بل تركها مفتوحة كل يفسرها كما يحلو له, والتفسير دوما لصالح الطرف القوي والمتحكمإسرائيل التي لم تكن تنتظر هذا الإعلان لتبدأ تهويد المدينة المقدسة,فهي تعمل علي ذلك منذ اليوم الأول لاحتلالها, في حرب الخزي والعارعام.1967 ولإن الحديث والمقالات كثر حول القرار المخالف لكل المواثيق والقرارات الدولية, فدعونا أن نحدد في نقاط عشرما وراءه وما سيخلفه من تداعيات: 1- القرار يمثل مغامرة خطرة اتخذها ترامب ليؤمن شبكة اليمين المتطرف وأنصار إسرائيل من عمالقة المال ظهره وخاصة الملياردير اليهودي شيلدون أديلسون, صاحب الكازينوهات الشهيرة في لاس فيجاس والصين وسنغافورة, ومالك صحيفتي معاريف وماكور ريشون, والمدافع الكبير عن إسرائيل, ليخرج سالما من نزاعه المستفحل مع شبكات الإعلام الأمريكي, والحزب الديمقراطي, وطيف واسع من الليبراليين والأقليات وحتي بعض مؤسسات الدولة كالاستخبارات والشرطة الاتحادية والقضاء, وإبعاد الحبل الذي يقترب من رقبته بعد استدعاء لجنة التحقيق نجله لتورطه في فضيحة التدخل الروسي لإنجاح والده علي حساب هيلاري كلينتون, وكذلك مراجعة حساباته المالية لدي بنك دويتشه الألماني. 3- الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يمثل فرصة للقوي الإرهابية والجهادية أن تقذف الشرق الأوسط إلي نار ليس لها نهاية تحت مبرر حماية المقدسات الدينية, والتصدي للاحتلال والقوي الدولية الداعمة له. 4- سقوط شرعية الأممالمتحدة التي لا تملك ما تردع به جبروت أمريكا, ويعكس وقوفها المخجل كمتفرج علي احتلال العراق والخراب الذي جلبه معه إلي العالم العربي, وكذلك صمتها أمام ممارسات إسرائيل التي داست علي كل المواثيق الدولية ولم تمتثل لها,وعليه فإن السفارة الأمريكية التي ستنشأ علي أرض القدس يجب التعامل معها كمستوطنة تضاف إلي المستوطنات الإسرائيلية. 5- القرار يكشف عن ضعف أمريكي حاد وتراجع رهيب في قدرة الولاياتالمتحدة علي الحشد الدولي, وأن ترامب يكتب الآن فصول النهاية للعصر الأمريكي, كما تنبأ بذلك عالم السياسة صمويل هنتيجتون في كتابه من نحن؟, وكما تنبأ أيضا الفيلسوف الأمريكي جوزيف ناي في كتابه مستقبل القوة. 6 فضح القرار زيف النظام الإيراني الذي يهدد ليل نهار بمحو إسرائيل من الخريطة,وأن نظام خامنئي الذي يحارب لمدة ست سنوات متواصلة في سورياوالعراق ولديه نحو100 ألف مقاتل من الميليشيات الشيعية لحماية المراقد المقدسة, ما هو إلا كذبه لإعادة حلمه الفارسي, والدليل أن قرار تهويد القدس الشريف لم يحرك جفن خامنئي!! 7- القرار يتيح فرصة اتفاق تاريخية بين الدول العربية والإسلامية,ودول عدم الانحياز بمكوناتها الأسيوية الافريقية واللاتينية,لاتخاذ موقف يقيد قرار ترامب, ويصفع رئيس الموسادبعد قوله: الفلسطينيون والعرب والأتراك يهددوننا بمسدس فارغ!! 8- القرار أطلق رصاصة الرحمة علي قرابة25 سنة من الدجل السياسي الذي يسمي كذبا مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية, وحسن إذ فعل, كي يستفيق النائمون من سباتهم ويعلموا أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة, وأن التحدي التاريخي والضخم المفروض اليوم علي القضية الفلسطينية يشكل ضغطا قويا علي فتح وحماسللتوحد. 9- المنطقة بحاجة إلي زلزال يوازي التراجع والتفريط العربي بالقدس, وأن أمتنا أمام استحقاق تاريخي, فإما أن يكون هذا الإعتراف طريقا نحو الهاوية, وإما أن يكون أقرب إلي جسد بوعزيزي الذي أطلق شرارة التغيير في بحيرات وطن آسنة, وأما صك استسلام عبد الله الصغير أمام فردناند وإيزابيلا عام.1492 10- القدس لا تحميها الأدعية بل الأفعال, وأن سفارة لأمريكا بجانب الأقصي لن تحرك قيد أنملة في ضمير وشرف الأمة العربية التي علي شعوبها الإنحياز لضمائرها وليس ضمائر قادتها ونخبتها.