المشهد الانتقامي لاغتيال الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح أمس علي يد الحركة الحوثية هو المشهد التالي في فصل يتوقع له أن يكون الأكثر دراماتيكية بين فصول الصراع الراهن في اليمن والذي يمتد لنحو ثلاث سنوات منذ انقلاب21 سبتمبر2014 الذي أطاح بالحكومة الشرعية التي أفرزتها المبادرة الخليجية عقب ثورة فبراير2011, وهو الانقلاب الذي كانت واجهته الميليشا الحوثية وقاعدته التحالف المشترك مع الرئيس الراحل. أما المشهد الأول في هذا الفصل فقد سبقه بأقل من أسبوع عندما أعلن صالح ساعة الصفر لالحرب السابعة ضد الحركة الحوثية باعلانه انهاء تحالفه معها وهو ما كان يستتبع اندلاع الحرب بين قطبي التحالف المفكك. وتعد هذه المشاهد هي تطور لصراع متنامي في جبهة تحالف الحوثي منذ أكثر من عام مع مساعي الحركة الحوثية الهيمنة علي القدر الاكبر من النفوذ والسيطرة في المشهد اليمني, فقد كانت الحركة تتصور أن اغلب قواعد صالح قد انصرفت عنه بسبب التحالف معه وأن حزب المؤتمر الشعبي العام اضعف من أن يكون ندا سياسيا لها في تلك الساحة, الامر الذي ظهرت مؤشراته بوضوح مع تشكيل المجلس السياسي المشترك يوليو2016 كمؤسسة رئاسية وحكومية في البلاد, واستحوذت الحركة بمنطق اليد العليا علي المواقع القيادية في هذا الكيان وهو ما شكل دافعا لدي صالح لاعادة تمكين قواعد الحزب بحكم انها الافضل تنظيما والاكثر انتشارا, فبدأت الجبهة في التصدع وأخذ صراع النفوذ بالطرفين إلي حلبة صراع موازين القوي التي انتهت الي تفكيك التحالف بينهما. وعلي الرغم من أن صالح معروف بإجادة اعادة صياغة تحالفاتة المرنة مرحليا بدهاء, إلا أن تحليل المشهد الراهن يبرهن علي سوء تقديرات صالح أو تأخره في حسمها, بل يمكن القول بأن هناك فشلا في التقديرات التي كانت تعول علي أنه من يمسك بخيوط اللعبة وأنه يستطيع تحريك المشهد الذي يبدأ منه وينتهي إليه وفق تصوره, بل علي العكس من ذلك كشفت عملية الاغتيال أن المليشيا الحوثية كانت هي الطرف الاقوي في الحلبة خلال فترة التحالف مع صالح, فهي التي هيمنت علي الساحة, وفرضت قواعد الحرب, وثمة مؤشرات عديدة بدأت تتبلور في شهادات النخبة المقربة منه في الساعات التي تلت اغتياله, منها أنه كان ضد التصعيد الحوثي باستخدام الصواريخ البالستية التي- وفرتها ايران ونقلت خبراتها إليها- علي جبهتي السعودية والبحر الاحمر, لكنه كان أضعف من أن يعيد ضبط الحركة تحت سقف الخطوط الحمراء التي كان يتوقع تداعياتها. لقد كانت هناك مؤشرات متتالية تؤشر علي أن الحرب السابعة التي يقدم عليها قطبا التحالف المفكك ستندلع بالضراوة التي يقود إليها مشهد الاغتيال بدرجة ستسرع حتما وتيرتها, هذه المظاهر بدأت مع مشهد القتال العنيف بين الطرفين في اغسطس الماضي بعد استعراض صالح لقوة نفوذ الحزب الشعبي العام في اغسطس الماضي باحتفالية حاشدة في شارع السبعين, رد عليها الحوثي باستعراض قوته العسكرية التي اسفرت عن مقتل العشرات في المعركة التي عرفت شارع حدة وقتل فيها ضباط من النخبة المقربة من صالح, وعلي الرغم من أن هذا المشهد تم احتواؤه اعلاميا لكنه مثل نقطة تصدع التحالف عمليا والاستدارة إلي قواعد اللعبة القديمة لدي صالح تجاه العودة لخريطة تحالفاته السابقة والتقية لدي الحوثي. أما المؤشر الاخر فكان مغادرة طقام السفارة الروسية الذي بقي في صنعاء طوال فترة الفترة السابقة إلي عمان الاسبوع الماضي والمتوقع أن تقديرات الدبلوماسية الروسية كانت تتجة إلي أن الحرب ستندلع بضراوة وأنه لن تكون هناك كوابح لها عبر اي وساطات لدي الطرفين. ثم مشهد احراق السفارة الايرانية في صنعاء والذي جاء تاليا لاستعادة صالح الهيمنة علي العاصمة و انهاء أي مظاهر للتواجد الحوثي فيها. غطرسة القوة التي تهيمن علي عقل الحركة الحوثية جعلتها تعجل بتوجيه ضربة قاضية لصالح ومباركتها سريعا بدعوي الانتقام منه لتحوله الاخير بالعودة إلي قواعده السابقة, لكن من المؤكد ان تلك الضربة ستكون بداية النهاية لها فلا شك أن مقتل صالح في ظل تطورات المشهد الاخير سيجعل الحركة تخوض الحرب علي جهتين, داخلية في مواجهة ثأر قبلي يبدأ من معركة دماج إلي الحصبة في طريق الوصول إلي صنعاء وصولا إلي ثأر اغتيال صالح في طريقه إلي مسقط رأسه في سنحان وهو ما يستدعي نفرة قبائل طوق صنعاء بالتبعية ضد الحوثي, إلي جانب الثأر السياسي للمؤتمر الشعبي, ثم قوات الشرعية التابعة لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي, ومن المتصور أن كافة هذه الاطراف قد أعادت الاصطفاف مؤخرا, وتعزز هذا الاصطفاف بعد اغتياله, وأيضا الجبهة الخارجية التي تخوض معركة تقويض الحركة باعتبارها أحد أذرع إيران آلاقليمية والتي يمثلها تحالف عاصفة الحزم والتي اعتبرت أن بعد رسالة صالح التصالحية أن الانقلاب في اليمن أصبح برأس واحدة. وفي المقابل يمكن القول أن الحركة الحوثية لم تتمكن من بناء تحالفات قبلية يمكن أن تشكل لها قوة اسناد في المعركة الحالية في حين أن قاعدتها الاجتماعية التي تستند إلي قاعده اجتماعية ضيقة تسمي بالجارودية التي حاولت التمدد طائفيا داخل القطاع الزيدي بالتحول من المسمي العائلي الحوثي إلي المسمي الحركي انصار الله وغالبا لم تشكل قاعدة كبيرة. وعلي الرغم من أن ميزان القوة لا يميل تجاه الحوثيين, لكنه في الوقت نفسه هناك تحد لايزال باقيا, فلا شك أن الروح الانتقامية للحركة إلي جانب خبراتها الميدانية بعد أن خرجت من معاقلها في صعدة الي شتي انحاء البلاد, فضلا عن مخزون السلاح الايراني والسلاح الذي استولت عليه من الجيش ابان فترة تحالفها مع صالح سيدفعها إلي مزيد من استعراض القوة واحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في المرحلة الحالية وعدم الاستسلام بسهولة, ولكن يقوض هذا التحدي اعادة الاصطفاف الوطني سريعا استعدادا لتلك المواجهة التي قد تشهد فصولا أخري حيث باتت كافة السيناريوهات متوقعه, وإذا كان صالح اطلق ساعة الصفر للحرب السابعة فلا يتوقع أن تكون نهايتها علي النحو الذي شهدته الحروب السته السابقة التي كانت الحركة الحوثية فيها تهزم بشكل يسمح باعادة انتاجها فالفصل الراهن لن يسمح باعادة انتاج الفصول السابقة بعد انتهاء دور صالح علي مسرح الاحداث.