من المفارقات المثيرة للدهشة أن تكون الصورة الذهنية التي يعرفها العالم ويقف أمامها صامتا عن أفغانستان( الدولة الآسيوية المسلمة ذات الأغلبية السنية) أنها المنتج الأول للأفيون والهيروين في العالم, وفي الوقت نفسه هي الدولة الأولي في تصدير ما يوصف بالإرهاب الإسلامي وفقا لزعم المراقبين الغربيين غير المحايدين! فكيف يجتمع النقيضان في بلد واحد علي هذه الصورة الغريبة؟ وإذا كانت الأممالمتحدة بمنظماتها المتخصصة في كل الشئون, والدول الكبري بكل ميزانياتها وجيوشها وأساطيلها التي تجوب البحار والمحيطات, علي علم تام بمساحات الأراضي التي تزرع بالأفيون في أفغانستان بالهكتار وبالسنتيمتر المربع, وحجم ما تنتجه سنويا بالطن من هذه المادة المخدرة المسببة للإدمان والتي تؤدي إلي أضرار خطيرة علي الصحة العامة والنفسية وعلي عقول المدمنين, وقد تؤدي إلي الوفاة, وقيمة ما يحصل عليه زارعو الأفيون الأفغان من عوائد بالدولار, وطرق التجارة والتصدير ومساراتها, والمخاطر الصحية التي تترتب علي استهلاك آلاف أطنان الأفيون الأفغاني التي لا تقف عند حدود الشباب الأفغاني وحده, ولكنها تتعدي ذلك إلي كل شباب العالم. فلماذا لا تسعي الدول الكبري وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا الغربية إلي بحث سبل القضاء علي هذه الزراعة المميتة رغم ما يلحق بشبابها واقتصادها من خسائر مهولة بسبب ترويج هذا الصنف من المخدرات؟ بينما نصبت أمريكا نفسها قاضيا وجلادا عند انهيار برجي التجارة العالميين في سبتمبر2001 وذهبت منفردة إلي أفغانستان تمطرها بآلاف أطنان القنابل لكي تثأر لضحاياها بزعم أن تنظيم القاعدة الذي يتخذ من أفغانستان قاعدة انطلاق له وراء اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر؟ وعلي فرض أن القاعدة كانت بالفعل وراء تدمير البرجين وهو أمر مشكوك فيه بنسبة كبيرة جدا فإن عدد ضحايا الاعتداء الذي تجاوز رقم الثلاثة آلاف قتيل, يعد رقما لا يذكر مقارنة بضحايا استهلاك المخدرات وعددهم بالملايين في الولاياتالمتحدة وحدها, علما بأنه ليس مطلوبا من الدول الكبري أن تعلن الحرب علي زراعة الأفيون في أفغانستان بالمفهوم العسكري, ولكن إذا اتفقت دول العالم المتضررة من هذه التجارة المحرمة علي تقديم مساعدات للمزارعين الأفغان الذين لا يجدون بدا من زراعة الأفيون لكسب قوت يومهم, لانتهت هذه الزراعة إلي الأبد. ولكن ثمة أسباب وجيهة جدا قد تكون وراء غض الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية علي وجه الخصوص طرفهم عن القضاء علي هذه الزراعة والتجارة التي تكلف ميزانياتهم مليارات الدولارات سنويا بخلاف الخسائر البشرية, منها أن هذا الإنتاج الوفير من مخدر الأفيون والهيروين الأفغاني يدخل في الصناعات الدوائية الغربية بما فيها أدوية علاج الإدمان, ويدر علي شركاتهم أرباحا أضعاف ما تدره أرباح المخدرات, والسمعة السيئة التي تلحق بالمسلمين جراء تخصص دولة مسلمة في إنتاج المخدرات الأكثر إضرارا بالصحة العامة. وفي هذا الإطار أعلن مكتب الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة والحكومة الأفغانية, أن إنتاج الأفيون في أفغانستان سجل رقما قياسيا خلال2017 بعد أن قفز بواقع87% مقارنة بإنتاج العام الماضي, وجاء في تقرير المنظمة الدولية أن إيرادات الأفيون في أفغانستان ارتفعت بنسبة55%, لتصل إلي1.4 مليار دولار, فيما يبدو أنه تقرير جودة وليس تقرير إدانة. يوري فيدوتوف المدير التنفيذي لمكتب المنظمة لمكافحة المخدرات والجريمة, أعلن في بيان أنه حان الوقت للمجتمع الدولي والحكومة الأفغانية لإعادة ترتيب الأوليات في جهود مكافحة المخدرات, مؤكدا بأن جزءا من المسئولية إزاء هذه المشكلة العالمية يقع علي عاتق الجميع, وأشار إلي أن إنتاج الأفيون في أفغانستان بلغ9 آلاف طن متري خلال العام الجاري. وشدد فيدوتوف علي أن انعدام الأمن وغياب الرقابة الحكومية والفساد والبطالة وقلة فرص التعليم من بين أهم الأسباب التي أدت إلي تفاقم الوضع في أفغانستان, رغم أن زراعة وتجارة الأفيون والهيروين لا تدر سوي1.4 مليار دولار, أو ما يعادل7% من إجمالي الناتج المحلي لأفغانستان. وسجلت مساحة الأراضي المزروعة بخشخاش الأفيون زيادة بلغت328 ألف هكتار خلال عام.2017 وحذر التقرير من أن معدلات زراعة الأفيون والتجارة غير المشروعة في منتجاته ستؤدي بصورة كبيرة إلي تعزيز انعدام الأمن وأنشطة التمرد وتمويل الجماعات الإرهابية في أفغانستان, وقد يكون هذا مقصودا في حد ذاته, خلخلة الأمن في هذا البلد الذي يحاول مكافحة زراعة المخدرات من دون جدوي لضعف الإمكانات. وفي عام2017, تمكنت الحكومة من تدمير نحو750 هكتارا مزروعة بالخشخاش في17 إقليما, مقارنة بتدمير355 هيكتارا في7 أقاليم خلال عام.2016 وتزرع قرابة60% من الأفيون في المحافظات الجنوبية, حيث تتمتع حركة طالبان بحضور قوي هناك.