تقع المعارضة السورية حائرة وضعيفة في مواجهة ضغوط روسية فيها الكثير من التكبر, وبين تجاهل أمريكي كامل لها, ويخشي أن ترجح كفة الروس ما لم يظهر الأمريكيون بعض اكتراثهم. منيت روسيا بأكثر من فشل سياسي في سوريا الأسبوع الماضي, حيث اضطرت بداية, وتحت ضغط الانتقاد والرفض والمقاطعة, إلي تغيير اسم مؤتمر كانت تنوي إقامته في مطار حميميم في الساحل السوري تحت اسم( مؤتمر شعب سوريا), خاصة أن التسمية أثارت السوريين علي اختلاف انتماءاتهم وأيديولوجياتهم, واعتبروها تقسيما مسبقا للشعب السوري قبل تقسيم الأرض. ما لبثت روسيا أن أعلنت أنها ستغير اسم المؤتمر, وأطلقت عليه اسم( مؤتمر الحوار الوطني السوري), لكن هذا الإجراء وحده لم يكن مقنعا لأحد ليغير رأيه بالمؤتمر, فالمعارضة السورية قالت إنها لا تثق بأي مؤتمر يعقد داخل سوريا في مناطق سيطرة النظام السوري, ولن تشارك بمؤتمر لا تعرف هدفه وبرنامجه, كما أعلنت الدول الأوروبية الرئيسية أنها ضد فكرة عقد هذا المؤتمر في قاعدة عسكرية روسية في سوريا, ما يؤكد من البداية علي وجود ضغوط علي الجميع ليقبلوا ما سيمليه الراعي الروسي. سرعان ما تراجعت روسيا وأعلنت أنها ستعقد المؤتمر في مدينة سوتشي الروسية, وستدعي له نحو ألف معارض سوري, وبدأت توزيع الدعوات التي أرسلت إلي33 حزبا وهيئة ومنظمة سورية, قالت روسيا: إن نصفهم من المعارضة, لكن في واقع الأمر لا تشكل المعارضة أكثر من10% من المدعوين باسم المعارضة, ونحو70% منهم يعملون داخل سوريا برعاية وموافقة السلطات السورية, ولا تعترف بهم التيارات السياسية والعسكرية السورية المعارضة كمعارضين. لكن هذا النقل لمكان المؤتمر لم يغير شيئا, ولم يقنع أحدا من المشاركين من المعارضة بالموافقة علي الحضور, واستمرت كل تيارات المعارضة السورية برفض المؤتمر وأعلنت أنها لن تكتفي برفض حضوره بل وستحاربه بكل الوسائل الممكنة, وأشارت إلي المخاطر التي تتهدد المعارضة بحال تم عقد المؤتمر, وأسهبت في شرح المكاسب الكبيرة التي سيكسبها النظام السوري وروسيا من وراء عقده. طرحت المعارضة السورية الكثير من الهواجس والتخوفات, بدءا من الشكوك بسعي روسيا لتقسيم الشعب السوري, وصولا إلي الشكوك برغبة روسيا تصنيع كيانات معارضة جديدة لا تنتمي للمعارضة السورية ولا تحمل هموم السوريين الساعين للحرية والتغيير السياسي, مرورا بالشكوك أيضا بسعي روسيا لتعويم النظام السوري من جديد عبر فكرة جديدة بعد أن فشلت كل محاولاتها السابقة, علي الأقل حتي الآن. وتفاديا للانتقادات التي وجهت للمؤتمر بأنه بلا برنامج لا هدف ولا رؤية, أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن الهدف من المؤتمر توسيع عدد الأطراف المشاركة في تسوية الأزمة السورية عبر ممثلين من القبائل والجماعات الدينية والقومية والعشائرية المختلفة في سوريا. ونشرت روسيا وثيقة خطية حول الهدف من المؤتمر وبأنه سيعمل علي جمع جميع المكونات السورية لإطلاق إصلاح سياسي وتشكيل هيئة دستورية تصوغ دستورا جديدا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف الأممالمتحدة, وفق القرار.2254 لكن روسيا, التي يبدو أنها تسرعت في طرح الفكرة, ولم تدرسها بجدية وروية, ولم تحاول تفكيك وتحليل فائدتها واحتمالات نجاحها وفشلها, وشدة الرفض والمواجهة لهذا المؤتمر من المعارضة السورية ومن الدول ذات العلاقة بالشأن السوري, اضطر موسكو في النهاية للإعلان عن تأجيل المؤتمر إلي أجل غير مسمي, مع عدم الاعتراف بفشلها في إقناع أي طرف فيه, وفشل الفكرة وتسرعها من أساسها. كذلك, وعلي صعيد العمل السياسي للمعارضة السورية, فقد عقدت النسخة السابعة من اجتماع أستانا, وكما كان متوقعا, لم ينتج عنه أي شيء ملموس يذكر, وكل ما حاول الروس عمله خلاله هو إقناع فصائل المعارضة العسكرية التي شاركت فيه أن يحضروا مؤتمر سوتشي, دون أن يحققوا أي نجاح يذكر. بالمقابل, حاول معارضون سوريون التحرش بالولاياتالمتحدة, أو لفت نظرها إلي وجودهم ورغبتهم بالانفتاح عليها مقابل انغلاقهم علي روسيا, وعقدوا مؤتمرا في العاصمة الأمريكيةواشنطن, حضره سياسيون سوريون من المعارضة وشخصيات أكاديمية ورجال أعمال, وقال القائمون عليه إن الهدف منه تشكيل لوبي سوري في الولاياتالمتحدة, ينفتح علي المؤسسات السياسية والأهلية الأمريكية, لكن نتائج المؤتمر كانت أقل من أن يعول عليها, ومر مرور الكرام دون أن ينتج عنه أي تأثير ولو هامشي, كما لم يأخذ حيزا من اهتمام الروس الذين لاشك لم ينظروا إليه كمهدد لمساعيهم. وفيما كانت المعارضة السورية تتحرك هنا وهناك سياسيا, في محاولة لتخفيف عجزها, كانت ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي تتحرك عسكريا علي الأرض, وتسيطر علي مدينة الرقة, وطبعا بفضل الضربات الجوية الأمريكية المكثفة التي دمرت نحو70% من المدينة تقريبا, واتهمت المعارضة السورية الميليشيات الكردية بأنها كذبت بشأن عدد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المدافعين في المدينة, واتهموها بأنها قدمت إحداثيات خاطئة وغير صحيحة للولايات المتحدة للقصف, ما تسبب بسقوط عدد كبير من المدنيين. هذا التقدم العسكري للميليشيات الكردية بدأ يقلق المعارضة السورية, كما بدأ أيضا يقلق النظام, فالأكراد يقومون بتطهير الأرض وانتهاج سياسة الأرض المحروقة, ويزيلون قري عربية كاملة عن الوجود, ويغيرون ديمورافيا وينقلون إلي سوريا مقاتلين أكرادا من جبال قنديل ومن تركيا وإيران, ويرفضون أن يتحاوروا أو يتعاونوا مع الطرفين, ويستندون فقط إلي دعم أمريكي لا محدود لهم, وهذا أيضا ما حمله المعارضون السوريون معهم إلي واشنطن, أملا في فتح أعين الأمريكيين علي خطأ الاعتماد علي ميليشيات غير عربية للسيطرة علي شمال سوريا, وما يخلقه هذا من مخاطر علي المنطقة علي المدي القصير والمتوسط, لكن يبدو أن الولاياتالمتحدة غير مهتمة بأي تغيير في خطها في الوقت الراهن, وربما هي مرتاحة بالاعتماد علي الميليشيات الكردية كمقاتلين علي أرض معركة لا يريد الأمريكيون أن يزجوا جنودهم فيها. وسط رفض المعارضة السورية للاستراتيجية الروسية, وسعيها للتقارب مع الولاياتالمتحدة والانفتاح علي استراتيجيتها, انشغلت المعارضة السورية وارتبكت, فقررت تأجيل مؤتمر( الرياض2) الذي يهدف إلي توسيع الهيئة العليا للمفاوضات وضم أطرافا سورية معارضة أخري لها. وأعلنت المعارضة السورية عن استعدادها لتشكيل وفد جديد للمفاوضات القادمة بناء علي مستجدات توسعة الهيئة وأن تضيف شخصيات وطنية خاصة من الداخل السوري, وشخصيات نسائية لزيادة تمثيل المرأة, وشددت علي أنها ستبقي متمسكة بضرورة محاسبة من ارتكب جرائم حرب في سوريا وعلي رأسهم بشار الأسد. مازالت الضغوط مستمرة لزج منصة موسكو ومنصة القاهرة في الهيئة العليا للمفاوضات, وهو ما يسعي إليه الروس, ومازال التجاهل الأمريكي للمعارضة السورية مستمرا, ويخشي في ظل هذه الظروف, أن تضطر المعارضة السورية للرضوخ للضغوط, وأن تقبل بضم هذه المنصات, وأن تتنازل عن شرط تنحي الأسد حتي بعد المرحلة الانتقالية, وبهذه الحالة ستكون قد دخلت نفقا مدمرا من التنازلات التي لن تنتهي طالما استمر الروس بموقفهم الداعم المطلق لنظام الأسد.