كان لتصويت أكراد العراق في الاستفتاء علي الاستقلال تأثير كبير جدا علي أكراد سوريا, الذين أعجبوا بشدة بهذه التجربة التي دغدغت عندهم أحلام الانفصال عن بقية سوريا, أو علي الأقل في الحصول علي حكم ذاتي علي مناطق شاسعة من شمال سوريا, سيطروا عليها بالقوة خلال السنتين الأخريين, وأجروا تغييرات ديموجرافية لإفراغها من سكانها السوريين العرب وجعلها كردية صرفة. قبيل استفتاء أكراد العراق, وخلال الاستفتاء, وبعده أيضا, أعرب أكراد سوري, بسطاء ونخب وسياسيون, عن أن الحكم الذاتي والانفصال هو الحل الوحيد الذي يرضيهم, ورفعوا من سقف هذا المطلب, كما رفعوا من سقف عدائهم لمحيطهم العربي بشكل كبير, لدرجة أنهم رفعوا أعلام إسرائيل خلال الاستفتاء ل لشيء سوي لإظهار العداء لعرب المنطقة. علي التوازي مع الاستفتاء الكردي العراقي, أجري أكراد سوريا انتخابات في شمال سوريا لاختيار قادة المجتمعات المحلية في إطار عملية ستبلغ ذروتها بانتخاب برلمان وتقع المنطقة الكردية في سوريا علي الحدود مع تركيا, وحكومة إقليم كردستان العراق, وكلاهما معاد لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يستأثر بتمثيل أكراد سوريا, ويتحكم بهم عبر ميليشياته العسكرية القمعية. حاول الأكراد الاجتماع مع حكومة دمشق مرتين لكن الحوار الذي توسطت فيه روسيا لم يسفر عن شيء, ذلك لأنه ليس المعارضة السورية وحدها التي ترفض هذه الأحلام الكردية, وإنما أيضا تعارض حكومة دمشق خطط الحكم الذاتي الذي فرضه الأكراد مستغلين ضعف كل الأطراف وانشغالها بمحاربة بعضها من جهة( نظام ومعارضة), ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية من جهة ثانية. لكن المفاجئ أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم, قال إن الحكومة مستعدة للمحادثات مع الأكراد حول الحكم الذاتي, بعد أن تنتهي الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية, فقد وجه وزير الخارجية السوري, وليد المعلم, رسالة عبر وسيلة إعلام روسية إلي أكراد سوريا, مفادها أن إقامة نظام إدارة ذاتية للأكراد في سوريا أمر قابل للتفاوض والحوار في حال إنشائها في إطار الدولة السورية, بهذا الشكل الموجز, وجه المعلم رسالته التي تبدو في متنها موجهة إلي الأكراد السوريين بشكل خاص. هذا الغزل مع أكراد سوريا ليس جديدا علي النظام السوري, فمنذ اندلاع الثورة عام2011, دأب النظام السوري علي شد الأكراد تجاهه عبر حزمة قوانين تفيدهم, منها إعادة الجنسية للأكراد المجردين منها, وإلغاء المرسوم49 الذي كان يمنع بيع العقارات وشراءها في المناطق الحدودية, وتزويد بعض الميليشيات الكردية بالسلاح, والتنسيق معها في أكثر من معركة عسكرية, فضلا عن تنسيق النظام السوري مع الأكراد في الكثير من المواقف السياسية التي تعادي الأتراك, وهو ما قد يزيد من إثارة تركيا وانفعالها. لكن المعارضة السورية كلها رفضت كل طرح كردي يهدف للانفصال, وألمحت إلي أنها ستقاوم ذلك حتي لو اضطرت لاستخدام السلاح. يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري, الذي يعتبر الجناح السوري لحزب العمل الكردستاني, الذي تصنفه تركيا حزبا إرهابيا, علي نحو ربع مساحة سوريا, ويمتلك ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة الكردية, وأكثر من60% من مقاتلي هذه الميليشيات هم أكراد غير سوريين, وحاول الحزب إشراك بعض العرب ضمن قواته, بالترهيب أو بالترغيب, وشكل ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية التي تضم أقل من10% من العرب, ما أمنحه القدرة علي القول إن هذه الميليشيات مشتركة وليست قومية كردية صرفة, وأعلن الحزب قبل نحو3 سنوات نيته الحصول علي حكم ذاتي في إطار دولة سورية لا مركزية, لكن كل ممارساته تشير إلي أنه يمهد للانفصال عن سوريا, وتتهمه المعارضة السورية بأنه قام بتهجير العرب من مئات القري وقام بتغيير ديموجرافي ومارس سلطة شمولية علي شمال سوريا حتي ضد الأحزاب الكردي الأخري. ولم تقع أي مواجهات بين قوات النظام السوري والميليشيات الكردية, لكن التوترات زادت بين الطرفين بعد أن صار الأكراد يتعاونون مع الأمريكيين في إطار تحالف قوي, ويتلقون منهم أسلحة ومساندة استثنائية, وقاموا بالتوسع جغرافيا دون تنسيق أمل مع النظام السوري. طوال خمسة عقود, تعامل النظام السوري مع الأكراد بشكل تمييزي قمعي, فحرمهم حتي من حقوقهم الثقافية, ومنعهم من استخدام لغتهم أو الاحتفال بأعيادهم القومية, كما منعهم من تشكيل الجمعيات والأحزاب, وفرض عليهم الخدمة العسكرية الإلزامية وحرم قسما منهم من الجنسية, وتنكر للأكراد كمواطنين وكجماعة قومية, وطمس هويتهم. لم تستطع المعارضة السورية- بعد الثورة- تقديم تصورات مناسبة أو مقاربة سياسية في شأن كيفية حل المسألة الكردية القومية في سوريا, وتعاملت مع المسألة الكردية بطريقة جزئية أو إنكارية أحيانا, حيث نفت بعض أوساط المعارضة وجود قضية كردية في سوريا, وأنكروا حقوق الأكراد في سوريا, ما زاد من قوة الانتماء القومي الانفصالي لدي الأكراد, لكن رد الفعل الكردي تجاوز الخطوط الحمر, وتحول إلي قوة احتلال قمعية شوفينية عنيفة ضد كل سوري وكل عربي. يقول المعارض السوري سعيد مقبل: لقد تعامل البعض من الأكراد والعرب مع المسألة الكردية وفقا لحسابات إقليمية خارجية, وليس باعتبارها مسألة وطنية سورية, وتخص التحول الوطني والديموقراطي في سوريا, ومع هذا لا يمكن إنكار الممارسات التعسفية التي انتهجتها الميليشيات الكردية ضد الأكراد والعرب في المناطق الخاضعة لها, وكيف أقصت وهيمنت وارتكبت جرائم حرب, وغيرت ديموغرافيا, وكلا النهجين لن يقود العرب أو الأكراد إلي نتائج جيدة, بل سيزداد الشرخ ويفتح الأبواب أمام صراعات قومية عرقية لا تنتهي. بينما يقول الكاتب سعد فنص: إن دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لبناء فيدرالية قائمة علي أساس عرقي ستفشل, إن لم يكن في الغد ففي المستقبل القريب, فكل الدول العرقية المذهبية مصيرها الفناء, وحتي إسرائيل لم تجرؤ علي الإعلان عن دولة يهودية. إن قصور رؤية المعارضة السورية للمسألة الكردية, وقصور رؤية الأكراد لقضيتهم, وتشجيع القيادات السياسية والعسكرية الكردية الأكراد للسلوك أساليب شعبوية قومية شوفينية متشددة, كلها تصرفات ناجمة عن قصور رؤية الطرفين, الأكراد والعرب, لمستقبل وشكل النظام السياسي المطلوب, وإن لم يستدرك الطرفان الأخطاء الفاحشة التي ارتكباها, فإن المستقبل سيكون مفتوحا علي صدامات عرقية لا نهائية بين الطرفين, وسيكون الأكراد الخاسر الأكبر فيها, خاصة أنهم أقلية تعيش وسط بحر من القوميات الأخري المستعدة لشن حرب ضد من يسعي لتفتيت المنطقة وتحويلها إلي دول قومية منبوذة لا حاجة لها في المجتمعات المعاصرة. لطالما استخدمت دول الشرق الأوسط الأكراد كورقة ضغط تلعب بها في المنطقة, وأنكرت حقوقهم أفرادا ومجموعات قومية, فالنظام السوري استخدمهم كورقة ضغط ضد نظام العراق, واستخدمتهم تركيا كورقة ضغط ضد النظام العراقي, واستخدمتهم إيران ضد نظام الحكم التركي, كلها ولدت خلال الزمن رد فعل وتعصب قومي كردي استثنائي, لا يحمل مقومات نجاحه, لكنه حل ولو كان وهميا أو مؤقتا بالنسبة لهم, وهرب من أنظمة القمع والتهميش, هروب أوصلهم إلي المطالبة بالانفصال والعداء لمحيط يمكن أن يكون متكافلا عن طريق الشعوب مع بعضها, علي عكس التنافر الذي خلقته الأنظمة القمعية في هذه المنطقة. يقول مقبل إن لم تفكر أطراف المعارضة السورية, والقوي الكردية, بطريقة أخري لمعالجة المسألة الكردية, طريقة مختلفة تماما عن السياسات الإقصائية التي مارسها النظام السوري في مصادرته حقوق الأكراد, فإن وحدة سوريا لن تستمر, وفرصة بقاء الأكراد ضمن الجسد السوري ستتضاءل, وفي الوقت نفسه, سيفتح الأكراد أبوب جهنم عليهم, فهم قد طالبوا بحقوق مشروعة بطرق غير مشروعة, طرق ستؤدي للمزيد من المآسي التي علي الأكراد تحمل نتائجها. ويقول فنص: عقدت القيادات السياسية الكردية تحالفات خاطئة مناقضة لطبيعة الحقوق الكردية, وستنتهي بنسق مأساوي دام, فهم اليوم في سوريا يراهنون علي التحالف مع أمريكا للوصول إلي حقوقهم, لكنهم ينسون أن أمريكا هذه نفسها التي تتعاون معهم وتستخدمهم كمقاتلين أرضيين لها, هي ذاتها أمريكا التي اتخذت موقفا متشددا رافضا للاستفتاء الشعبي في كردستان العراق, وهذا دليل كبير علي أن الولاياتالمتحدة لا يهمها سوي مصالحها المؤقتة ولا يعنيها إن حصل الأكراد علي حقوقهم في النهاية أم دخلوا في حروب إقليمية قومية إثنية لا نهاية لها, وهم إن لم ينتبهوا بسرعة لهذه التناقضات فإنهم سيصبحون ضحايا التاريخ الحديث قريبا.