كثر هم من داسوا بوحل أحذيتهم طريقنا, وكثر هم من وأدوا احلامنا حية, وكثر هم من سرقونا في وضح النهار, كل هذا يجعلك عاقرا عن إنجاب غد معاف خال من الامراض, فالاغتصاب لايولد عنه الا السفاح. وكيف لرحم أرض الأنبياء ومهد الديانات أن تكون حبلي بكل هذا الفساد, وكيف أنجبت هذا المثل الشعبي الموبوء وكيف عاش بيننا دون خجل أو حياء ان سرقت اسرق جملا ليحمل إلينا قانونا عرفيا و قاعدة من قواعد السرقة الأربعين ليبيح لنا المحظور, ويضع قاعدة تتوارثها الأجيال ويصبح من الحكم الشائعة, والحدث العادي يصير هو الاستثناء, فرفض رشوة او اعادة شيئ لصاحبه أو أداء عملك بإخلاص يجعلك حديث الساعة ومثار الدهشة او انك إحدي عجائب هذا الزمان! ويثبت كل يوم تطالعنا فيه الاخبار عن قضايا رشوة واختلاسات أن هذا المثل الطفيلي لم يمت ولم يندثر بل وجد في مصر بيئة صالحة للنمو والازدهار ولم يعد الجمل يكفي لسرقته فهو لم يعد يغني ولا يسمن من جوع ويصير سارق الجمل مثار الاستخفاف والسخرية, وتصبح ان سرقت فاسرق القافلة هي التطور الطبيعي للحاجة السايبة, ولأننا من دعاة المساواة فلم يعد هناك فارق بين المرأة والرجل في الفساد فالمنافسة علي أشدها في سباق جمع المال لمواجهة صروف الزمان ولزوم تربية الأبناء في المدارس الدولية والجامعات, وعند الشعور بأعراض برد أو ببعض الصداع فالسفر للخارج هو الاضمن للعلاج وعطور باريسية فاخرة تغطي علي رائحة الفساد وملابس إحرام تتدثر بها ان استشعرت أن هناك ما لا يداري منك من العورات وكلمات وطنية في الأحاديث الصحفية والتليفزيونية والمؤتمرات تصد عنك الأذي وتجلب لك المزيد من المناصب والصفقات. ملايين من الجنيهات ومن الدولارات كافية لإنعاش مرافق الدولة تنعش رصيد أفراد والكارثة الحقيقية ليست في هؤلاء الحيتان وأصحاب المناصب الرفيعة والغنايم الثمينة ولا تلك الخزائن الكبيرة, ولكن في هذه الأدراج الصغيرة المفتوحة في أغلب المصالح الحكومية.. مرور, شهر عقاري, سجل مدني, محاكم, مستشفيات, مخازن, مناقصات, توريدات وجراد من البشر يثقبون سفينة المؤسسات والهيئات الحكومية ليغرق اهلها وتبقي مصر في ذيل القائمة في كل الخدمات وتظل محاولات الإصلاح كالحرث في الماء. ولان للسرقة أكثر من باب وشباك فستظل أخطرها مالا يمكن رصدها بأجهزة الرقابة الادارية او التسجيلات من يسرق الوقت ومن يسرق المجهود ومن يسرق الافكار, من يسرق العقول, من يسرقون وجودك, من يسرقون منا الحياة, من يسرقون الامل لنغرق في الإحباط, جرائم لا تجرم مرتكبيها خلف قناعات يرتدونها فلا تري الوجه الحقيقي لسارقك فالجميع متنكر في صورة ناسك او عالم او بهلوان! كل تلك الهموم التي يثقل بها كاهلنا تخفف حين يقدم للعدالة كل يوم رأس أي مسئول كبير وحين تتخلي عنه الايادي التي كانت تدعمه, حين يحاسب القاضي مثل الحاجب والوزير مثل الغفير وتصبح السرقة سرقة نملة كانت أم جملا و الرشوة رشوة جنيها كانت أم مليون دولار! في مصر معركة الضمير هي العنوان, هي المفتاح, هي كلمة السر للخروج من هذا السرداب.. معركة تخوضها وحدك لتخرج منها إما بطلا هماما وإما لص جبانا تنتصر أو تنهزم في ساحتك الإنسانية هو ما سيجعل لك الخيار بين حقوق الإنسان او حياة الغاب.