تنظيم مؤتمر إرشادي لطلاب الثانوية العامة لتحديد مسارهم الجامعي بالبحيرة    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    أبرز قرارات الحكومة في اجتماعها الأسبوعي    الصحة العالمية: غزة تواجه جوعا جماعيا بسبب الحصار الإسرائيلي    شيوخ السويداء بسوريا: ما حصل بحق أبناء عشائر البدو جريمة حرب    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    حيثيات الحكم في "انفجار خط غاز أكتوبر": "نعوش تحركت في صمت.. وضحايا قطعت أحلامهم لحظة إهمال"    تناول السلمون يوميًا- ماذا يفعل بالجسم؟    برلين تمهد الطريق أمام تصدير مقاتلات يوروفايتر لتركيا    رغبة جارسيا تتحدى عروض الرحيل عن الريال    ليفربول يوقع عقد احتراف مع اللاعب المصري كريم أحمد    بعد الرحيل عن الأهلي.. يحيى عطية الله يقترب من العودة لناديه الأصلي (تفاصيل)    إعلام إسرائيلي: حماس تطالب بإطلاق سراح أكبر عدد من الأسرى    تجديد الثقة في تامر سمير رئيسا لجامعة بنها الأهلية والمغربي والدش وشكل نوابا حتى 2026    حمدى رزق يكتب: الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    هجوم روسي أدى إلى انقطاع الكهرباء عن 220 ألف أوكراني    طرح الإعلان الرسمي لفيلم Giant بطولة أمير المصري    محادثات اقتصادية وتجارية بين الصين والولايات المتحدة.. على أساس مبادئ الاحترام المتبادل    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    مؤشرات تنسيق كلية تجارة 2025 علمي وأدبي في كل المحافظات    تحرير 7 محاضر لأصحاب أنشطة تجارية في حملة تموينية بالعاشر من رمضان    الأسد من المشاهير والحمل قائد المشاريع.. كيف يتعامل مواليد كل برج مع الحياة الجامعية؟    حقق إيرادات 51 مليون جنيه في 21 يوم.. أحدث أفلام أحمد السقا في السينمات (تفاصيل)    «فتحنا القبر 6 مرات في أسبوعين».. أهالي قرية دلجا بالمنيا يطالبون بتفسير وفاة أطفال «الأسرة المكلومة»    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    محافظ الغربية يتابع أعمال إصلاح كورنيش طنطا: نتحرك بخطوات مدروسة    البورصة تربح 13 مليار جنيه في آخر جلسات الأسبوع    عرضان برتغالي ومصري.. الأهلي يستقر على إعارة لاعبه    برلماني: "23 يوليو" نقطة تحول لبناء دولة العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني    نجوم لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة.. أبرزهم «محمد الشرنوبي»    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة ويشيد بالتقدم المحقق    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 59 ألفا و219 شهيدا    اللون الأخضر يكسو مؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم    أفضل الوسائل الطبيعية، للتخلص من دهون البطن في أسرع وقت    حتى 31 أغسطس المقبل.. استمرار العمل بتيسيرات الإعفاء بنسبة 70 % من غرامات التأخير للوحدات والمحال والفيلات    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    تقرير تونسي يكشف موعد انضمام علي معلول للصفاقسي    الحكومة: لا تحديات تعيق افتتاح المتحف المصرى الكبير والإعلان عن الموعد قريبا    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    مواصفات واسعار سيارات جينيسيس الكهربائية في السوق المصرية بعد طرحها رسميا    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    محافظ الفيوم يهنئ وزير الدفاع ورئيس الأركان بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    رئيس هيئة الرقابة الصحية من مطروح: تحقيق جودة الخدمات يعتمد بالأساس على تأهيل الكوادر البشرية (تفاصيل)    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    خريطة حفلات مهرجان العلمين الجديدة بعد الافتتاح بصوت أنغام (مواعيد وأسعار التذاكر)    وفاة 4 أشخاص بطلقات نارية إثر مشاجرة مسلحة بين عائلتين بقنا    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    أسعار البيض اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرنسا نموذجا
محاولة البحث عن آليات مواجهة أفكار التطرف

يشهد العالم تطورا سريعا وخطير ا لظاهرة الإرهاب, وأصبحت تداعياته السلبية تلقي بظلالها علي مناطق مختلفة من العالم. وباتت الظاهرة محل اهتمام ودراسة واسعة النطاق لتحليل ورصد الأسباب والتداعيات وطبيعة عمل التنظيمات الإرهابية, من حيث تمويلها,
وتجنيد أتباعها, وتسليحها وحصولها علي الدعم من الفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين. ومن جهة أخري تتضافر جهود علمية وعملية عديدة لوضع إستراتيجيات لمواجهة تلك الظاهرة من منظور أمني, يكون من شأنه ضرب تحركات الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة. لكن علي الجانب الآخر من الضروري الإشارة إلي أن الإرهاب في حقيقة الأمر هو تطور لظاهرة التطرف من حالة الفكر والمعتقد إلي حالة السلوك. وعلي هذا تأتي وجاهة التركيز علي مسألة المواجهة الفكرية للتطرف بصورة عامة. فالتطرف أصبح توجها لدي مجموعات من فئة الشباب في دول العالم, بحيث يبدو أننا نمر بمرحلة ردة نحو الشيفونية والراديكالية ورفض قيم التعايش السلمي وقبول الآخر ليس فقط بين أصحاب الفكر الإسلامي المتطرف, بل نحن أمام صعود لليمين الراديكالي وعودة إلي النزعات العرقية والحروب علي الهوية في مناطق مختلفة من العالم. والمواجهة الفكرية بهدف ضرب الأساس المعتقدي الذي تقوم عليه التنظيمات الإرهابية هو أهم الطرق للمواجهة وللحد من انجذاب المزيد من الأفراد إلي ذلك الطريق.

محاولة البحث عن آليات مواجهة أفكار التطرف
تواترت التقارير الرسمية والبرلمانية والإعلامية الفرنسية التي تشير إلي فشل ذريع في السياسات العامة المناهضة للتطرف, ولاسيما تلك التي ترتكز علي مفهوم إخراج الفرد من التطرف, واضطرت السلطات إلي إغلاق المركز التي أنشأته وفقا لهذا المفهوم بعد أقل من سنة من افتتاحه. ويقول تقرير صادر عن مجلس الشيوخ إن القيادة السياسية أدركت عمق المشكلة وخطرها الحال بعد ذهاب ألف شاب فرنسي إلي سوريا سنة2014 وبعد العمليات الإرهابية التي أصابت باريس في نوفمبر سنة2015, وأصيبت بالذعر, وتسرعت في سعي منها إلي إيجاد حلول لا تقتصر علي الشق الأمني.
واعتمدت علي برامج تقوم فلسفتها علي المفهوم المشار إليه وتمت صياغتها علي عجالة وخصصت لها موارد هامة, وهرولت جمعيات ومنظمات أهلية لا خبرة لها في هذا الموضوع إلي تبني تلك المقاربة للاستفادة من الدعم المالي الكبير ونشأ بيزنس مناهضة الإرهاب والحصاد بعد سنتين صفر ويشير التقرير إلي أخطاء عديدة في التطبيق, جمع المتطرفين في مكان واحد ليس بالفكرة السديدة, التعامل الفردي أكثر فعالية وإن كان أثر كلفة, الجهات الإدارية وتحديدا المحافظون لم يتعاونوا مع المشروع, الاعتماد علي التطوع( المتطرف يتطوع للاشتراك في البرنامج) كان ساذجا... إلخ.
وفي حديث له قال أحد المشرفين علي المركز الحكومي الذي تم إغلاقه إن المركز لا يرمي إلي بث خطاب ديني مغاير بل إلي بث قيم التفكير النقدي, وأضاف أن دراسة أحوال المتطرفين تثبت أنهم يشكون في مسلكهم وأن أغلبهم يطلق التطرف طلاقا بائنا بعد سبع أو عشر سنوات وأن الغرض من البرنامج الإسراع من عملية الخروج..
وتؤكد خبيرة لها باع في تلك السياسيات وهي عالمة الأنثروبولوجي دنيا بوزار فشل خيار بث خطاب ديني مغاير, وقالت إنها تبنته سنة2004 وفشلت في تحقيق نتائج, وتتبني الآن منهجا معتمدا علي التعامل الفردي, وعلي تشخيص قائل إن التطرف رد فعل شبابي لمشكلات المراهقين( مع فروق في التشخيص بين الذكور والبنات), وتقول بوزار إن الاعتماد علي الحوار العقلاني روشتة للفشل, الحل هو مخاطبة القلب, من يتطرف هو في الواقع يسعي إلي انتماء بديل إلي عائلة أو جماعة بديلة, ولذلك يكون الحل في تنشيط ذكريات اللحظات السعيدة في الطفولة.. وتقول خبيرة أخري إن التطرف بصفة عامة ابن العائلات التي انقطع فيها التواصل بين الأبوين والأبناء وتعطلت فيها عملية نقل الثقافة من جيل إلي آخر.
وتعرضت تلك المقاربات لانتقادات كثيرة بعد أن أبرز الإعلام حالات فشلن فيها وبعضها نابع ممن يري ضرورة الاعتماد علي رجال الدين والتركيز علي تنشئتهم ووجوب طرح خطاب بديل, وبعض آخر يري أن التركيز علي مقاربة اجتماعية ونفسية يتجاهل صلب المشكلة وهو التحدي السياسي والحضاري الذي تشكله الأصولية الإسلامية المتطرفة وينبع من رغبة دفينة في عدم مواجهة الواقع.
ويشير تقرير كتبه خبير معروف أن الجديد( بعد2014) هو دخول كثيف للكوادر والصفوة المسلمين الساحة ومشاركتهم في معركة مناهضة التطرف, ومن الواضح أن السياسيات والتوصيات والجدل حولها هو أيضا جدل حول تحليل الظاهرة وأسبابها وله أيضا علاقة بالجدل حول الهوية الفرنسية ومدي ارتباطها بالصيغة العلمانية ومدي تقبلها للإسلام وبالنقاش حول الجهة أو الجهات التي يجب إشراكها في تنفيذ السياسات, وشاهدت الساحة الإعلامية بعد2015 مبارزة بين كبار المختصين بالشأن الإسلامي, الدكتور جيل كيبل يري أن المشكلة تكمن أساسا في دخول أيديولوجيات الأصولية المستوردة الضواحي ذات الأغلبية المسلمة بينما يري الدكتور أوليفيهروا أن المجتمع الفرنسي وأحواله ينمي التطرف الرافض له وأن الفكر الجهادي يقدم الردود والصيغة الملائمة لرافضي هذا المجتمع, ومنهم نسبة هامة لم تنشأ في أسرة مسلمة وهذا يفسر النسبة العالية من المعتنقين الجدد للإسلام في التنظيمات الجهادية. ويدعو الأول وآخرون إلي عدم إهمال البعد المعولم والخارجي والجيوبوليتيكي للقضية بينما يري الثاني وآخرون أن المشكلة فرنسية أو أوروبية الصنع, وأن المتطرفين الذين اختاروا الفكر الجهادي كانوا سيختارون فكرا إرهابيا اخرا إن لم يوجد عرض السلعة الجهادية...
والجدل يتناول قضايا أخري نشير إليها في عجالة, التنسيق بين الدولة والمجتمع المدني, كيفية مواجهة خطابات الكراهية دون التعرض لحرية التعبير, كيف يمكن تحسين الإنذار المبكر من ناحية وتوعية أولياء الأمور, تنشئة الكوادر المشاركة في المواحهة...الخ
د. توفيق أكلموندس
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الفرنسية فى القاهرة
المرأة الضحية والمرأة المقاتلة
منذ عام تقريبا ألقت قوات الأمن الفرنسية القبض علي خلية إرهابية تتكون بالكامل من النساء اللواتي خططن لتفجير سيارة مفخخة بالقرب من كاتدرائية نوتردام دو باريس التي تمثل وجهة سياحية دينية هامة بفرنسا, وعلي الجانب الآخر ووفقا لصحيفة تلغراف, أعلنت القوات العراقية أنها ألقت القبض علي12 امرأة علي الأقل أعطيت لهن أوامر من قبل داعش لتفجير أنفسهن, ومن بينهن المراهقة الألمانية( ليندا وينزل) التي تم القبض عليها وذاع صيتها, وذكرت الصحيفة أن هناك40 امرأة أخري تم تدريبهن وإعدادهن لتنفيذ عمليات انتحارية في المنطقة القديمة بمدينة الموصل.
إن ما سبق ذكره ليس هو الوجه الوحيد لنساء داعش, فهناك علي الجانب الآخر نساء تعرضن لكافة أنواع التعذيب النفسي والبدني, ودفعن كرها داخل التنظيم, الذي قام باستغلالهن كعوامل إغراء لجذب أعداد أكبر من المقاتلين في صفوفه, فأصبحت النساء والأموال أحد العوامل التي كانت تدفع العديد من الشباب الذي يعاني الفقر ولا تمكنه قدراته من الزواج إلي الالتحاق بالتنظيم الذي يقيم أسواق للجواري ويستخدم النساء كهدايا للمنتصرين, يتبادلونها فيما بينهم, لتنتقل المرأة بين المقاتلين ملبية لرغباتهم التي نتج عنها خروج العديد من النساء بأطفال مجهولي المصير, يمثلون تحديا إضافيا, هذا بالإضافة إلي مئات النساء من أرامل الحروب التي خاضها التنظيم.
وعلي الرغم من صغر حجمهن مقارنة بحجم المقاتلين الرجال في التنظيم, إلا أن هناك تقديرات تشير إلي أن حجم النساء في تنظيم داعش يبلغ ثلث حجم التنظيم تقريبا, حيث يمثل النساء كتلة مؤثرة يصعب التغافل عنها, أو تهميشها, خاصة عقب خروج التنظيم الذي ترك وراءه إرثا من القوانين والضوابط والقرارات التي فرضها وتم تطبيقها لتصبح واقعا متعارف عليه, وتعود بالنساء مئات السنين إلي الوراء, مثل أحكام السبي والميراث وفرض الزواج علي الأرامل, والفصل بين الجنسين, وغيرها, والتي أصبحت تشكل تحديا كبيرا في إطار انتشار تطبيقها وتداولها في مناطق نفوذ التنظيم وإمكان استمرار العمل بها في المناطق المحررة.
وعقب تحقيق التنظيم لاستقرار نسبي وبداية ترسيخ اركان دولته الاسلامية, لم يعد دور المرأة مقتصرا علي كونها أداة للمتعة وجذب المقاتلين أو وسيلة لخلق أجيال جهادية مقاتلة, فانتقلت إلي مرحلة المشاركة الفاعلة في دعم أركان التنظيم, فشكل التنظيم كتيبة الخنساء أو الحسبة النسائية التي يتراوح أعضائها بين300 و400 امرأة سورية وأجنبية, والتي كانت تضطلع بأدوار عدة أهمها مراقبة تطبيق النساء والسيدات لما يملي عليهن من تعليمات ومراقبة سلوكهن, وفرض العقاب الملائم الذي تراوح بين العقاب البدني والغرامات المالية, إلي السجن في أقفاص في الطرقات, وتطور دور الحسبة التي باتت تؤمن للتنظيم موردا ماليا مما تقوم بفرضه من غرامات باهظة, وتطور هذا الدور أكثر مع تصاعد الخسائر البشرية للتنظيم وبداية انهياره وهو ما دفعه إلي دعوةالنساء للجهاد وحمل السلاح والقتال في صفوف التنظيم.
ليس هذا فقط, بل تطورت أدوار النساء داخل التنظيم لتشكل أجنحة استخباراتية وظيفتها تسهيل التجنيد والاعتقال واستخلاص المعلومات وممارسة العبودية, بالإضافة إلي إدارة صفحات التنظيم علي مواقع التواصل الاجتماعي, وهناك من كن يقمن بأدوارهن بجد وإيمان راسخ بعقيدة التنظيم وأهدافه, وأخريات لجأن إلي التعاون مع التنظيم اعتقادا منهن بأن هذا الانضمام سيجعلهن محصنات ضد الاعتداءات والعنف, وممارسة السلطة علي سائر نساء التنظيم, وفي الوقت الذي أعلنت فيه نساء عدة ندمهن علي الانضمام لصفوف التنظيم, هناك أخريات يحملن عقيدة التنظيم, والرغبة في المواصلة وأحيانا الانتقام, ولديهن إصرار علي تطبيقها سواء داخل سوريا والعراق أو في الخارج.
وهكذا نقف بين نموذج المرأة( الضحية) التي عانت مختلف أشكال التعذيب والإيذاء البدني والنفسي, والمرأة المقاتلة التي تلقت العديد من دورات الإعداد والتدريب العسكري علي حمل السلاح وتنفيذ العمليات الانتحارية والفقه الداعشي, وأولئك اللواتي حرص التنظيم علي تجنيدهن ليتحولن إلي انتحاريات, وقد نفذ بعضهن هجمات عدة, هذا التنوع في الأدوار والمواقف يضعنا أمام معضلة في التعامل مع نساء داعش بعد سقوط التنظيم, ففي الوقت الذي تبدو فيه الحاجة إلي إخضاع الضحايا إلي برامج تأهيل نفسي مكثفة, بالإضافة إلي وضع خطط للرعاية الاجتماعية لهن ولأطفالهن, مع الحرص علي إعادة تأهيلهن للتعامل مع الواقع الراهن, وتصحيح الأفكار المغلوطة التي بثها التنظيم في عقولهن, نجد علي الجانب الآخر أهمية أن تكون هناك إجراءات وقائية حيال بعض من النساء اللواتي يحملن عقيدة التنظيم ويمثلن خطورة أمنية في أماكن تواجدهن, نظرا لإمكان إقبالهن علي ارتكاب العديد من الأعمال العنف, أو الأعمال الانتحارية أو لإمكان توظيفهن كمصادر للمعلومات لفلول التنظيم.
عزة هاشم أحمد
باحثة فى العلوم السياسية

المواجهة الناعمة للتطرف العنيف
تتلاحق أخبار الهزائم العسكرية التي لحقت بالتنظيمات المتطرفة المسلحة في العراق وسوريا, إلا أن هذه الخسائر الميدانية وتلك النجاحات الأمنية والعسكرية لقوي مكافحة الإرهاب, لا تعني أبدا موت الأفكار المتطرفة. حيث إن القاعدة وداعش ومثيلاتهما ومنافسيهما في العراق وسوريا لم يكونوا أبدا ظاهرة حديثة ارتبطت بالاقتتال الدائر في سوريا, بينما هم صور مكررة لكيانات مسلحة وجماعات عنيفة قامت علي أساس فكري متطرف نشأت في دول أخري من قبل, وما زالت مستمرة وقادرة علي اجتذاب مقاتلين ومناصرين ومتعاطفين ومريدين.
إن حالة التراجع في عملية التجنيد علي أثر الهزيمة العسكرية للتنظيمات المتطرفة والإرهابية في العراق وسوريا, لا يعني إطلاقا نهاية تلك العملية, فهي ما زالت مستمرة في مناطق أخري. بالإضافة إلي أن بريق الأفكار المتطرفة ما زال قادرا علي اجتذاب المزيد من الأتباع والمقاتلين والمتعاطفين, خاصة من الشباب والذي يمثل القوام الأكبر للمجتمعات العربية والإسلامية. ولعل الأخطر من الانتقال الفعلي والانضمام جسديا إلي التنظيمات المتطرفة المسلحة, هو الانضمام الفكري مع البقاء داخل الوطن, حيث إن هذه العناصر تمثل مشروعا إرهابيا قابل للتحرك العنيف في أي وقت.
ويعتبر التأثير علي الأشخاص بهدف إقناعهم بالانضمام للأفكار المتطرفة من خلال الاتصال المباشر بهم هو أهم طرق التجنيد وأكثرها نجاحا. وقد كان هذا هو الحال منذ الظهور الأول لجماعات السلفية الجهادية. فقد بدأت المرحلة الأولي للتجنيد المباشر للجهاديين السلفيين في مصر داخل السجون في الستينيات, عندما انجذب بعض السجناء الإسلاميين لأفكار سيد قطب عن التكفير. وخلال السبعينيات قاموا حملة هذه الأفكار المنحرفة بتشكيل التنظيمات والحركات المتطرفة مثل الجماعة الإسلامية والتوحيد والجهاد والتكفير والهجرة وغيرها. ولا تزال السجون أرضا خصبة للتجنيد حيث يختلط النشطاء الإسلاميون المتطرفون مع السجناء الآخرين, وربما يؤثرون ويجندون الشخصيات الأكثر ضعفا أو تبعية أو تهميشا أو غضبا.
بالإضافة إلي السجون كانت المساجد والجامعات والمقاهي أرضا صالحة أيضا لعملية التجنيد المباشر, خاصة الشباب. سابقا, استخدم الأئمة المتطرفون المساجد الكبيرة للدعوة العلنية للانضمام إلي الأفكار المتطرفة, ولكن بعد الحملات الأمنية في كثير من الدول وإغلاق عدد من تلك المساجد, أو علي الأقل أصبحت تحت رقابة شديدة من قبل الشرطة, أو التضييق علي الدعاة المتطرفين. بدأ دعاة التطرف بالتكيف مع الأوضاع الجديدة من خلال التواري عن الأنظار ونقل رسائلهم إلي المساجد الصغيرة والزوايا, أو التواصل من خلال الدروس الدينية داخل المنازل, والمشكلة أنه من الصعب متابعة تلك الأنشطة أو إيقافها, ويرجع ذلك إلي طبيعة هذه التجمعات والتي تعقد غالبا بين الأصدقاء والزملاء والأقارب في المنازل الخاصة, وهو ما يطلق عليه بالجانب المظلم لرأس المال الاجتماعي والذي يشير إلي انتشار التجنيد بين الأقارب والأصدقاء المقربين ونشوء ظاهرة التطرف العائلي الذي يقوم علي أساس إقناع أفراد من العائلة أو المقربين من الأصدقاء أو زملاء العمل بتبني الأفكار المتطرفة, وذلك نظرا لانخفاض معدل الخطورة أو الملاحقة الأمنية في مثل هذه العمليات وصعوبة وندرة التبليغ عنها أو القدرة علي اختراقها أمنيا.
يتم تنفيذ التجنيد غير المباشر من قبل الجماعات المتطرفة من خلال نشر الدعاية في المجال العام, وإطلاق رسائلهم لإقناع عامة المسلمين بتفسيراتهم المتطرفة عن الإسلام وفرائضه وتشريعاته. وقد مثلت الثورة التكنولوجية فرصة غير مسبوقة للتنظيمات المتطرفة لعبور الحدود والتغلب علي القدرات الصلبة للدول والجيوش النظامية في إيصال أفكارهم المتطرفة إلي شريحة واسعة من الإفراد واستقطاب الأتباع وتجنيد المقاتلين من خلال الفضاء الإلكتروني.
رسائل التطرف: إن الخطاب المتطرف الذي تتبناها الجماعات والتنظيمات الإسلامية الإرهابية وتوجهه إلي جموع المسلمين بهدف استقطاب أتباع جدد يقوم علي عدة رسائل تظهر بوضوح في أدبياتهم ومقالاتهم وتصريحات قياداتهم وفتاوي مشايخهم والحوارات المشتعلة بين الأتباع والمريدين علي صفحات التواصل الاجتماعي.
الدعوة لنصرة المستضعفين ومحاربة الظالمين: بدأ تنظيم القاعدة بالأساس علي فكرة انتقال الأفراد المدنيين من دول عربية وإسلامية إلي أفغانستان تلبية لدعوة نصرة المستضعفين في الأرض من المواطنين الأفغان في حربهم غير المتكافئة مع الاتحاد السوفيتي. ومرة أخري انطلقت دعوات مساندة المستضعفين في البوسنة والهرسك, ومن ثم انتقال مدنيين للمشاركة في حروب خارج الحدود. وتكرر الأمر في العراق لنصرة المستضعفين من أهل السنة إثر تعرضهم لظلم مضاعف من الاحتلال الأمريكي والاضطهاد من الحكومة الشيعية الجديدة بعد.2003 وبالمثل لنصرة السوريين في معركتهم ضد النظام السوري بعد.2011
رسالة رفض الحدود: إن معظم تيارات الإسلام السياسي, سواء الفكرية أو الحزبية أو المسلحة أو الإرهابية, ترفض الحدود المفروضة بموجب اتفاقية سايكس بيكو. وتدعو إلي فكرة التوحد بناء علي الدين وليس الجنسية. ومن ثم يغازل التيار المتطرف احلام شريحة ليست بالقليلة من المجتمعات المسلمة تحنو الي استعادة زمن الريادة التاريخي ورفض أحد مخلفات الاستعمار الأوروبي للعالم العربي وهي حدود سايكس بيكو.
الحث علي أداء فريضتي الجهاد والهجرة: إن الجماعات الإسلامية الراديكالية تبني شرعيتها علي مبدأ أن الجهاد هو فرض عين واجب علي كل مسلم. بالإضافة إلي ذلك, فإنهم يؤكدون أن الهجرة- الهجرة إلي أرض الخلافة- ليست مجرد مرحلة في السيرة النبوية ولكنها فرض قائم علي الجميع. إن الدعوة إلي الهجرة تقوم علي أساس فكرة تقسيم المجتمعات إلي دار كفر ودار إسلام. في أحد المقاطع الفيلمية المصورة والتي أنتجتها داعش لاستقطاب مقاتلين علي أساس تلبية نداء الجهاد, وكان بعنوان( لا حياة بلا جهاد), وهو فيلم يروج للهجرة والجهاد بطريقة عاطفية جدا.
بصورة عامة لا يمكن تصور انتهاء عملية تجنيد مؤيدين جدد إلي صفوف الجماعات الإرهابية بناء علي سياسات المكافحة الأمنية لتحركات هذه الجماعات أو المواجهة العسكرية لمقرات تمركز تلك التنظيمات, لأن الميليشيات المسلحة هي قمة الجبل الظاهر أما قاعدته العريضة تكمن في الأفكار والفتاوي والكتب والمبادئ التي تشرح وتبرهن علي صحة وصدق تلك الأفكار المتطرفة والممارسات العنيفة والتي لا يمكن مكافحتها إلا بمواجهة فكرية واعية مبنية علي تحليل عميق ومفصل لأسباب الانجذاب إلي تلك الأفكار وخصوصية تلك الأسباب من مجتمع لآخر ورصد دقيق لرسائل التطرف بهدف مواجهتها وتفنيدها ودحضها بصورة مفصلة ومقنعة ومتطورة وأكثر قدرة علي الوصول إلي المجتمعات المسلمة بصورة عامة بهدف تحصينها, واختراق الفئات الأكثر قابلية للتطرف بصورة خاصة بهدف إعادة تأهيلها وتصحيح مسارها الفكري( التطرف) ومن ثم السلوكي( العنف).
أمل مختار
باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.