انتبهت ألمانيا أخيرا إلى أن الخطر الذى يمثله تنظيم داعش الإرهابى عليها لا تكفى لاحتوائه ومواجهته مراقبة مئات الشباب الألمانى الجنسية الذى يسافر لتلبية نداء الجهاد فى صفوف داعش فى سوريا والعراق ثم القبض عليهم عند عودتهم وإيداعهم السجون الألمانية . فقد اكتشف المسئولون والخبراء الأمنيون ثغرة خطيرة فى مؤسسات ألمانيا العقابية تجعل من السجون الألمانية ساحة لتجنيد المزيد من الشباب المحبط، ما يحول هذه السجون لوعاء مثقوب كلما أودع فيها شاب متطرف عائد لتوه من ساحات الحرب والإرهاب، خرج بدلا منه خمسة آخرين من نفس السجن ، كما يحذر توماس موكه الخبير فى مكافحة التطرف الدينى ومدير شبكة الوقاية من العنف. هناك واقعتان تحديدا نبهتا السلطات الألمانية لهذه الجبهة الجديدة فى حربها ضد محاولات نشر الفكر الجهادى المتطرف بين الشباب المسلم الألمانى الجنسية، سواء من أصول عربية أو أجنبية أو ألمانية. ففى ولاية بريمن تسبب رينيه مارك اس.( 32 سنة) وهو ألمانى مسلم محكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة بتهمة الانضمام لتنظيم القاعدة فى جدل واسع حول الحريات المتاحة للمتطرفين فى ترويج أفكارهم بين بقية السجناء، بل ودفعهم للتطرف. فبعد عامين قضاهما رينيه فى سجنه كسجين مثالى كما وصفته السلطات اكتشف المسئولون أنه يقوم بتجنيد السجناء الشباب ويقنعهم باعتناق الإسلام والسفر للانضمام لداعش فى سوريا بعد انقضاء فترات عقوباتهم فى السجن..ووفقا لتصريحات وزير داخلية الولاية فقد عثر فى زنزانته على موبايلات وتم تسجيل اتصالات له من داخل السجن مع مركز إسلامى فى بريمن، يعتبر هو أحد مؤسسيه بهدف تنسيق النشاط الدعوى وتجنيد الشباب! طبعا جاء قرار الوزير فورا بنقله إلى الحبس الانفرادى فى سجن شديد الحراسة بمدينة أولدنبورج، وشنت الشرطة حملة أمنية قوامها 200 شرطى على أعضاء المركز الذين يدعمونه من الخارج وتم وضع 360 شخصا تحت المراقبة. الوزير صرح بأنه سيستخدم كل الوسائل القانونية لمنع هؤلاء المتطرفين من نشر أفكارهم فى ولايته بعد أن تم رصد سفر 15 ألمانيا من بريمن لسوريا انضموا لداعش فعلا خلال الأشهر الماضية. أما الواقعة الثانية فكانت فى بداية ديسمبر الحالى فى مدينة فرانكفورت بعد محاكمة الشاب الألمانى المسلم كريشنك ب. البالغ من العمر عشرين عاما، والذى يعد أول شخص ينتمى لتنظيم داعش يدان فى ألمانيا ويحكم عليه بالسجن 3 سنوات وتسعة أشهر بتهمة الانضمام لمنظمة إرهابية. بعد الحكم خرج القاضى ليؤكد أن كريشنك عاد بجسده من سوريا ولكن عقله لا يزال حبيس أفكار داعش الإرهابية، فهو يريد إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة فى ألمانيا. وحذرت وزيرة العدل فى ولاية هيسن إيفا كونه هيرمان من السماح لمثل هؤلاء الإرهابيين بالتمتع بحقوق السجناء من حرية حركة وتعامل مع بقية السجناء ونشر أفكارهم المسمومة. أما المدعى العام الاتحادى هارالد رانجه فتوقع أن تستقبل السجون الألمانية خلال الأشهر المقبلة مئات السجناء على شاكلة كريشنك المتطرف حتى النخاع، بعد محاكمتهم بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابى أو دعمه، وذلك بعد تشديد القوانين اعتبارا من عام 2015 ليعاقب بالسجن من سافر وانضم إلى داعش، وكذلك من يدعم التنظيم أو يموله من ألمانيا، وهى تهمة موجهة حاليا لنحو ثلاثمائة ألمانى يتم التحقيق معهم بالفعل استعدادا لمحاكمتهم.فضلا عن 550 ألمانيا آخرين حسب التقديرات الرسمية انضموا بالفعل للتنظيم، وموجودين فى سوريا والعراق. ولاتزال السلطات الألمانية تدرس كيفية التعامل مع هذه الظاهرة. فالمتطرفون الاسلاميون فى السجون الألمانية، والذين يطلق عليهم هنا "السلفيين" ينشطون داخل السجون مستغلين إطار الحريات داخلها لتجنيد المقاتلين لداعش. وعثرت هيئة حماية الدستور فى بافاريا مثلا فى بعض السجون على مطبوعات تقدم نصائح فى كيفية اجتذاب السجناء الشباب وإقناعهم بأن حياتهم ستصبح ذات قيمة فى حال اعتناقهم الفكر الجهادى وانضمامهم لصفوف داعش . ويعلق توماس موكه مدير شبكة الوقاية من العنف على ذلك قائلا إن سجون الشباب بالذات تحولت حاليا لمراكز تجنيد مقاتلين جدد لداعش! وعدد كبير من الشباب الألمانى الجنسية الذى يقاتل فى سوريا والعراق اليوم كان يقضى حتى فترة قريبة عقوبة ما فى هذه السجون وتم تجنيده داخل السجن. ويوضح موكه ان معظمهم من المسلمين من مستويات اجتماعية منخفضة بمؤهلات دراسية ضعيفة، ومن أصول أجنبية وعربية يبحثون عن هويتهم ويشعرون بالسخط على المجتمع الألمانى وهؤلاء يسهل إقناعهم بأن المجتمع يضطهدهم لأنهم مسلمون ويكون ذلك بداية الطريق لإقناعهم " بالهجرة" الى بلاد المؤمنين ثم " الجهاد" ضد الكفار! لمواجهة هذه الظاهرة قبل أن تتفاقم يطالب موكه ببرامج تمولها الحكومة الألمانية للوقاية من التطرف داخل السجون أيضا. وقبل ذلك تأهيل أخصائيين نفسيين واجتماعيين مسلمين قادرين على مخاطبة هؤلاء الواقعين تحت تأثير التطرف الدينى، لأن المشكلة هى أن البرامج الألمانية كلها كانت موجهة للتعامل مع التطرف اليمينى والنازيين الجدد، وليس التطرف الإسلامى والفكر الجهادى السلفى. وقد بدأت ولاية هيسن بتخصيص 400 ألف يورو لبرنامج مكافحة التطرف الدينى داخل سجونها، وناشدت وزيرة العدل فى الولاية الحكومة الألمانية لتخصيص أضعاف هذا المبلغ لبرامج أشمل على مستوى ألمانيا.