لم تكن تجربتها مع الفشل الذريع هي الأولي من نوعها ولن تكون الأخيرة, ذلك أن هيلاري كلينتون قد اعتادت أو أدمنت الإخفاق السياسي والإستراتيجي, فها هي تحاول تجديد ذاتها وإيهام الجماهير بوجودها الفاعل في المعترك السياسي معتمدة علي آليات هشة يتصدرها ظهور كتاب( ماذا حدث) كأن الذي حدث هو أمر عجائبي ما كان يحدث علي الإطلاق. فحين تنهمك مع صفحات الكتاب تجد أنها وفي كليتها سرد خالص لذكرياتها مع الملحمة الانتخابية والتي ختمتها بالاعتراف المرير بالخسارة مع التشهير والتعريض بالعديد من الشخصيات. والمتأمل في شخصية هيلاري وتاريخها يعتقد مباشرة أنها تمثل ثالوث الفشل, فتلك هي المعركة الانتخابية التي منيت خلالها بهزيمة ساحقة وقبلها كان الخذلان السياسي علي يد الجماعة الإخوانية التي دعمت دعما جبارا منها مستهدفة من ورائهم إحكام قبضة أمريكا علي قلب مصر إزهاقا لروحها, فكانت النهاية أنها تململت جزعا علي انفلات مصر من شباك كل الكيانات المعادية, أما جولتها التي سبقت كل ذلك فكانت هي جولة المراهنات الخفية مع متدربة البيت الأبيض الشهيرة مونيكا لوينسكي تلك التي سجلت بصماتها علي تاريخ بيل كيلنتون منتصرة علي هيلاري في تسابق نسائي غير مسبوق انهمرت فيه الدموع وسادت فيه الإحباطات. لكن ضمن الغرائب التي يحملها الكتاب تجاه ذلك هو رؤيتها التي تؤكد خلالها أن الأيام السعيدة لها مع بيل أكثر من تلك الأيام الحزينة وأضافت أنها فخورة جدا أو ممتنة لأنها متزوجة من أفضل صديق لها, وأنه كان أكبر داعم علي مر السنين!!!!! ولعل ذلك يعد أكبر مدعاة لضرورة النكوص إلي الماضي واستدعاء ملامح أو طرائف من تلك الحكاية الشهيرة التي تحاول هيلاري تجاهلها كأنها كانت تمس شخصا آخر غير بيل كيلنتون, لكننا سنطرحها مجددا قائلين: هذه هي أمريكا الضاحكة العابسة, تلك هي الليبرالية الأمريكية الشهيرة, وها هي فضيحة مونيكا حيث يتجدد إيقاعها يوما بعد يوم, وبالتالي يحاول كثير من الساسة وخبراء الإستراتيجية الآن دراسة أبعادها وخفاياها المختلفة وانعكاساتها وأسباب بروزها علي الصعيد السياسي العالمي. أتراها تمثل أحد مخططات تلك الأجهزة الخفية التي تحيك الفضائح وتحيط شخصيات البيت الأبيض بهالات من السحب السوداء الداكنة أحيانا؟ أم تراها تأتي امتدادا لبعض من تاريخ فضائح كلينتون التي تعكس بصفة عامة ثقافة الفساد تلك التي تخترق المجتمع الأمريكي وتؤصل نفسها داخله علي حد قول الكاتب الأمريكي سيمور هيرش؟! والمنطقي أن تأتي الإجابة علي التساؤلين متسقة تماما مع واقع الحال بمعني أنها تشمل المحورين معا, أقول إن إحكام تقنيات مسلسل الفضيحة كان ولابد أن يسبقه أو يأتي علي أثره قرار سياسي طائش بتوجيه ضربة قاصمة للعرب.. كانت هي الهدف الأساسي المقروء بين سطور الأحداث في تلك اللحظات الماضية.. لكن كان ولابد أيضا أن يتحقق ذلك الهدف وبأية وسيلة مهما كانت رخيصة منافية لأي مبدأ أو قيمة!! والذي يريد الآن أن يقف علي أسرار القرار السياسي الأمريكي عليه أيضا أن يتعمق آليات ذلك العقل حتي أعماقها من خلال تلك الممارسات السياسية لكلينتون في سيرته الذاتية, وهذا هو بعض ما يقدمه كتاب( بيل كلينتون من أركانسو إلي البيت الأبيض) للكاتبين الأمريكيين تشارلز آلن وجوناثان بورتيس ويشيد المؤلفان في مقدمة الكتاب بتلك المعركة الكبري التي خاضها كلينتون من أجل إصلاح نظم التعليم وإستراتيجياته حينما كان حاكما لولاية أركانسو ويشير المؤلفان إلي طرفة ذات مغزي ودلالة في معرض حديثهما عن المرحلة التعليمية الأولي لكلينتون حيث كان قد حصل علي تقديرات ممتازة عدا مادة السلوك ولما توجهت أمه فرجينيا كيللي إلي معلمته تسألها قالت لها ليس هناك مشكلة حقيقية إنه فقط حاد الذكاء منتبه جدا يعرف الإجابة عند كل سؤال فورا, ولا يتيح للطلبة الآخرين فرصة الرد!! وسوف أجعله ينتبه إلي ذلك بطريقة أو بأخري.