لم تكن طفولة مصطفي تنبئ بخير علي الإطلاق, فمنذ نعومة أظافره وهو يدمن العنف ويتفنن في إلحاق الأذي والضرر بأصدقائه, حتي ألعابه التي يختارها داخل قريته بمدينة ومركز كوم أمبو بأسوان كانت تجسد أعمال العنف وتعتمد علي الضرب والركل. لم يجد مصطفي من يحسن تربيته بعد أن شغلت ظروف الحياة والبحث عن لقمة العيش أباه عن متابعته, فالأب المكلوم علي ولده كان يخرج فجر كل يوم ملقيا بهمومه علي كتفيه وكل ما يفكر فيه هو أن يعود لبيته وفي جيبه حفنة جنيهات تسد رمق الأفواه الجائعة التي تنتظره تاركا تربية أبنائه للأم التي فشلت في مواجهة أصغر أولادها الذي أفلت منها وأصبح أيقونة الشر بين زملائه, فهجر مدرسته وأتجه نحو المقاهي والغرزحتي علم أبوه العامل البسيط بتصرفاته الشيطانية واستدرجه ليلقنه علقة ساخنة لم تكن واعظة له بقدر ما زادته إصرارا علي الإجرام. ترك مصطفي بيت أبويه وهو في سن الثانية عشرة من عمره ليقيم مع ثلاثة من رفقاء طريق الشر يقتسمون سيجارة البانجو ويسرقون وينهبون حتي تعاهدوا علي اللجوء إلي واحد من تجار البانجو المعروفين بإحدي القري, حيث وضعهم تحت الاختبار لمدة عام كامل نجح خلاله في تقديم أوراق اعتماده, فيما فشل زميلاه وابتعدا عنه, ليظل مصطفي يعمل في كنف هذا التاجر, وفي كل يوم تزداد ثقته فيه حتي أصبح ذراعه اليمني في كل تحركاته ليطلق عليه لقب أبو درش من فرط حبه الشديد وإعجابه بقدرته علي إنجاز المهام الواحدة تلو الأخري. في هذا الوقت, لم يكن الأب فاقدا الأمل في أن يعود ابنه إلي حضنه مرة أخري, حيث تدخل أولاد الحلال لإعادة المياه إلي مجاريها ليلتقيا معا في دوار واحد من الأقارب ليفاجيء الابن أباه بكلمات خرجت من فمه كطلقات الرصاص رافضا العودة ومتهما إياه بأنه السبب فيما وصل إليه لأنه وعلي حد قوله لم يكن يحسن معاملته, وبكي الأب بكاء شديدا منكسرا معلنا تحمله المسئولية واستعداده لتعويض مافات, ولكن الوقت كان قد سرقه ولم يعد الابن وهو في سن العشرينات هو نفس الابن في سن العاشرة من عمره, فالولد الشقي لم يحترم أحدا ولم يجد أمامه إلا أن يؤكد للجميع أنه لن يعود إلا إذا أثبت يقينا خاصة لزملاء الطفولة إنه سيكون أفضل وأغني منهم جميعا. خرج أبو درش من هذه الجلسة العائلية الفاشلة وهو يضع أمامه فكرة الانفصال عن والده الروحي كبير تجار السموم البيضاء, فتوجه إليه وفي كل خطوة كان يخطوها في الطريق كان لا يفكر إلا في كيف يبدأ معه خيط الحديث, وعندما وصل إلي هناك تملكته الشجاعة وتجرأ ليفاتحه في مساعدته بجزء من صفقة مقبلة يبدأ بها مشواره الجديد, وعلي الفور استجاب له مشترطا العودة إليه كلما طلبه. وفيما ظل أبو درش يغامر ويتنقل مابين مركز وآخر باحثا عن مكان آمن يمارس فيه تجارته, رصدته عيون رجال المباحث لتضعه تحت الرقابة المشددة التي أسفرت عن معلومات مؤكدة تدور حول عزمه القيام باستلام شحنة من البانجو والحشيش معا, وأمام اللواء فتح الله حسني مساعد وزير الداخلية ومدير أسوان, وضع العميد محمود عوض مدير المباحث الجنائية جميع التحريات الموثقة, حيث تم التنسيق مابين مباحث مركز كوم أمبو وفرع الأمن العام للقيام بحملة لاستهداف الأوكار المشبوهة بالمركز وعلي رأسها وكر أبو درش الذي فوجيء بنفسه يسقط بين يدي الحملة التي قادها المقدم أحمد مهران رئيس مباحث المركز وبحيازته10 كيلو جرامات بانجو ونصف كيلو حشيش وسلاح ناري.