أرادها العقيد معمر القذافي أن تكون الثورة ضده حمراء مسلحة بعد أن أشهر السلاح في وجه شعبه الثائر.. لكنه ربما لم يكن يدرك أن الولاياتالمتحدة وأوروبا بدت وكأنها كانت تنتظر بفارغ الصبر أية فرصة سانحة للتخلص من نظامه ليس حبا وكرامة في الشعب الليبي المنتفض بعد قمع دام أكثر من أربعين عاما وإنما لأن القذافي تجاوز خطوطا حمراء تضرب في الصميم المصالح الغربية ولم يكن موقف القذافي في منطقة الشرق الأوسط فقط وإنما علي الساحة الاقتصادية والسياسية العالمية برمتها.. باختصار كانت هناك علي الارجح نية غربية مبيتة للتخلص من القذافي ان أجلا أو عاجلا. وكانت القطرة التي أفاضت الكأس والقشة التي قصمت ظهر البعير هي تلك التي جسدتها تصريحات اقتصادية بدت خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا هذه التصريحات أخذ القذافي يرددها مرارا وتكرارا منذ عام1986 حتي اندلاع الثورة الشعبية الليبية, ها هي القصة من بدايتها. رأس الذئب الطائر خلال عام ألفين وثلاثة وبعد شهور من الغزو الأمريكي البريطاني للعراق أعلن القذافي تخليه الكامل عن برنامجه لصناعة اسلحة الدمار الشامل, وظن العقيد القذافي آنذاك انه بهذه الخطوة قد فتح صفحة سياسية واقتصادية جديدة تماما مع الغرب وان نظامه قد خرج من قائمة الدول الداعمة للارهاب المغضوب عليها دوليا الي غير رجعة. أكثر من ذلك عمد نظام القذافي الي دفع تعويضات هائلة لضحايا ركاب الطائرة الأمريكية التي اتهم بتفجيرها فوق بلدة لوكيربي الاسكتنلدية وضحايا ركاب الطائرة الفرنسية التي سقطت فوق النيجر في ثمانينيات القرن المنصرم وهي التعويضات التي بلغت قيمتها وفق تقديرات اكثر من عشرة مليارات دولار. بل إن هناك من تحدث عن أن القذافي كان يود تعويض حوالي سبعين الف يهودي صهيوني هاجروا من ليبيا الي اسرائيل بعد نكبة فلسطين وانه كان من المنتظر ان تبلغ قيمة هذه التعويضات مليارات الدولارات. هذا كله بالإضافة الي قيام النظام الليبي بفتح قطاع النفط والغاز أمام الشركات الغربية خاصة الأمريكية منها بعد رفع العقوبات الدولية والأمريكية عن طرابلس. ومن ثم فان التساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا أصر الغرب علي الاطاحة بالقذافي حتي لو استلزم الأمر تجييش الآلة العسكرية الضخمة لاضخم حلف عسكري في التاريخ ألا وهو حلف شمال الاطلنطي, وحتي ولو طلبت عملية الإطاحة به تكلفة مالية فلكية اذ تصل قيمة الصاروخ الواحد من صواريخ الحلف الطوافه من طراز توما هوك علي سبيل المثال الي ما يقرب من مليون دولار أو علي وجه الدقة حوالي ثمانمائة وثلاثين ألف دولار, وهذا الصاروخ بالمناسبة يعد اغلي قطعة سلاح في العالم. الاجابة تتمثل في ان القذافي فعل نفس الخطيئة الكبري التي وقع فيها الرئيس العراقي صدام حسين في عام الفين عندما اعلن علي رؤوس الاشهاد اعتزامه بيع النفط العراقي باليورو وليس بالدولار الذي جري به تسعير السواد الأعظم من السلع الاستراتيجية في العالم وفي مقدمتها البترول. وكانت هذه القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لصدام اذ بدأت الولاياتالمتحدة تتربص الدوائر بالرئيس العراقي الراحل الذي صار يهدد عرش الدولار كملك للعملات علي مستوي العالم وذلك الي ان وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتصطنع واشنطن بعده ما اسمته بالحرب ضد الارهاب لتطيح بنظام صدام ثم برأسه شخصيا في يوم عيد الاضحي في واحد من أشد المشاهد السياسية إذلالا في تاريخ العرب والمسلمين. الغرب يعتقد أن القذافي لم يتعلم من رأس الذئب الطائر, إذ فوجئ بأن القذافي الي اقناع الدول الافريقية بضرورة تبني هذا الاقتراح عند بيع نفطها خاصة وان الولاياتالمتحدة ستعتمد علي القارة السمراء في تدبير حوالي عشرين في المائة من حاجاتها من النفط. كما كان القذافي يسعي لان تكون تجارة النفط كلها مقومة بالذهب وليس الدولار الذي تطبع الولاياتالمتحدة منه ما تشاء بغير رقيب ولا حسيب. وكان من شأن تنفيذ هذه الفكرة أن يشكل ضربة قاصمة للدولار وحتي اليورو في وقت لم تتعاف فيه الاقتصاديات الكبري بعد من تداعيات الازمة المالية والاقتصادية العالمية. كما لعب الدور الفعال الذي مارسه القذافي في تفعيل الاتحاد الافريقي وجعله واحدا من أقوي اللاعبين في القارة السمراء ذات الموارد الاقتصادية الضخمة.. لعب هذا دورا في اثار حفيظة الغرب ازاء القذافي خاصة بعد أن أعلن القذافي مرارا وتكرارا تأييده لمشروع سياسي عملاق هو اقامة الولاياتالمتحدة الافريقية التي تضم حسب تصوره الدول الافريقية الأربعة والخمسين علي أن تكون عاصمتها أديس أبابا. النفط الليبي أما العامل الأكبر الذي أثار غضب الغرب وبالتحديد الرأسمالية الغربية ضد القذافي فيتمثل فيما اعتبرته القوي الغربية بمثابة تعنت ليبي ضد محاولات الشركات الغربية وضع يدها بسهولة ويسرا علي النفط الليبي. وتقول تقديرات رسمية أمريكية إن ليبيا تعوم علي بحيرة نفطية يبلغ حجمها سبعة وأربعين مليار برميل لكن تقديرات اخري ترفع هذه الكمية الي مائة ملياربرميل. ويعد النفط الليبي من أجود أنواع النفوط في العالم ولعل هذا من العوامل التي تفسر سر الصعود الكبير في اسعار النفط بعد اندلاع شرارة الثورة في ليبيا, اذ عجزت السعودية عن تعويض العالم عن نقص الانتاج النفطي الليبي رغم قيامها بضخ ملايين البراميل الاضافية, اذ أن معظم انتاج السعودية من النفط هو من النفوط الثقيلة التي تقل جودتها كثيرا عن جودة النفط الليبي. ويتوقع محللون أن يعمد صندوق النقد الدولي إلي اجبار النظام السياسي الذي سيتولي السلطة في ليبيا بعد القذافي علي خصخصة شركة النفط الحكومية مقابل الأموال التي سيقدمها الصندوق لليبيا من أجل اعادة الأعمار خاصة بعد أن تردد أن ليبيا في حاجة الي أكثر من أربعمائة مليار دولار من أجل إعادة بنائها وهو ما يقل كثيرا عن اجمالي أصول صندوق الثروة السيادية الليبية التي تتراوح بين سبعين ومائة وخمسين مليار دولار. ومن شأن خصخصة شركة النفط الحكومية أن يجعلها طوع الشركات النفطية الكبري. وفي ظل العقوبات الاقتصادية الدولية التي يعانيها نظام القذافي, بما فيها تجميد الأرصدة المالية الليبية في الخارج وفرض حصار بحري وبري وجوي علي البلاد, فقد رجحت صحيفة فاينشال تايمز البريطانية ان يعمد القذافي الي الاعتماد علي الذهب في تمويل معركته ضد الثوار والتحالف الغربي. وتشير أحدث بيانات صندوق النقد الدولي إلي أن مخزون الذهب الليبي تبلغ قيمته حوالي سبعة مليارات دولار. بل ان الكثير من المراقبين يعتقدون أن لدي القذافي كميات أكبر من هذه الكميات المعلنة. واذا كان الأمر كذلك فانه من المرجح أن يستغل القذافي علاقاته القوية بالعديد من العواصم الافريقية من أجل تسييل هذا الذهب لتمويل آلته الحربية القمعية.