يجمع الخبراء علي أن العلاقات الروسية الأمريكية بدأت تدخل في طريق مسدود وأن الطريقة التي ستنتهي بها المواجهة الراهنة بين موسكووواشنطن ستترك تأثيرا كبيرا علي النظام الدولي وتحولاته المقبلة, فالأزمة الأوكرانية والوضع في سوريا وتوسع حلف( الناتو) نحو الحدود الروسية والدرع الصاروخية الأطلسية والعقوبات المفروضة علي روسيا والتباين في المواقف بين موسكووواشنطن بشأن كوريا الشمالية وإيران ومفهوم الأمن العالمي والأمن الأوروبي والطرد المتبادل للدبلوماسيين وغيرها.. ما هي إلا تجليات للأزمة الراهنة بين البلدين. ويكمن جوهر هذه الأزمة, في رأي كثير من الخبراء, في النظرة الأمريكية لمدي أحقية روسيا كدولة كبيرة في تحقيق بعض الهيمنة والتحول إلي أحد الأقطاب العالمية المستقلة في عالم التعددية القطبية المقبل.. معتبرين أن المواجهة الحالية بين البلدين تمثل عاملا حاسما في تحديد مستقبل النظام الدولي الجديد الذي سيحل محل النظام العالمي الذي كان قائما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي السابق. ويحدد الخبراء سيناريوهين متعارضين لطبيعة وتطور الأزمة الحالية بين الولاياتالمتحدةوروسيا, الأول يتعلق بمحاولة واشنطن إفشال مشروعات روسيا التوسعية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي في الساحة السوفيتية السابقة ومجموعة البريكس وغيرها. وتتضمن الرؤية الأمريكية أيضا محاولة إجبار موسكو علي التخلي عن محاولة ضم أوكرانيا والعمل علي استرجاع القرم من روسيا مجددا وتحجيم دورها في الشرق الأوسط. ويعتقد بعض الخبراء أن الولاياتالمتحدة تسعي إلي استبدال نظام الحكم في روسيا وإعادتها إلي الالتزام بقواعد تسعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين من ثم دفن أي حديث عن روسيا كأحد مراكز القوي في العالم. و من يتابع السياسة الأمريكية تجاه روسيا سواء في إدارة الرئيس السابق بارك أوباما أو الحالي دونالد ترامب, يري تشابها كبيرا مع ما كان يسمي في السابق بسياسة الردع التي اتبعتها واشنطن تجاه الاتحاد السوفيتي السابق.. مشيرين إلي أن هذه السياسة تقوم علي النظر للاتحاد السوفيتي كخصم علي الساحة الدولية يتطلب التعامل معه استخدام خطط طويلة الأجل لردع ميوله التوسعية. ويعتقد الروس أن الولاياتالمتحدة لا تخفي رغبتها في عزل روسيا اقتصاديا وسياسيا في غضون السنوات المقبلة, ولكنهم يرون أن تنفيذ هذا السيناريو الأمريكي لن يمثل ضربة قوية لموسكو وحدها بل لكل مراكز القوي الجديدة الصاعدة ولأية محاولات لتشكيل نظام التعددية القطبية وهذا بدوره, سيغير خريطة توزيع القوي الدولية والإقليمية. أما السيناريو الثاني, فهو يعتمد علي افتراض اعتراف واشنطن بالدولة الروسية كقطب مستقل في عالم متعدد الأقطاب واحترام مصالحها بما في ذلك حقها في تحقيق مشروعاتها الخاصة للتكامل الاقتصادي والعسكري والأمني علي المستوي الإقليمي والدولي ومشاركتها علي قدم المساواة في إدارة العالم. ويتضمن هذا السيناريو أيضا الحفاظ علي القرم ضمن الاتحاد الروسي والمشاركة في عملية تشكيل دولة أوكرانية لا تمثل قاعدة أمامية للغرب في مواجهة روسيا عبر منع اندماج أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وغيرهما من المؤسسات الغربية العسكرية والأمني والاقتصادية ومن ثم ضمان وضعية الدولة المحايدة لأوكرانيا. ويري الخبراء أن تحقيق مثل هذا السيناريو سيعني اكتمال تحول النظام الدولي إلي نظام متعدد الأقطاب, وسيسمح بوضع قواعد جديدة للعلاقات الروسية الأمريكية.