لم تتبق سوي بضعة أيام علي الموعد المحدد لإجراء استفتاء حق تقرير المصير في إقليم كردستان العراقي في25 سبتمبر الجاري. ورغم كل التعقيدات التي تحيط بعملية الاستفتاء علي كل الأصعدة, إلي الحد الذي يصفه البعض بأنه سيتحول إلي عملية انتحارية, إلا أنه يبدو أن رئيس الإقليم مسعود بارزاني ما زال مصرا علي المضي قدما رافضا قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية بإيقافه لعدم دستوريته, ورافضا أيضا مطالب الأممالمتحدة بتأجيل الاستفتاء والدخول في عملية تفاوض شاملة مع الحكومة العراقية لإنجاز توافقات شاملة حول القضايا المختلف عليها بسقف زمني لا يتجاوز ثلاث سنوات, وذلك في الوقت الذي يتجاهل فيه بارزاني أيضا كل المواقف الاقليمية والدولية المعارضة لإجراء الاستفتاء وأبرزها الموقفين التركي والإيراني علي المستوي الإقليمي, والأمريكي والبريطاني والفرنسي علي المستوي الدولي. وفوق كل ذلك فان الاوضاع الداخلية في إقليم كردستان توضح أن الخلافات الداخلية بين القوي السياسية الكردية ليست مهيأة بشكل كاف للتوجه إلي هذه القفزة الكبري, فهناك خلافات داخلية عميقة وانقسام بين حكومة أربيل التي يقودها حزب بارزاني( الديمقراطي) وحكومة السليمانية التي يقودها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة طالباني, بالإضافة إلي المواقف غير المتحمسة والتي تفضل البحث عن بدائل للاستفتاء مثل تلك التي تتبناها حركة التغيير وعدد من القوي الإسلامية, وتحالف الديموقراطية والعدالة الذي يقوده برهم صالح. هذه القوي تذهب مجتمعة ومتفرقة إلي إمكان تأجيل الاستفتاء في مقابل ضمانات, وتسعي في إطار منافساتها وصراعاتها الداخلية إلي حرمان بارزاني من استخدام قضية الاستفتاء كورقة تمكنه من أحكام قبضته وسيطرته علي الاقليم وتوظيف ذلك في الانتخابات المقررة في أكتوبر القادم, حيث يري خصوم مسعود بارزاني أنه حول حكم الإقليم حكما عائليا, حيث سلم المؤسسات الأمنية والاقتصادية إلي أبنائه ورئاسة حكومة الإقليم الي ابن أخيه, ونفذ سياسات نفطية خاطئة وعقود شراكة غير منصفة مع شركات كبري قادت مع انهيار أسعار النفط إلي أزمة اقتصادية كبيرة في الإقليم, لا سيما أن الحكومة العراقية اوقفت أي إمدادات مالية بسبب قيام أربيل ببيع وتصدير النفط إلي الخارج بشكل منفرد, ومخالفة ذلك للدستور العراقي. وفي المقابل فإن بارزاني يخشي التراجع, او القبول بأي من المقترحات المطروحة, خشية ان يستخدم معارضوه هذا الأمر ضده, والسعي لتقويض صورته الزعامية, إضافة إلي عدم ثقته بأن أي حوارات أو مفاوضات مع الحكومة العراقية قد تحقق نتائج ملموسة, بسبب الخبرات السابقة في التنصل من الاتفاقات والوعود.. وهناك سردية كردية مطولة حول خروقات الدستور العراقي وانتهاك الوعود والاتفاقات من جانب حكومات بغداد التي اتجهت لتكريس هيمنة المكون الشيعي بشكل أساسي. في الوقت الحالي تحشد تركيا عسكريا علي حدود إقليم كردستان العراقي في إشارة ذات دلالات واضحة, وتسعي أيضا للتنسيق مع فرنسا لإطلاق مبادرة لوقف الاستفتاء, في الوقت نفسه تقف طهران معارضة للاستفتاء وتلوح باغلاق الحدود مع الاقليم الحبيس جغرافيا. وغير بعيدة بشكل عام عن التحركات التركية والدولية الساعية لايجاد حلول او بدائل. ومع بدء العد التنازلي يري البعض أن بارزاني يهدف أساسا إلي استخدام الاستفتاء ليس لإعلان الاستقلال ولكن كورقة ضغط للدخول الي مفوضات من موقع القوة.. وإلا فإن الإقليم سيتحول إلي وضع مشابه لما حدث لجنوب السودان الذي اندفع نحو استقلال لم يكن مهيأ او جاهزا له.