أنا رجل في أواخر الثلاثينات من عمري, نشأت في أسرة متوسطة تقطن حيا شعبيا مع أب يعمل في وظيفة حكومية وأم ربة منزل قضت حياتها في محاولة توفيق أوضاعنا المادية وتدبير كل قرش حتي ألتحق أنا وأشقائي بالتعليم. وفي ظل هذه الظروف حرصت علي أن أعمل منذ كنت صبيا في الإعدادية فالتحقت بكل ما يسمح به سني من أعمال حتي حصلت علي دبلوم فني ثم انطلقت في سوق العمل الذي لم يكن جديدا ولا غريبا عني, واستطعت ادخار مبلغ سمح لي بخطبة فتاة من حينا كنت معجبا بها وكانت تناسبني إذ إنها حاصلة علي مؤهل متوسط وتجيد عدة أعمال ومجتهدة وطموحة فشاركتني أعباء الزواج الذي أتمناه في حفل أسري بسيط لكنه كان من أجمل ليالي العمر, ثم من الله علينا بطفل جميل وبعدها بعدة سنوات بطفلة أخري فاكتفينا أنا وزوجتي بهما حتي نستطيع تربيتهما جيدا وضاعفنا جهودنا ولم نتوقف أنا وزوجتي عن العمل يوما واحدا حتي استطعنا إلحاق ابننا الأكبر بإحدي المدارس الخاصة حتي يتلقي تعليما أفضل مما حصلنا عليه. ستتساءلين يا سيدتي عن المشكلة التي أكتب لك بسببها, وأجيبك أنني ومنذ عدة سنوات استقررت في عمل افرد أمنب وهي الوظيفة التي أستطيع من خلالها العمل أكبر عدد من االشيفتاتب حتي أؤمن متطلبات الدراسة والحياة, والمشكلة أن ابني الذي بلغ الآن عامه الثامن عاد في أواخر العام الدراسي الماضي باكيا مصمما علي عدم الذهاب لهذه المدرسة مرة أخري لأن زملاءه عايروه بأن والده اسيكيورتيب بينما يعمل آباء زملائه مهندسين ومحاسبين!, وأنا الآن في حيرة من أمري لأن والدته تري ضرورة نقله من المدرسة حتي لا يتأذي نفسيا ودراسيا, وأنا أذكرها بأننا نقلناه من مدرسته منذ عامين لنفس هذا السبب.. فهل أنقل ابني كل عامين إلي مدرسة جديدة هربا من معايرته ؟ أم كيف أتصرف معه دون أن يصاب بأذي نفسي؟ وهل أخطأت بأن ألحقته بمدرسة أرقي من مستوانا علي أمل أن يعيش حياة أفضل مما عشناها؟ عزيزي الراغب لأبنائه في حياة أفضل دعني أهنئك أولا علي إتمام تعليمك والاقتران بمن اختارها قلبك لتكوين أسرة تعملان ليل نهار لتكفلا لها معيشة أفضل, وما تعاني منه مع فلذة كبدك يعاني منه كثير من الأهل وهي التنمر والاستئساد علي الأضعف حيث يتحرش المستأسد بمن يراه أضعف ويجمع المتفرجين ليحوله لضحية ويصيبه بصدمة التعرض لهذا الموقف المهين, وأتساءل عن الأسباب التي أوصلت ولدك لأن يكون اطرفا ضعيفاب ضحية لأي طفل مستأسد, هل السبب هو اهتزاز ثقته بنفسه مما يجعله غير قادر علي المواجهة والتصدي للعنف الذي يقع عليه؟ وأي مدرسة خاصة تلك التي تسمح بمثل هذه الظواهر الممرضة دون تدخل؟! ما الذي يدفعك لسهر الليالي وإنفاق صحتك وجهدك ومالك لدفع مصاريف مدرسة لا تحترم كل ما تبذله من مجهود وتدفعه من أموال شقيت لجلبها؟!! إن التعليم ليس فقط الشهادة التعليمية التي يحملها الطالب بل إنه أيضا مجمل الخبرات والمهارات التي اكتسبها ليواجه بها الحياة ويصلب طوله ليشق طريقه, أتصور أن هناك إشكالية كبيرة في نوعية الحياة التي يعيشها ابنك داخل وخارج المنزل, فإن كان هو نفسه الذي لا ايعتزب بكون والده يشغل وظيفة كريمة تكفل له ولعائلته حياة بلا عوز فمن أين أتي بمثل هذا الإحساس بالدونية إلا إذا كان يعيش فروق المستوي المادي والاجتماعي داخل المنزل قبل أن يعيشه في المدرسة التي يتباهي فيها الأطفال بكل ما يخص أهاليهم وتخصصاتهم وماذا يقدمون لهم في المنزل متفاخرين بكل نقاط التفوق والعزة بما يفعله آباؤهم فالأطفال هم مرآة والديهم وما يحدث في المنزل, فإن أحسست أنت بالدونية تجاه وظيفتك وما حققته من نجاح أنت وزوجتك وشحنت طفلك بمثل هذه الأحاسيس فقد حملته بعبء ينوء ظهره الضعيف بحمله وجعلت منه مشروع ضحية للمستأسدين دون أن تدري. أنصحك أن تأخذ ولدك في حضنك وتحتويه وتدعوه لأن يعبر عن مشاعره, ثم تذهب به إلي المدرسة وكلك عزة وشمم بما حققته لنفسك ولعائلتك لتناقش ما حدث مع المديرة وتطلب استدعاء أولياء أمور الأطفال المستأسدين, ثم تترك للولد الحرية ليختار الاستمرار في المدرسة أو الانتقال لمدرسة أخري بعد أن تأخذ حقه في الدفاع عن نفسه فأظن أن هذا هو أفضل علاج له ودرس في الحياة, وعلي الأم مشاركتك في تدعيم الاعتزاز بالجو الأسري وترسيخ ثقافة الاحترام والترابط داخل المنزل لأن ذلك من شأنه شحذ طموح ولدك ليصل لأعلي المراتب العلمية والوظيفية سواء تخرج من مدرسة حكومية أم خاصة ثقة في نفسه وقدراته واعتزازا بوالديه, أما في حالة عدم علاج الموقف والاهتمام بمشاعر الطفل فأنت تعرضه لأنواع مختلفة من الاضطرابات النفسية والاجتماعية.