أحداث إبادة المسلمين في بورما.. لم تكن حدثا عارضا ولا أمرا جديدا, ولم يكن دم المسلمين الذي يسال فيها اليوم هو أول الدماء ولا أغزرها ولا آخرها, بل هي مشكلة قديمة جديدة يتم علاجها وفقا لمنطق المصلحة أو المؤامرة!!. فما بين التهويل لعمليات تطهير عرقي وانتهاكات للمحرمات والأعراف والقوانين وصور مفبركة للحرق والقتل..وبين التهوين مما يحدث, واعتباره مجرد مؤامرة ممتدة لحرب الوكالة بدعم وتمويل قطري لفوضي الربيع العربي,ونقل هذه الفوضي إلي داخل الصين ذلك العدو الاقتصادي العملاق للغرب وامريكا.. تمضي قضية مسلمي الروهينجا لمصيرمجهول بين مخالب عصابات وميليشيات التعصب الديني الأعمي,وتكرار متوقع لسيناريو داعش في سوريا والعراق علي أرض ميانمار التي ستصبح ساحة حرب جهادية في أسيا!! وأيا كان الأمر فإن ثمة مؤامرة دولية يجري حبكها وسط تعتيم رسمي حول ما يدور في الدولة ذات الأغلبية البوذية, واكتفاء الضمير العالمي ومنظمات حقوق الانسان ببيانات الإدانة والشجب للممارسات الوحشية بحق الأقلية المسلمة دون تحرك جاد لوقف المجازر. كما انها تعد مأساة أخري تضاف لكثير من المآسي التي يعيشها المسلمون, والذين أصبحوا أكثر أتباع الأديان تعرضا للاضطهاد, وأكثر البشر بحثا عن اللجوء هنا وهناك, سواء تم ذلك بأيدي آخرين, أم بأيدي بعض طغاتهم, كما في سوريا التي أصبحت مأساة القرن. ووفقا لتقرير للأمم المتحدة فإن عدد الدول التي تشهد صراعات داخلية علي خلفية دينية أو عنصرية يقدر ب50 دولة تم تهجير نحو65 مليون شخص منها غالبيتهم من المسلمين!! واثارة قضية مسلمي بورما مثل بقية قضايا الأقليات المسلمة المعذبة تثاركل فترة بفعل فاعل, ويهتم لها المسلمون أياما أو أسابيع, ثم تغمرها أمواج النسيان, حتي تأتي فاجعة أخري تذكرنا بشعب مسلم آخر لنعيد نفس الكرة!!. فما يحدث في بورما الآن يحدث بالطريقة نفسها مع عدم تسليط ضوء إعلامي- نتيجة لكثرة المآسي- في كشمير مع السلطات الهندية وتركستان مع السلطات الصينية والشيشان من السلطات الروسية, ويحدث أيضا في محيطنا القريب مع عرب الأحواز مع السلطات الإيرانية, وفي سوريا وليبيا والعراق علي يد داعش!!. وما هو أشد بشاعة من حرب الإبادة ضد المسلمين,هو تغييب العقل العربي والإسلامي,وفشل الإعلام في التعامل مع ملف هذه المأساة الإنسانية التي لم يعرف التاريخ مثيلا لها,ولم تأخذ قسطا من اهتمام حكام المسلمين الذين يجب محاكمتهم وإعدام بعضهم بتهمة الخذلان,ولا المؤسسات الخيرية والتطوعية,سوي مجرد تصريحات وبيانات إدانة خجولة وإن تصاعدت حدتها في الأيام الأخيرة, وكلها تصب في خانة خداع الذات وتهدئة عواطف الجماهير المتألمة علي شعب يتعرض لاضطهاد فادح علي مرأي من العالم. ربما يكون الرئيس عبد الفتاح السيسي,من زعماء العرب والمسلمين الذين قاموا بواجبهم الإنساني والديني وأدانوا أحداث العنف التي تشهدها ميانمار... الأكثر من ذلك أنه اعتبر أن استمرار الانتهاكات بحق مسلمي الروهينجا يساعد علي تغذية الإرهاب والفكر المتطرف! إن العالم بحاجة إلي وضع أسس جديدة للتعامل وفق مبادئ الحق والعدل والمساواة, ولا يمكن أن يسود العالم الاستقرار طالما كانت هناك مكاييل مختلفة تقاس بها الأزمات وتوضع الحلول علي أساسها. فلا يمكن السكوت علي اتفاق وتواطؤ كامل بين الجيش والميليشيات البوذية وبتغطية مخزية من رئيسة الوزراء الفائزة بجائزة نوبل للسلام اونج سان سوتشي علي إبادة المسلمين. كما لايمكن السكوت عن تعرية الوجوه الكريهة لبعض الأطراف التي تبدي تعاطفا مضمرا مع عملية الإبادة,مثل الاتحاد الأوروبي, الذي يمارس لعبة سياسية كبري لمنافسة الهندوالصين في استثمار مصادر ميانمار الطبيعية الغنية بالنفط, والغاز, والذهب والخشب والعقيق, وهو ما يفسر زيارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لميانمار, ومديحها من قبل مسئولين غربيين عديدين!!. إن أزمة مسلمي بورما مسئولية كل عربي ومسلم حاكما ومحكوما, قبل أن نقف جميعا بين يدي الله ويسألنا عن نصرتنا لإخوة يستنجدون بنا في عالم يتحزب فيه كل أبناء ديانة ويدافعون عن إخوانهم في العقيدة...إلا نحن المسلمين.