العقول المصرية المهاجرة كثيرة, ونادرا ما يوجد من بينها من لا يحلم بالعودة لأرض الوطن, ومن بين هؤلاء النوابغ التقينا الدكتور أحمد عمار أحد أشهر أطباء جراحة المخ والأعصاب في العالم, وهو طبيب مصري درس بكلية الطب بجامعة طنطا وتخرج عام1977, وفي عام1980 حصل علي دبلومة من معهد كارولينسكا في السويد, ثم حصل علي الدكتوراه من جامعة شونشو اليابانية عام1984, وحصل علي عضوية البورد من جامعة كارولينسكا السويدية, ويعد من أشهر جراحي المخ والأعصاب علي مستوي العالم حيث حصل علي عدة براءات اختراع لأجهزة متخصصة في مجاله منها اثنتان تم تسجيلهما في مصر عام2014 لابتكاره غضروف صناعي محاكي للطبيعي يمكن زراعته بالرقبة. كما حصل الدكتور عمار علي براءتي اختراع من أمريكا إحداهما لانبوب وصمام خاص لتصريف المياه من المخ للأطفال المبتسرين وحديثي الولادة عام1992, والثانية لجهاز سحب عينات لأورام المخ بدون جراحة وقامت بانتاجه شركة سويدية, وأخري عن جهاز مبعد ذاتي لفصل الأنسجة أثناء عمليات الإنزلاق الغضروفي والنخاع الشوكي بالعمود الفقري, بالإضافة إلي برائتي اختراع أخرتين قيد التسجيل, الأولي عن ابتكاره لنظام كامل به أكثر من جهاز فوري لتشخيص أورام المخ أثناء العمليات الجراحية, والثانية لنظام تشخيص الأورام بأي مكان بالجسم أثناء العمليات, بالإضافة إلي فكرتين جديدتين يعمل عليهما حاليا لأجهزة متطورة في جراحات المخ والأعصاب. وله العديد من الكتب العلمية المتخصصة في مجال جراحة المخ والأعصاب وأخلاقيات البحث العلمي الطبي, ووأشرف علي تأسيس وحدة الرعاية المركزة للمخ والأعصاب في مستشفي السلام المصرية قبل يعود للعمل مرة أخري بالمملكة العربية السعودية, إلا أنه يخطط للعودة النهائية لمصر بعد بلوغه سن المعاش ليتفرغ للأبحاث العلمية في مجاله واكتشاف ومساعدة الطلاب النابغين في مجال ابتكار الأجهزة الطبية, كان لنا معه هذا الحوار عن مشواره العلمي وخططه المستقبلية في مصر فقال:تخرجت من جامعة طنطا عام1977, وسافرت للسويد عام1979 للتخصص في جراحة المخ والأعصاب بمعهد كارولينسكا المشرف علي منح جائزة نوبل في الطب, وهناك بدأت مجال البحث العلمي الطبي, ثم سافرت إلي اليابان لدراسة جراحات المخ والأعصاب الميكروسكوبية المتقدمة بجامعة شونشو وحصلت علي الدكتوراة وقدمت هناك ثلاثة أبحاث علمية الأول عن تكيف أنسجة الجسم مع الأنسجة المزروعة, والثاني عن استخلاص علاج من بكتيريا الأمراض الخبيثة الدرن وبالفعل نجحت لكن تخوفوا من تنفيذ العلاج وقتها. وأين مصر من خبرتك العملية؟ في عام1999 تمت الاستعانة بي من قبل الدكتور اسماعيل سلام وكان وقتها وزيرا للصحة, لتأسيس مستشفي السلام التخصصي, وقمت بإنشاء قسم متكامل لجراحة المخ والأعصاب وأسسنا أول غرفة رعاية مركزة للمخ والأعصاب ومركز للاصابات والحوادث, كما شاركت وقتها في لجنة نظام زمالة المخ والأعصاب وكانت اللجنة تابعة لمجلس الوزراء, بالإضافة لعضوية اللجنة القومية لحوادث الطرق والتي لم تجتمع طوال مدة وجودي بمصر سوي مرة واحدة فقط, وكان العمل يسير بشكل جيد في المستشفي ونجحنا في تدريب كوادر جيدة من الأطباء وهيئة التمريض, إلا أنه بعد خروج الدكتور اسماعيل سلام من الوزارة واجهت صعوبات كثيرة حيث شعرت بأن هناك من لا يريد وجودي في مصر وبدأت تحاك ضدي المؤامرات والشكاوي التي كادت تودي بي للسجن, فقررت الاستقالة عام2002 وسافرت مرة أخري للعمل بالمملكة العربية السعودية. وماذا عن براءات الاختراع التي حصلت عليها, ولماذا لم يتم تسجيلها بالكامل في مصر؟ أؤمن طوال عمري بأن أقضل شيء في العالم هو الفكرة, والأفكار الجديدة التي تخدم البشرية هي التي تمكننا من تحقيق الكثير بأقل الإمكانيات, وحين بدأت مشوار الابتكار لجأت لتسجيل براءات الاختراع الخاصة بي في أمريكا لوجود الشركات المنتجة, ووقتها لم يكن في مصر جهة تحمي الأفكار والابتكارات والاختراعات خارج مصر, لكن بعد انضمام مصر للاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية الملكية الفكرية أصبح الأمر سهلا, لذلك لجأت منذ ثلاث سنوات لتسجيل ابتكار خاص بالغضروف الصناعي في مصر لأنه يمكن تنفيذه في مصر ولا يحتاج لتكنولوجيا متقدمة, ووقتها علمت بأن في ذلك العام كان هناك800 ابتكار مصري تم نسجيلهم بأكاديمية البحث العلمي, وفكرت لو أن نصف هذه الابتكارات فقط تم تصنيعها, لأحدثت فارقا كبيرا في الدخل القومي لمصر ولكن ألا تري أن القيادة السياسية الحالية لديها الإرادة الكافية لحل هذه الأزمة والاستفادة من العقول المصرية الشابة والمهاجرة أيضا؟ لا أنكر أن هناك اهتماما كبيرا بالبحث العلمي في مصر الآن, ولكن معظم المؤسسات العلمية في مصر تعمل في جزر منعزلة, فالجامعات المصرية كلها تقريبا لديها مراكز أبحاث ولدينا المركز القومي للبحوث العلمية, وكلها تعمل بمعزل عن بعضها, وأري أنه من الأفضل أن يتم هذه المراكز ببعضها البعض, من خلال شبكة معلومات مجمعة والعمل بنظام الأبحاث متعددة المراكزMulti-centerresearch, ليكون لدينا بحث واحد كبير تعمل فيه عدة مراكز, ويتولي كل مركز إجراء جزء أو مرحلة من البحث حسب الإمكانيات والأجهزة المتوفرة لديه, ويتم تبادل المعلومات والنتائج بين المراكز, لتوفير تكاليف الأبحاث ومنع تكرار الأفكار والأبحاث والجهود المبذولة, وكذلك خلق علاقات ثقة قوية بين الباحثين, وهذا يساهم مع الوقت في ابتكار وتطوير أفكار جديدة للابحاث ويضمن استمرارية الأبحاث العلمية فرصة, فالربط العلمي بين المراكز والباحثين أهم بكثير من عملية الربط الإداري, لذلك لا يهم أن يكون البحث العلمي تحت مظلة وزارة أو هيئة أو مجلس, ولكن الأهم هو أن يحدث ربط علمي. وكيف تري دور العلماء المصريين المهاجرين والعاملين في الخارج في تنمية المجال البحثي في مصر؟ علماء مصر بالخارج يجب أن ينضموا لهذه المنظومة العلمية, ولكن العلماء المصريين بالخارج لن يستطيعوا وحدهم قيادة قاطرة البحث العلمي, لأن لهم أرتباطاتهم وأبحاثهم, ولضمان الاستفادة منهم لابد أن يتم العمل في إطار فريق متكامل من الباحثين المصريين المقيمين بمصر, فهؤلاء هم القادرين فعلا علي قيادة قاطرة البحث العلمي, بحيث يتم التعاون بين الباحثين المقيمين بمراكز الأبحاث المصرية وبين علمائنا بالخارج, والدكتور مصطفي السيد صاحب فكرة علاج السرطان بذرات الذهب, مثال لنجاح هذه التجربة فهو يمارس عمله بالخارج وينفذ بحثه في المركز القومي للبحوث العلمية, فلابد أن ننفتح علي العلماء المهاجرين ليشاركوا بالأفكار وتأصيلها والإشراف عليها, لكن تنفيذ الأفكار واستكمالها مرهون بالباحثين المقيمين بمصر. وهناك أمر آخر يجب الانتباه له لأنه يؤدي لفشل هذه التجارب, وهو نظرة بعض الباحثين المصريين للعالم المصري القادم من الخارج, حيث يراه بعض المسئولين وأ الباحثين كشخص نزل عليهم بالبراشوت لينافسهم ويسرق جهودهم, هذا يقودنا إلي الحديث عن أخلاقيات البحث العلمي, كيف تري هذه الأخلاقيات خاصة وأن لك كتابا تناول هذا الموضوع؟ وهل يلتزم الباحث المصري بهذه الأخلاقيات بنفس النسب الموجودة علي مستوي العالم؟ هذا الأمر في غاية الأهمية, فالبحث العلمي مجال شديد الحساسية, وغياب أخلاقيات البحث العلمي تخرجه من مجال البحث العلمي إلي مجال السرقة, ومن يلجأ إلي السرقة لا يمكن أن يكون باحثا علميا حقيقيا أبدا, وحتي الآن لا استطيع أن أصدق فكرة أن يقوم بالعض بكتابة وإجراء رسائل بحث علمي ليبيعها لمن يريد الحصول علي درجة علمية تساعده في الحصول علي ترقية, وهو أمر سئ وموجود في العالم كله, لذلك تم ابتكار برامج مخصصة لكشف السرقات في الأبحاث العلمية, فأهمية البحث العلمي تكمن في مدي فائدة فكرة البحث, والباحث الحقيقي يجب أن يكون أمينا وأن يكون دافعه لإجراء البحث هو البحث العلمي والابتكار وليس الحصول علي درجة وظيفية, وفي مصر أعرف شخصيا باحثين علي درجة رفيعة من العلم والخلق, لكني أيضا أسمع عن رسائل علمية عليها علامات استفهام, واعتقد أن حل هذه المشكلة يكون بالفصل بين الدرجة العلمية والدرجة الوظيفية, وما هي رؤيتك للفكرة التي تسعي لتطبيقها في مصر بعد عودتك؟ أعمل علي تأسيس أكاديمية عالمية للابداع والابتكارات الطبية, لأني مؤمن بوجود شباب مصري وعربي لديه قدرة كبيرة علي الابداع والابتكار, لكنه يفتقر للنظام الذي يساعده علي تطبيق هذه الأفكار عبر منهج بخث علمي سليم, يؤدي في النهاية لتحويل الأفكار إلي منتج حقيقي يمكن تصنيعه وتسويقه محليا واقليميا وعالميا, لتعود الفكرة بربح علي صاحبها وعلي منتجها ومصنعها أيضا, وفي النهاية يصب هذا في الناتج القومي للبلد. وما هي آليات تنفيذ هذا الحلم من وجهة نظرك؟ من خلال خبرتي في مجال الابتكارات العلمية, حيثت قدمت عدة أبتكارات تم تصنيعها بالفعل وبعضها جاري تصنيعه وبعضها جاري الاتفاق والبحث عن شركات لتصنيعه, توصلت إلي أن هذه المنظومة تتكون بالأساس من الشخص صاحب الفكرة, ثم تأتي مرحلة تحقيق الفكرة وتقييم مدي ابتكاريتها, ثم مرحلة تأصيلها في منهج بحثي, ثم مرحلة التجربة العلمية والعملية, لتأتي بعد ذلك مرحلة تسويق الفكرة لتحويلها لمنتج سواء كانت عبر مصنع أو تطبيق برمجي, وبعد الوصول للمنتج تبدأ مرحلة تسويقه تجاريا. هذه باختصار المنظومة التي أعمل مع فريق مصري علي تأسيسها لتكون مهمتي التي أحلم بأن أخدم بلدي من خلالها بعد التقاعد. كيف تري فوائد هذه الفكرة؟ لها فوائد عديدة علي كل المستويات, أولها أنها تضمن عدم ضياع الأفكار المبتكرة وتحفظ حق أصحابها فيها حتي لا تتعرض اللسرقة, كما أن انتاجها وتسويقها يعني استفادة العالم كله منها, ومن ناحية أخري فهي تدعم شعور الشباب بالانتماء والواء لوطنهم والاعتزاز به, وتحفز الشباب علي الإبداع والتجديد, وتساهم في وقف نزيف العقول المهاجرة, ومع الوقت تساعد في خلق كيانات مصرية كبيرة في هذه الصناعة الدقيقة وتحفيز الشباب علي تأسيس مشروعات وشركات صغيرة لانتاج وتسويق هذه الأفكار, وفي النهاية ستساهم هذه الصناعة في نمو الدخل القومي المصري بشكل كبير جدا.